حلب في عين المعارك.. جبهات القتال وتوزع السيطرة

984319_612760275402781_1476308792_n

زيتون – محمد علاء 

توقفت خريطة السيطرة في مدينة حلب وريفها على تداخل كبير مع بدء سريان الهدنة التي وقعت عليها الدول الكبرى، والتي استثنت كل من جبهة النصرة وداعش، وتقاسمت السيطرة على حلب وريفها كل من داعش وقوات النظام والقوات الكردية والجيش الحر ضمن خطوط اشتباكات متداخلة، تشترك في بعض المناطق أطراف عدة على جبهة واحدة مثل جبهة مارع التي تجمع خطوط التماس فيها جميع الأطراف المتحاربة في المدينة.
الجيش الحر يتهم القوات الكردية بتسهيل تقدم قوات النظام مقابل تسليم إحرص لهم
هاجمت قوات النظام مدعومة بمليشيات طائفية قبل بدء الهدنة بيوم واحد، قرية «الشيخ عقيل» قرب بلدة «قبتان الجبل» بريف حلب الغربي، معقل حركة نور الدين زنكي، وسيطرت عليها لساعات عدة، لتستعيدها فصائل الجيش الحر في هجوم مضاد، وتكبيد القوات المهاجمة خسائر بشريةً كبيرةً في صفوف القوات المهاجمة.12734246_458939197630499_1161592858350433326_n
وأصدرت حركة نور الدين زنكي بيان نشرته على مواقع التواصل الاجتماعي، إتهمت فيه القوات الكردية بتسهيل تقدم قوات النظام الى قرية «الشيخ عقيل» من داخل أراضي تسيطر عليها، مقابل تسليم قوات النظام قرية «إحرص» للقوات الكردية.
ويبدو واضحاً أن قوات النظام، تسعى جاهدة للوصول الى بلدة «قبتان الجبل» لقطع الشريان الأخير لمدينة حلب وهو الطريق الذي يصلها بريفها الغربي، ناهيك على أن سيطرتها على قبتان يمكنها من حصار مدن «حريتان وعندان وحيان وكفر حمرة» بريف حلب الشمالي، ما يسهل مهمة السيطرة عليهم فيما بعد.
داعش وقوات النظام ومعارك خطوط الإمداد في خناصر
لا يزال طريق اثريا- خناصر الاستراتيجي مغلق رغم استعادة قوات النظام بلدة خناصر بعد يوم واحد من سيطرة داعش عليها في 25 شباط الماضي، وتدور اشتباكات عنيفة في مناطق واسعة منه بينهما.
وكانت داعش قد قطعت طريق خناصر- حلب وسيطرت على عدة نقاط منه بعد هجوم عنيف ومباغت بدء في 21 شباط على نقاط قوات النظام من طرفي الطريق الشرقي والغربي، وسيطرت على بلدتي «خناصر ورسم النفل» والحواجز المحيطة بهما جنوب مدينة السفيرة.
وتقع بلدة خناصرعلى الطريق الواصل بين أثريا في ريف حماة الشرقي، ومدينة السفيرة شرق حلب، ويعتبر هذا الطريق ذو أهمية كبيرة للنظام السوري، إذ يعد شريانه الوحيد إلى حلب.
هي المرة الثانية التي تستطيع داعش قطع الطريق خلال 4 أشهر، فقد نفذت هجوماً في أواخر شهر تشرين الأول / أكتوبر من العام الفائت 2015 وسيطرت على أجزاءً واسعةً من الطريق واستمر انقطاع الطريق لأكثر من 15 يوماً، لتتمكن بعدها قوات النظام من استعادته مجدداً بعد استقدام تعزيزات للمنطقة.
جبهة كويرس ومعارك طريق الرقة
بعد كسر الحصار عن مطار كويرس في شهر تشرين الثاني من الماضي، لم توقف قوات النظام عملياتها المدعومة من سلاح الجو الروسي في المنطقة، واستمرت في محاولات التقدم باتجاه محورين هما:
«محور مدينة الباب ومحور المحطة الحرارية» التي سيطرت عليها يوم السبت في 20شباط، بعدما خسرتها منذ عامين لحساب تنظيم الدولة الإسلامية.
وتأتي سيطرة قوات النظام على المحطة، بعد فرضها حصار من ثلاث جهات (الجنوبية والشرقية والغربية)، ورصدها للجهة الشمالية، وهي خط إمداد تنظيم الدولة الأخير للمحطة، المتوقفة عن الخدمة منذ عامين، وقد شاركت قوات إيرانية ولبنانية مع قوات النظام في الحملة بمساندة للطيران الروسي بشكل كثيف، ما أجبر التنظيم على التراجع باتجاه شمال طريق حلب- الرقة الدولي، كما أُجبر على الانسحاب من عشرات القرى والمزارع المحيطة بالمحطة الحرارية خوفاً من حصار قواته، وقد حُوصر عشرات من مقاتليه في حوالي 16 قرية واقعة على جانبي طريق حلب-الرقة.

