حلم من مطاط

10307373_1714917942076300_8787227283156488038_n

بدأ بعض ركاب البلم بالتقيؤ من جراء دوار البحر الذي باغتهم، و شعرت ببعض الدفء يسري على ساقي، سررت بتلك الحرارة الطارئة على بردي، كان أحدهم يتقيأ علي ويسبغ على جسدي ما حوت معدته، لم أنزعج حقيقة بل ضحكت، ضحكت بدمع حرق ملح وجهي، هل جربتم يوما الضحك من فرط الحزن والخوف معا؟
أنا جربته واستمتعت بذلك كنت مختلة.
لم يكن نصب عيني إلا تلك التي تلوح معربدة أمامي بأضوائها ومظاهر الحياة عليها، كنا على الجانب الآخر من الحضارة، كنا قراصنة العصور الوسطى في مركبهم المهترئ، المركب الذي يعج بالقيء والدمع والأطفال، كانت اليونان أجمل وأقذر المدن في واقعي، وتذكرت كم مات في سبيل الوصول إليها أناس ابتلعت صرخاتهم أعماق البحر.
كنا نقترب، ونقترب وكلما اقتربنا بدت أبعد، لطالما سمعت من الناس جملة (البحر غدار)ليتهم أضافوا وصفا آخر: البحر يحب الصغار، كنا صغاراً رغم كهولتنا التي عشناها في صبا، كبرنا في بلادنا آلاف السنين وصغرنا في أعين الدنيا كأن لم نكن، ماالفرق الذي سيحدثه غرقنا في القضية؟ لاشيء، كنا سنصبح على أحسن تقدير مجرد حدث، ليته عاجل، لأننا أقل شأناً من أن تولينا محطات الأخبار عنواينها العاجلة، فنحن على الهامش، منذ استباح أعداء الحب دمنا ولم يحرك العالم ساكناً، صرنا بلا وجود وبلا قيمة.
صاح رجل من آخر المركب: سنصل سنصل، هنا بدأت موسيقا المسلسل الكرتوني الذي أحياه بالتسلل الى سمعي، فقد كانت جزيرة كنزي أمامي، فالأقل جزيرة مخاضي الأول وحزني الأخير، «ها نحن ذا على دروب كنزنا» رحت أدندن الأغنية وحدي ثم شاركني بها أخي، لطالما شاركني طفولتي وسيشاركني رحلة الغربة الآن قدراً.
لم تعد الجزيرة أبعد المدن ولا أكثرها استحالة، ستصبح في متناول أقدامنا بعد قليل، سنمشي على أرضها نحن زوار آخر الليل آخر لحظات الليل، وحط القارب على الارض.
كنت طفلة حينها، أعترف، قفزت الى المياه الضحلة وركضت الى الأرض، وددت لو أقبلها، أحضنها، أرتمي عليها بكليتي وأحاول دمجها في أضلعي، هرعت اليها رغبة وكرها، رغبة بالحياة، وكرها بالبحر جارها، ابتعدت عنه، وقفزت من الفرح مرات ومرات، وودت أن أضم الجميع وأن أبكي مع الجميع، إجتاحتني رغبة في إيقاف كل السيارات وإخراج راكبيها والصراخ فيهم: أنا حية أنا كنت هناك في البحر أنا أشم الهواء أنا معكم بينكم، كنت طفلة للحد الذي يجعلني أتقبل أن يصفعني أي أحد وأشكره لذلك.
ضمني أخي وبارك لي حياتي التي لم تنتهي عند تلك المياه عند ذلك الليل وبزغ أول شعاع للشمس، هل أتيت ياصاحبة ظلي الطويل؟ افتقدتك جدا جدا.
نظرت للبحر آخر النظرات وخلعت سترتي وأمسكت بأحد الدواليب الملقاة على الأرض ورميته بأقصى ما امتلكته من قوة ورأيت الموج يأخده للبعيد البعيد.
هذه قصة رحلتي التي عاشتني، لم أقل عشتها، لأنني مضيت، عاشتني هي لأن الدرب سيحمل آخرين لتلك الدرب، تلك المياه، الى جزيرة… الخلاص.

عابرة سبيل