في الزعتري: إرادة العيش تقهر الصحراء.. والحبٌ يعبر الحدود إلى الوطن

8d06f272-dad4-4ad3-9882-a2523da236ee

زيتون – أسامة العيسى 

لم تمنعهم قسوة الحياة وسط الصحراء من الإصرار على مواصلة العيش، منذ أن وطأت أقدامهم أراض الأردن «لاجئين»، حيث أقاموا ولا زالوا في «مخيم الزعتري» الواقع شمال شرق محافظة المفرق، قرب الحدود مع العراق وسوريا (الوطن)، منذ قرابة خمس سنوات قاسية للغاية.
وعلى الرغم من وقوع المخيم المذكور وسط صحراء قاحلة في أقصى شمال شرق الأردن، فإن ذلك الحال لم يمنع السوريين من التعايش معه في مسعى للإصرار على البقاء، فكان كما الحزن موجود ولا ينفك يغادرهم، ومنهم الشهيد والمعتقل والمفقود والنازح واللاجئ، كان شيء من الفرح ولا زال يرتسم على وجوههم المتوشحة بغبار الصحراء، عنوانه بسمة أمل بغد أفضل، وعودة عاجلة غير آجلة إلى وطن افتقدوه وعزّ اللقاء.
طقوس الزواج التي تعد جزء من مظاهر أية حياة اجتماعية تتواجد هنا في «الزعتري» أيضاً، وإن كانت بنكهة أخرى لا يعرف طعمها إلا السوريين أنفسهم، حيث الفرح هنا بعيد عن الوطن ومن في الوطن، ومن بقي ومن غادر بعودة أو بدونها، فيما لا زالت العروس السورية أيضاً تمتلك فستان فرحها في وسط الصحراء الموحشة، أملاً بالحياة وحباً للقادم من الأيام، وهو حال السوريين جميعاً.
«ناهد»، وهي كوافيرة في محل لتلبيس العرائس في مخيم الزعتري، تقول لـ»زيتون»: «هذا الشيء (الفرح) من حق أي إنسان كان، لأن الحياة ستستمر بنا أو بدوننا، وبكل الأحوال عن أي فرح نتحدث ونحن هنا في هذه الصحراء القاسية؟ وهل هذا اسمه فرح؟ وهل نحن هنا كما كنا هناك في سوريا؟ بالتأكيد لا، لكن الناس تريد أن تعيش، الفتيات كبرت، ومنهن كثر في سن الزواج، وكذلك الشباب..».
وعن مظاهر الأفراح وتزيين العرائس تروي «ناهد»: «هنا لم تبقى العادات تماماً كما كان الحال عليه في سوريا، وإن كانت الأمور الأساسية لم تتغير، حيث تأتي العروس إلينا قبل يوم الزفاف أحياناً في ليلة العرس (ليلة الحناء)، وأحياناً فقط في يوم الزفاف. نقوم بتزيينها بما هو متاح لنا، وليس بالشكل المطلوب، وأيضاً وفق إمكانات الناس، لأن اللاجئين هنا لا قدرة لها على القيام بما كانوا تقومون به في سوريا. بعدها تعود العروس بسيارة بالأجرة إلى منزل أهلها .. وهكذا هو العرس هنا».
وتضيف «طبعاً نحن هنا في كرفان (مسبق الصنع) لأنه لا يوجد محال كما العادة في المخيم ولا يجوز أن تكون موجودة، ولذلك …(بعد تنهيدة طويلة): هذا هو المتوفر الآن، نحمد الله على كل حال، مهما كان الحال ففرحنا منقوص، لأن من نحب رحلوا ونحن بلا وطن.. الأوجاع كثيرة والمصاب كبير..».
بالمقابل، «محمد ح.» لاجئ من درعا يقول إن عمره الآن 23 عاماً، وهو على وشك الإعداد لزواجه في المخيم، إلا أنه يؤكد أنه لن يفرح كما في سوريا، فأمه استشهدت وأخته أيضاً في العام 2012م بقصف النظام السوري، ويضيف: «صحيح أنني أفرح الآن بلا أمي وأختي، لكنني مضطر لذلك، أنا أسكن هنا مع أحد أقاربي، وأنا الآن شاب وأعمل مثل كا الشبان، أنا بحاجة فتاة تهتم في لأنني تدمرت من بعد أن رحلت أمي وأختي، أما أبي فبقي في سوريا وأخي الأخر أيضاً، وأنا هربت لأنني أصبت بقدمي برصاصة من الجيش (جيش النظام) وتعالجت وبقيت هنا، لكون الوضع في الداخل (داخل سوريا) من سيء إلى أسوأ..!».
ويشير «محمد» إلى أنه سيقوم بدعوة بعض أصدقائه ومن هو موجود من أقاربه ومعارفه فقط لفرحه الذي يصفه بـ»الفرح اليتيم»، إنهم بضعة أشخاص كما يؤكد: «من المحتمل خمسة عشر شخصاً ومن المحتمل أقل من ذلك، لأنني ليس لي أحد هنا إلا عائلة واحدة»، والكلام لمحمد.
أيضاً، لم يبقى الحب بين السوريين مقصوراً على «الزعتري»، بل إنه تعدى الحدود، حيث يتم أحياناً عقد قران فتاة في المخيم على شاب موجود في سوريا بموجب وكالة شرعية، ومن ثم يتم تسفيرها إليه عبر ما يعرف بـ»العودة» التي تنظمها السلطات الأردنية عبر المعابر غير الشرعية، وبالتنسيق مع الجيش الحر.
ووفق مصادر ميدانية من المخيم فقد نظم أكثر من عقد شرعي عادت بموجبه العروس إلى الوطن ليلاقيها العريس وأهله على الشريط الحدودي، في أقرب ما يكون لـ»الحب العابر للحدود، والذي أصبح جزءاً من حياة العديد من السوريين بسبب البعد عن الوطن والأهل» كما تقول «أم مازن»، وهي لاجئة من حمص في الزعتري منذ 3 سنوات، وتضيف: «من أفضل ما أكرمنا الله به أننا شعب يحب الحياة، ولا يمكن بحال أن تموت فيه روح البقاء، لأنه يؤمن بأن كل ما يحصل معه هو أمر مقدّر عليه من الله، ومثل هذا الشعب سينصره رب العالمين بإذنه تعالى عاجلاً غير أجل».