وكانت داعش قد سيطرت على المحطة في تشرين الثاني 2013 بعد اشتباكات مع قوات النظام المحاصرة في المحطة، ومنذ ذلك الوقت خرجت المحطة عن الخدمة
(تقع المحطة الحرارية على بعد 30 كم شرق مدينة حلب على طريق حلب-الرقة).

وبهذا التقدم أصبح بمقدور قوات النظام تأمين الطريق الدولي الواصل بين مطاري كويرس العسكري والنيرب العسكري، مما يزيد القوة النارية لقواتها بالمنطقة، ويعزز القدرة الدفاعية الجوية للروس شمال وشرق سوريا، فيما لو رغبوا بجعله قاعدة جوية، والتي ستكون قريبةً جداً من الحدود السورية التركية، وستقضي على أي آمال تركية بإنشاء منطقة آمنة أو عازلة على حدودها الجنوبية مع سوريا.
من جهة أخرى لا تزال قوات النظام تحاول التقدم باتجاه مدينة الباب، لكن بحدة أقل مقارنةً مع معارك المحطة الحرارية، فهي لم تنجح بالتقدم شمالاً منذ سيطرتها على قرية «النجارة» مع بداية شهر كانون الثاني من العام الحالي، وهي قرية تبعد عن مدينة الباب نحو 7 كم شمالاً، وتبعد عن طريق «أبو جبار» الإستراتيجي نحو 10 كم جنوباً، وهو الطريق الوحيد الذي يربط مناطق سيطرة التنظيم في ريف حلب، بمناطق سيطرته في الرقة، وذلك بعد انقطاع طريق» سد تشرين» وسيطرة الميليشيات الكردية على السد والمناطق المحيطة.
معارك الجيش الحر مع القوات الكردية وحرب المدعومين أمريكياً
بعد تقدم قوات النظام مدعومة من مليشيات شيعية وايرانية وسلاح الجو الروسي الذي كثف بشكل غير مسبوق غاراته في ريف حلب الشمالي، وانشغال الجيش الحر بوقف زحف قوات النظام، برزت الى الواجهة الميليشيات الكردية المدعومة أمريكياً وروسياً في ريف حلب الشمالي، والتي انتهزت فرصة انشغال الجيش الحر في معاركه ضد قوات النظام، واستطاعت السيطرة على مطار منغ العسكري وعلى بلدات وقرى أخرى بدعم جوي روسي عنيف، كان أخرها بلدة تل رفعت يوم الإثنين 15 شباط الجاري.12744425_1034918683245818_5966807023190683571_nوتحاول هذه الميليشيات الكردية اليوم الوصول الى مدينة مارع، عبر الهجوم على بلدة الشيخ عيسى، وهي المنفذ الوحيد لقوات المعارضة الى إعزاز، حيث باتت المدينة شبه محاصرة من القوات الكردية غرباً باستثناء طريق الشيخ عيسى، كما يحاصرها من الجهات الشرقية والشمالية والجنوبية تنظيم الدولة، والذي يحاول هو الأخر اقتحام المدينة مستفيداً من ضعف الجيش الحر، الذي تمكن حتى الأن من صد المهاجمين على المدينة، رغم كثافة غارات الطيران الروسي للقوات الكردية في المنطقة.
وتهدف القوات الكردية في تقدمها هذا الى تحقيق خطتها بوصل قواتها غرب الفرات بشرق الفرات، والوصول الى مناطق يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية، من أجل استجلاب الدعم الجوي الأمريكي، الذي سيدعمها في حربها ضد التنظيم حتى لو كانت تلك مناطق عربية وتركمانية.
كما شهدت الأيام الأخيرة محاولات عدة من القوات الكردية في حي الشيخ مقصود، للتمدد خارج الحي وقطع طريق الكاستيلو «الطريق الوحيد من مدينة حلب الى خارجها»، حيث هاجمت القوات الكردية حي الهلك أولاً محاولةً السيطرة عليه لكن تمكن الجيش الحر من طردهم من كامل المنطقة، وأجبرهم على الإنسحاب الى حي الشيخ مقصود، الذي شنوا منه هجمات على حي الاشرفية، في منطقة السكن الشبابي المطلة بالكامل على طريق الكاستيلو، ما أدى لانقطاع الطريق بشكل شبه كامل، اضطر الجيش الحر لشن عملية واسعة يوم الجمعة 19 شباط، ليسترجع بعدها ما خسره ويعيد القوات الكردية الى داخل حي الشيخ مقصود، ضارباً طوقاً من جهتين على الحي الذي لا يزال مفتوحاً على قوات النظام من الجهة الغربية والجنوبية.
هدوء الجبهات الكردية مع ثوار ادلب
وفي ظل محاولات القوات الكردية التقدم وقضم مناطق من الجيش الحر في حلب، لا تزال جبهات القوات الكردية «الكبيرة» تنعم بالراحة والأمان بحدودها مع الريف الادلبي، ولم يتم أي إشتباك ما بين قوات المعارضة والميليشيات الكردية في هذه الجبهات كما كان يتوقع من ثوار ادلب نصرةً وتخفيفاً عن ثوار حلب، وبقيت خطوط جبهاتهم مع القوات الكردية من الطرف الغربي الشمالي لعفرين هادئة، ما أعطى فرصة لتلك الميليشيات للاستمرار في تقدمها.
تدخل المدفعية التركية للحد من تقدم القوات الكردية
قصفت المدفعية التركية مناطق القوات الكردية بعد تقدمها قصفاً خجولاً، لم يمنع سيطرة الأكراد على تل رفعت، ولم يبلغ يتجاوز عدد القذائف التي أطقتها المدفعية التركية طوال اليوم الأول، عدد القذائف التي تطلقها قوات النظام خلال نصف ساعة على بلدة عندان مثلاً بريف حلب الشمالي، كما لم يأت هذا القصف المدفعي بتنسيق مع هجمات الجيش الحر في المنطقة، ما جعله دون فائدة عسكرياً، في الوقت الذي تدفع تركيا ثمناً باهظاً بسببه سياسياً داخلياً ومحلياً.
اللاجئين
لا يزال عشرات الاف اللاجئين عالقين على الحدود السورية التركية بمنطقة اعزاز، بعد اغلاق القوات التركية الحدود أمامهم، ومنعتهم من الدخول الى الأراضي التركية، وأقامت لهم مئات الخيام لا تكفي تستوعب أكثر 3% منهم، مدعيةً أنه لا حاجة ملحة لدخولهم الأراضي التركية في الوقت الحالي، ويعاني اللاجئين في تلك المنطقة من ظروف معيشية صعبة، في ظل غياب المنظمات الدولية بالكامل، وهي التي لديها قرار أممي يجيز تدخلها داخل الحدود السورية دون موافقة قوات النظام، ورغم ذلك لم تقدم تلك المنظمات أي شيء يذكر.
خطوط الاشتباكات في حلب
باستثناء خطوط الاشتباكات التي دارت فيها المعارك بين الجيش الحر والقوات الكردية، تبقى جبهات المدينة جميعها في حالة ثبات، وسط قصف متبادل من الطرفين بشكل مستمر، دون أن يحاول أي طرف التقدم على حساب الأخر، حتى قبل بدء الهدنة بين الطرفين، فقد شهدت جبهات شرق حلب امتداداً من المنطقة الصناعية والبريج ووصولاً الى مطار النيرب، مروراً بحي الشيخ سعيد على أطراف المدينة الجنوبية، الى داخل أحياء حلب القديمة والجنوبية من حلب، بروداً فيها.12742615_459762237548195_5503822897909194561_n
ويعيش حوالي 350 ألف مدني داخل أحياء المدينة، في حالة فقر مدقع، وفي ظل انقطاع الكهرباء منذ نحو 120 يوماً، وانقطاع للمياه منذ 50 يوماً، كل ذلك بسبب انقطاع خطوط امدادها بعد تعرضهما لأضرار نتيجة المعارك وبسبب وقوع محطات الضخ في مناطق معادية.

