أحوال الحلبيين في الذكرى الخامسة للثورة

زيتون – أسعد كنجو 984319_612760275402781_1476308792_n

وأنت تمر في طريق الكاستيلو محاولاً الوصول لمدينة حلب، تشعر بالخوف وبقربك من الموت، فهناك طائرة في السماء، تحلق لتتصيد المارين في الطريق، وعلى جانب الآخر قناص يتربص بك لينهي حياتك، في أحد أخطر الطرق في سوريا وربما في العالم.
وما أن يكتب لك العمر وتصل للمدينة، سترى أحيائها الشرقية التي أنهكتها الحرب، ودمرها القصف الجوي المكثف، والذي اجبر سكانها على الخروج منها مكرهين، لبلاد الجوار أو لمناطق أخرى أكثر أمنا قرب الحدود، لا تحاول أن تتخيل كمية الإجرام الذي حول هذه المناطق المأهولة والتي كانت لا تنام، الى مدينة أشباح مخيفة، فلن تستطيع.
بعد انقطاع طريق حلب إعزاز، بات لزاماً على قاصدي مدينة حلب، الذهاب بعيداً الى ريفها الغربي، ومنه الى ادلب، للوصول الى تركيا، والتي يأتي منها الغذاء والدواء وتنقل إليها الإصابات الخطرة، عدة عقد تعترض عابري هذا الطريق أخطرها على الإطلاق وهو منطقة الكاستيلو، التي تدور فيها اشتباكات عنيفة، بين الجيش الحر، والقوات الكردية التي باتت تحاول الوصول الى الطريق وقطعه، إضافة لرصد قناصاتها المدنيين الذين يستخدمون هذا الطريق، أخر الحوادث كان القيادي في الجيش الحر عمر سندة، الذي نالت منه إحدى رصاصات القناصة وهو يمر من الطريق، وانعكس تأزم أحوال الطريق سلباً على أحوال الناس في المدينة، ناهيك عن ضعف الإمداد للفصائل العسكرية والأمنية والطبية.

