بوتين في سوريا.. إلى الوراء درّ

10553596_467582663432819_2471921330735020760_n

تقاطعت التحليلات وتعقدت الآراء في محاولة إضفاء شيء من التوضيح على الخطوة الروسية بالانسحاب الغالب من سوريا، التي جاءت مفاجأة للجميع وفق ما ظهر، بما فيهم الأمريكيون أنفسهم، في الوقت الذي بدء فيه “المقروء” في سياسة الكرملين الجديدة أكثر من “الغامض” هذه المرة، لا سيما في المرحلة الحالية الحساسة على مستوى الملف السوري ككل.

فقد ذهبت بعض التكهنات إلى أن أمور أخرى تخبأها موسكو خلف الخطوة التي وصفت بأنها “صاعقة” للنظام السوري بكل المقاييس، وهو ما تبدى بوضوح من خلال رصد ردة فعل إعلامه الرسمي على خبر الانسحاب، الذي بدا فيه أنه لم يكن – تماماً – بالتنسيق مع بشار الأسد كما أعلنت موسكو، في تصريح وصف بأنه أقرب لـ”الدبلوماسي” ومن باب “حفظ ماء الوجه” للأسد لا أكثر، فيما من المعروف عن إعلام النظام ترويجه لأي حدث قبل حصوله، لا سيما على مستوى الخسارات الميدانية أو السياسية المتتالية في قاموسه.

ففي حين رأت مصادر روسية أن قواعد اللعبة في العالم تتغير؛ وأن لاعب الشطرنج الروسي لن يترك مواقعه مكشوفة للخصم في أوضاع جيوسياسية مثقلة بشتى الاحتمالات، تبدو القراءات الواضحة لسلسلة الاصطدامات الدبلوماسية التي ظهرت بين كبار مسؤولي روسيا وأزلام النظام كمؤشرات على الورطة الروسية التي أحس بها الدب متأخراً، بعد أن أيقن مسؤولو الكرملين بأن اللعب بالنار كثيراً أمر لا ولن يخدم مصالح موسكو الاستراتيجية طويلة الأمد، وهي الشغل الشاغل للروس أكثر من أي شيء أخر، باعترافهم أنفسهم.

سلسلة الاصطدامات المشار إليها، والتي بدت كنوع من الطعن بالخلف من قبل الابن المدلل لموسكو، بشار الأسد، ومن خلفه الثلة الحاكمة، تأتي بعد أقل من 48 ساعة على تصريح “كارثي” بالمفهوم الدبلوماسي من جانب وزير خارجية الأسد وليد المعلم، مساء السبت الماضي، وقال فيه إن بشار الأسد “خط أحمر” وملك لمن وصفه بـ”الشعب السوري”، مضيفاً أنه لا انتخابات رئاسية وبرلمانية دون إشراف نظامه. كما أتت الخطوة الروسية بالتزامن مع تصريحات “مقززة” للكرملين على لسان رئيس وفد الأسد لجنيف وممثله في الأمم المتحدة، بشار الجعفري، الذي قال فيها إنه لا يوجد شيء اسمه “مرحلة حكم انتقالي”، ولذلك لن يتم التفاوض بشأنها، فيما اعتبرت واشنطن هذه التصريحات اجهاضاً للمفاوضات، وخرقا لتفاهماتها مع موسكو.

بالتوازي مع ذلك، فالتفاهمات الروسية – الأمريكية حول أوكرانيا، وسعي الكرملين درء هبوب رياح حرب باردة جديدة؛ تمثل لدى غالبية المراقبين القاعدة النظرية المتحركة لقراءة الخطوات الروسية، التي لا تفك الارتباط بين الملف السوري والملف الأوكراني نفسه، حيث أن الند المقابل واحد، وهو واشنطن، فيما تمثل هذه الخطوة طعنة مماثلة من الخلف، لا بل صفعة الأب للابن الذي تمادى في دلاله، في الوقت الذي راح فيه إعلام الأسد يروج لكون الخطوة الروسية أتت بالتنسيق مع رأس النظام، في حين أن الأهمية الكبرى لا تتبدى بـ”التنسيق” عملياتياً، بل بـ”سحب” القوات والطيران المفاجئ.

ربما هي سياسة الروس الذكية حالياً في الخروج من العرس بالقليل من الحلوى، كخطوة أفضل من الخروج بخفي حنين، فيما الأسد حاليا وجيشه المهترأ وحيدين في الميدان، حيث بدأت أسراب طائرات الـ”سوخوي” ذات الثقل الأقوى، والتي أدت قبل غيرها خلال الأشهر القليلة الماضية لتغيير موازين القوى لصالح النظام بمغادرة “حميميم” في اللاذقية إلى غير رجعة.

تحرير زيتون