طريق واحد هو كل ما تبقى لمدينة حلب
طريق واحد هو كل ما تبقى من والى مدينة حلب، يربطها بريفها الغربي، والذي يمكن الحلبيين من الوصول منه الى ادلب أو اللاذقية، وهو طريق «الكاستيلو- كفر حمرة»، بعد أن قطع النظام الطريق الواصل بين حلب واعزاز، عقب سيطرته على قرى» معرسته الخان وبيانون وماير» التي كان يمر منها الطريق، كما قطعت القوات الكردية طريق تل رفعت – اعزاز بعد سيطرتها على تل رفعت.
وبرغم أن طريق الكاستيلو يعمل بشكل كامل إلا أنه غير آمن، بسبب حالات القنص التي تقوم بها القوات الكردية في حي الشيخ مقصود، والتي تحاول جاهدة قطع الطريق لاضعاف الجيش الحر بحلب كما فعلت في ريفها، إضافة لما تقوم به الطائرات الحربية الروسية وبشكل مستمر بقصفها للطريق مستهدفتاً كل من يمر به دون التمييز بين العسكرين والمدنيين، أيضا ما تقومبه مدفعية النظام من قصف الطريق، ما انعكس سلباً على المدنيين الذين باتوا يحجمون عن الخروج من المدينة «التي يخشون أن يتحاصروا بها»، خوفاً من الموت على الطريق مثلما حدث لعائلة كاملة من النساء والأطفال قضت عندما استهدافهم بسلاح المدفعية التابع للنظام على طريق الكاستيلو في 13-2-2016
حلب المدينة العريقة بتاريخها الغنية بخيراتها باتت جائعة مدمرة يعاني أهلها من الفاقة والتشرد والخوف، تتناهبها قوات كردية انتهازية وميليشيات شيعية مرتزقة وطائرات روسية تصب الموت على المدنيين، كل ذلك فقط لأنها طالبت بحريتها وكرامتها، في زمن بات فيه العالم متجاوزاً لإنسانيته.