15
الوضع الصحي بتدهور مستمر
الدكتور محمد أبو محمدين من مكتب العلاقات العامة في المجلس الطبي لمدينة حلب ACMC» « تحدث لزيتون عن الوضع الصحي والصعوبات قائلاً: «تقوم بتقديم الرعاية الطبية في حلب المحررة ثلاث هيئات طبية إضافة لمديرية صحة حلب الحرة، المشافي في حلب تقسم الى جراحية تستقبل حالات الطوارئ الجراحية كالأمراض جراحية أو الرضوض من حوادث السير والسقوط أو الناجمة عن القصف وهناك مشاف للرعاية الأولية تعالج الأمراض الداخلية والأطفال والنسائية و التوليد، بالإضافة لمستوصفات تعمل كعيادات متعددة ونقاط طبية تقدم الإسعافات الأولية.
وأضاف أبو محمدين: «لدينا في حالات الطوارئ 3 منظومات إسعافية بالإضافة للدفاع المدني، تقوم بمهمتها بنقل الإصابات من أماكن القصف للمشافي الجراحية أو نقل الحاﻻت التي تتطلب بعض الاختصاصات النادرة خارج حلب، وكل مشفى أو هيئة تتلقى دعماً من منظمة طبية أو أكثر منه ما هو كامل ومنه ما هو جزئي».
وأكد انه خلال الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تعيشها المناطق المحررة وما حدث بعد قطع طريق إعزاز حلب دفع بعض الكوادر للنزوح باتجاه الحدود، منهم من أرهق مادياً جراء نقل بيته وعائلته واستئجار بيت لإيواء من يعيل، ولاسيما أن صرف رواتب الكوادر تأخر من بعض المنظمات ربما لأكثر من شهرين، هذا التأخير دفع بقسم من الكوادر للنزوح خارج المحافظة أو حتى خارج سورية.
وقال أبو محمدين «أهم أزمة يعانيها القطاع الطبي هو الخوف الدائم من الاستهداف الممنهج والمتكرر لكافة المنشآت الطبية، ولو كانت مجرد سيارة إسعاف أو مشفى أطفال أو نسائية، وهذا يعتبر خرقا لكافة القوانين و المواثيق الدولية و اتفاقية جنيف حول حماية المدنيين و الكوادر الطبية و المنشآت الطبية زمن الحرب، لكن ما جرى في سورية وما زال يجري يعتبر من جرائم الحرب التي عجزت كافة المنظمات الدولية الإنسانية والأمم المتحدة و مجلس اﻷمن من اتخاذ أي إجراء فعال لحماية الكوادر الطبية في سورية أو دعمها لتثبيتها وتشجيعها كي لا تترك المواطنين دون خدمة ورعاية طبية.
ووثقت هيئات حقوق الإنسان استهداف الكوادر والمنشآت الطبية بسلاح الجو الروسي والسوري والذي يعتبر أحد وسائل الحرب ضد المدنيين بعد استخدامه في سورية دون رادع.
ونوه أبو محمدين أن الخوف من الاعتقال أو الإيذاء أو التصفية والاستهداف دفع الكثير من الكوادر الطبية لمغادرة سورية بحثاً عن الملاذ الآمن وربما دفع البعض للمغامرة ولركوب البحر وقد فقد بعض الأطباء أرواحهم ومن معه للعيش في مكان بعيد عن الحرب.
وختم أبو محمدين قائلاً :»إن نقص الكوادر الطبية هو الرقم الصعب في العمل الطبي حيث تقلص عدد الجراحين عن بداية الثورة للثلث تقريباً وذلك بعد عام البراميل المتفجرة اليومية في 2014 مضيفاً انه نتيجة الحاجة الملحة لنقص الكوادر الطبية تم إنشاء مدرسة التمريض لتأهيل كوادر طبية مساعدة وبديلة عمن هاجر لتعويض النقص الحاصل في الفنيين الطبيين والتمريض.
وكان لإغلاق الحدود أثر سلبي بنقص الأطباء المتطوعين من المغتربين الذين كانوا يقضون إجازاتهم بخدمة أهلنا في الداخل، بالإضافة لانقطاع طرق الإمداد والإسعاف باتجاه إعزاز حيث كان المعبر الأقرب لحلب، تأتي غالبية المساعدات الطبية من معبر باب السلامة وكذلك عمليات الإسعاف تنقل من خلاله، وإغلاق الطريق بوجه الكوادر الطبية التي يسمح لها بقضاء عطلتهم مع عائلاتهم بتركيا من العبور عبر باب السلامية، جعل الكثيرين يفكرون البقاء في تركيا. ريثما يتم نقل أسمائهم لمعبر باب الهوى.
قطع الطريق أثر أيضاً على توفر مادة المازوت التي تعتبر المادة الأهم للطاقة الكهربائية، ولحركة سيارات الإسعاف.
ينهي أبو محمدين حديثه بالقول: «أصبح العبور من مدخل حلب الوحيد المرصود من القناصة أحد عوامل الرعب الإضافية».
ارتفاع أسعار المحروقات بسبب انقطاع الطريق
بعدما كانت حلب تستورد المحروقات القادمة من مناطق داعش، الى باقي مناطق شمال سوريا، أصبحت الأن تستورد محروقاتها من محافظة ادلب، هكذا بدأ ناقل المحروقات أبو احمد حديثه لزيتون وأضاف قائلا: maxresdefault
«بات علينا الأن أن نذهب لإدلب، ومنها الى عفرين، ومن عفرين الى إعزاز، ومنها الى مناطق داعش، وهي طرق ليست مفتوحة دوماً، ومغلقة معظم الأوقات، كما أن استهداف الطيران الروسي لسيارات نقل المحروقات بحجة محاربة داعش، كان له اثر سلبي كبير، وامتنع الكثير من ناقلي المحروقات المرور بهذه الطرقات، وباتوا يحضرون المحروقات التي تصل الى ادلب».
وقال أبو احمد: «ارتفعت أسعار المحروقات بنسبة 100% منذ إغلاق طريق إعزاز حلب، والذي كان طريقاً قصيراً لجلب المحروقات لحلب، كما أن المسافة الكبيرة للجبهات بين داعش والحر، كانت تجعل من طريقنا أمن بعيداً عن أي اشتباكات، لكن بعد سيطرة النظام والقوات الكردية لمناطق كانت للجيش الحر، جعل من هذه الجبهات ضيقة نعبرها دائما بخوف كبير وكل ذلك أدى لارتفاع الأسعار، على المدنيين، لأننا لا نستطيع أن ننقل دون ربح، ولا يؤثر الغلاء لأني ارفع من أجرة النقل كلما ارتفع السعر، بل يتحمل المدني لوحدة عبئ ارتفاع أسعار المحروقات وما يترتب عليه».
المدني هو الخاسر الأكبر
وتحدث أبو حسن وهو صاحب محل خضروات عن ارتفاع الأسعار الجنوني الذي حصل بعد انقطاع طريق حلب إعزاز وقال لزيتون: بعد فصل إعزاز ومارع وريفهما عن ريف حلب الشمالي، وقطع الطريق الفاصل بينهما من قبل القوات الكردية في عفرين، ارتفعت أسعار الخضروات والمواد الغذائية الى أضعاف ما كانت عليه، والتي كانت مرتفعة أصلاً، وكلما سألنا التجار عن سبب الارتفاع، يكون الجواب هو خطورة الطريق وبعده، وارتفاع أجور النقل، وقد قال لي احد التجار أن أجرة الشاحنة لنقل مواد من باب الهوى الى حلب 400 ألف ليرة سورية ولا يوجد من يقبل، بعدما كانت 100 ألف».
وأضاف أبو حسن «هذا الارتفاع هذا لا يدفعه التاجر من جيبه، بل يدفعه المستهلك، لأن التاجر يجنب نفسه أي خسارة ممكنة، دون رحمة للناس في ظل الحرب، كما أثرت تأخر وقلة توزيع الإغاثة بحلب بارتفاع الأسعار كذلك الأمر، وكله يوضع على كاهل المواطن المسكين الذي لا حول له ولا قوة».
وكانت قوات النظام في شهر شباط 2016، قطعت طريق حلب – إعزاز، وأصبحت على وشك حصار مدينة حلب، التي لم يبقى لها منفذ سوى طريق حلب – كفر حمرة، ومنه إلى الريف الغربي وباقي بلدات ريف حلب ومحافظة ادلب، التي أصبحت هي المتنفس الاقتصادي والتجاري والاغاثي لمدينة حلب بعد محاصرة باب السلام الحدودي من عدة جهات.11665534_890793767646326_7340103034848548121_n