انتشار “الزواج العرفي”.. والعريس “حلم” صعب المنال!!

12798973_463782493812836_8450182032210230772_n

زيتون : أسامة عيسى

انعكست الأزمة التي تعيشها المناطق السورية على ما يبدو على الجانب الاجتماعي ضمن الأسرة والعائلة الواحدة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، فأحدثت ما أحدثت من خلل اختلف مداه نسبياً بين منطقة وأخرى وعائلة وأخرى، وبين العائلة الواحدة من شخص لآخر، تحت تأثير مجموعة من العوامل، ليس أولها الظروف الأمنية الصعبة وليس آخرها الأوضاع الاقتصادية السلبية.

فمن مشكلة الزواج المبكر التي باتت تلقي بظلالها على الأوضاع الاجتماعية في تلك المناطق، لا سيما منذ مطلع العام 2013م وحتى تاريخه، برزت مؤخراً ظاهرة انتشار ما يعرف باسم “الزواج العرفي” في عموم المناطق التي لا زال نظام الأسد يسيطر عليها، متشدقاً بانتشار الرفاهية وسبل العيش الكريم فيها، فضلاً عن استتباب الأمن والأمان المزعوم في كافة أرجائها.

ووفق التصنيفات التي أظهرتها استقصاءات للمعلومات حول انتشار ظاهرة “الزواج العرفي”، تربعت العاصمة دمشق التي تضم عدا عن سكانها الأصليين حالياً مئات آلاف النازحين على رأس القائمة التي تشير إلى شيوع هذا النوع من الزواج لدى نسبة لا بأس بها من الشبان والفتيات فيها، على مرأى ومسمع سلطات الأسد التي باتت تلاحق الشبان في أزقة العاصمة لرفد جبهات الموت بهم.

في المقابل، يبرر من يلجؤون إلى هذا النوع من الزواج بأنه “الحل المتاح أمام انغلاق كافة سبل الحياة في البلد، وعلى رأسها أمور الزواج”، كما ترى داليا عزالدين، وهي طالبة في المرحلة الثانوية، تواصلت معها “زيتون” إلكترونياً، وتحدثت عن لجوئها لهذا النوع من الزواج قائلة: “الأمر ليس حالة نادرة، وأنا لست ضد تناول هذا الموضوع من باب أنه خطأ قانوني أو اجتماعي ربما، لكن أنا أسأل ما الحل المتاح؟ أنا فتاة قاصر، ذهبت مع خطيبي للمحكمة فرفضوا عقد الزواج يريدون ولي أمري، أبي تركنا وسافر خارج البلد، وأمي متوفية، وأنا أقيم عند أقاربي مع إخوتي، موضوع زواجي لا يعنيهم، كما أن أبواب الحل مغلقة، لم أجد أنا وهو إلا هذا الباب فطرقناه وتزوجنا”.

وعن معرفتها بسلبيات هذا النوع من الزواج أجابت داليا: “أعلم أن هناك أثار سلبية، لكن أعود وأقول أنه لم يوجد حل أمامي وأمامه، كما أنني من حقي أن أتزوج، هو وافق على أن أعيل إخوتي الصغار وأسكنهم معي. لن أترك هذه الفرصة. كما أنني أحبه والسكنة عند الأقارب أصبحت ذل، لا أحد يرحمك ولا أحد يحتمل أكثر من الضيق الذي يعيشه بسبب ظروفه”.

نادية كرباج، فتاة أخرى من الدويلعة في دمشق، تقول إنها ستتزوج عرفياً في الوقت القريب وهي مقتنعة بهذا الحل، وتبرر “خطيبي مطلوب منه ورقة من شعبة التجنيد، وهو يخشى أن يذهب لذلك المكان الموحش، هل أقبل بذلك وأخسره ليذهب للجيش ويعود محمولاً على الأكتاف بعد فترة!!؟ نحب بعضنا خمس سنوات، لن أجازف به حتى لو كلف الأمر أن أتزوج عرفياً منه، أنا أثق به لأنني أحبه، أمام احتمال الموت كل الاحتمالات الأخرى تصبح بلا معنى!!”.

إ. ع. محامية في دمشق، رفضت الافصاح عن اسمها في حديثها لـ”زيتون” لضرورات “أمنية”. تقول في تعقيب على شيوع “الزواج العرفي” في العاصمة ومناطقها المحيطة: “لا شك في أن الفقر وانخفاض مستوى التعليم والأوضاع السائدة حالياً هي عوامل تقف وراء شيوع هذا النوع من الزواج، بكل تأكيد ما أود الإشارة إليه هو أن المحاكم القائمة هنا في العاصمة والأرياف المتاخمة لم تعد توثق زيجات قانونية بالمعنى الدقيق إلا بالقليل، أما العرفي فهو المنتشر حالياً، والمشكلة أن دوائر النظام لا تعطي هذا الموضوع أية أهمية على الرغم من إثارته أمامها أكثر من مرة”.

وتضيف المحامية إ. ع. “أنا كعاملة في مجال الأحوال الشخصية أرى يومياً كما أسمع من زملائي ووسطي الاجتماعي عن عشرات الحالات الشبيهة، جميعها تتم في الخفاء. قسم منها بعلم الأهل، هذه مصيبة، لكن المصيبة الأعظم في السرّي من الحالات، هناك الأن معلومات عن عشرات حالات الزواج الخفي، لا أود أن أعطي الموضوع توصيفاً قانونياً أو شرعياً أخراً ما دام أن هناك إيجاب وقبول، لكنه أمر أعتقد كباحثة قانونية بعيد عن غاية الزواج ومضمونه، لا سيما لجهة الديمومة والاستمرار وإنجاب الأطفال”.

ويرى مصطفى، البالغ من العمر 28 عاماً، والمطلوب لـ”الاحتياط” كما يقول (الخدمة الاحتياطية في جيش الأسد) أنه تزوج عرفياً بسبب أن “الأحوال أصبحت لا تحتمل الوصول لمناطق العاصمة”، ويتابع “أنا أعيش في مكان قريب وأهرب كل فترة وأخرى من مكان لآخر، لا أستطيع الوصول إلى هناك لأعمل عقد زواج قانوني لأن الحواجز سترمي بي إلى مناطق الموت، أيضاً أمي وأبي لم يوافقا، من حقهم الخوف علي. تزوجت منذ ست أشهر عرفياً الحمد لله، عقدنا العقد في البيت بحضوري ووالدي ووالدها فقط وأخذت العروس للبيت، هو حل مؤقت ربما، لكن على الأقل أراه مناسباً الآن”.

من جديد، تؤكد المحامية إ. ع أن “نسبة كبيرة من العنوسة باتت ترصدها تقارير المنظمات المتابعة في دمشق والمناطق الأخرى الخاضعة لسيطرة النظام، بسبب وجود أعداداً كبيرة من الأرامل، فضلاً عن نقص كبير في أعداد الشباب نتيجة من قتل منهم ومن اعتقل ومن فر من البلد”، وتضيف “ما يقال عن أن العريس أصبح حلم الفتيات هنا، هو كلام صحيح بكل أسف!!”.

وتختم قائلةً: “لا أرى حل أنجع من التوعية في المرحلة الحالية، هذا الأمر هو برسم النظام ودوائره التي تدعي كل شيء عكس ذلك، من يعيش في هذه المناطق هو مسؤولية السلطة التي تسيطر وليس مسؤولية أحد غيرها. بالفعل الظروف قاسية ولكن الحل مرير بالزواج العرفي، قد ترمى الفتاة بأية لحظة في الشارع دون سند قانوني لزواجها، وقد يأتي ولد وهنا الطامة الكبرى، والآن نحن نرصد ارتفاع في حالات الطلاق، وهذان الجانبان مرتبطان ببعضهما كل الارتباط”.