أزمة منتصف العمر

زيتون – وضحة العثمان 

حين فتحت سعاد الباب لأختها ريم لمحت علائم الانزعاج والقلق على وجهها، وحين حاولت أن تفهم منها ما الخطب؟، وهل هناك من مشكلة، خلعت ريم حجابها وقالت بغضب: «هناك بعض الشعر الأبيض قد غزا شعري ماذا افعل؟، وكيف أستطيع التخلص منه؟».

واستها سعاد بقولها: «إنها مرحلة منتصف العمر يا ريم، وما من وسيلةٍ لإيقاف مسيرة الحياة وتقدم العمر يوماً بعد يوم، وهذا الشيب ليس إلا دليل تلك الأيام التي مضت من عمرنا، الجميع يمر بها، هناك من يتخطاها بهدوء وهناك من تتغير كل تفاصيل حياته في هذه المرحلة».
ما تمر به ريم هي مرحلة يمر بها الجميع، لكن لكل انسان طريقته بالتعامل مع هذه المرحلة، البعض يتملكه القلق فيما يستسلم له أخرون والبعض قد يتحداه ويقاومه بمظاهر واضحة قد تكون مثارا لسخرية المقربين من محيطه.
أبو عمر الذي بلغ الخامسة والأربعين، تعامل مع الشيب بطريقةٍ مختلفةٍ، فحاول أن يخبأه عبر تغيير تسريحة شعره، وزادت فترة وقوفه أمام المرآة، وحاول ارتداء ملابس ذات ألوانٍ زاهية، وبالغ بكمية العطر حتى ملأت رائحته الحي بأكمله والشوارع التي يسير فيها.
لم تكن تلك مشكلة أم عمر مع زوجها، بل كانت باختلاقه المشاكل لأسباب تافهة أو دون أسباب، وتوجيهه الانتقادات اللاذعة لها باستمرار حول كل شيء (ملابسها وطريقة طهيها وترتيبها حتى لأثاث منزلها)، ومن ثم بقائه لأوقات طويلة خارج المنزل، علمت بعدها أنه تزوج من فتاة تصغره بعشرين عاماً، فما كان من أم عمر إلا أن تركت منزلها مصطحبة أطفالها وغادرت حياته.

لم يدم زواج أبو عمر أكثر من عامين، رُزق خلالهما بطفلٍ من زوجته الثانية، وبعد أن تم الطلاق بينهما، اكتشف أنه خسر عائلتيه، فقد رفضت زوجته الأولى العودة إليه حتى بعد طلاق ضرتها، لأنها رأت أن أبو عمر تأثر سلباً بما أطلقت عليه -كما يطلق الكثيرون- اسم جهلة الأربعين، بينما ازدادت هي اتزاناً ووعياً وفهماً للحياة في تلك المرحلة، على حدّ قولها.  

آراء المختصين

الطبيب النفسي حسن الكردي يقول: «إنها حالة يعيشها معظم الرجال والنساء، ولكن ليس بالضرورة أن تكون حالة عامة للجميع، فهناك أشخاص كثيرون لا تتغير سلوكياتهم وحياتهم تبعاً لسنٍ معين، ولكن قد يشعر الرجال والنساء معاً بأنهم عملوا لفترات طويلة في شبابهم، ولم يجدوا الوقت الكافي للتفكير بخصوصيتهم كأشخاص عاشوا وعملوا لأجل أسرهم فقط، ولم يفكروا بأنفسهم فتجدهم يراجعون أنفسهم ويحاولون تعويض ما أضاعوه في شبابهم، وإعطاء أنفسهم فسحةً للسعادة والراحة، لا سيما أن الكثير منهم في مجتمعنا يكون أبناؤهم قد بلغوا سن المراهقة أو الشباب، وبدأ الأهل يحسون بتمردهم واستقلاليتهم».

أبو أحمد الذي ازعجه كونه أصبح جداً بعد زواج ابنته قال لزيتون: «عندما أصبحت في سن الأربعين بدأت أشعر بالخوف من الموت ومن الأمراض، كما أنني بدأت أشعر بأن أولادي وزوجتي باتوا بعيدين عني، لكلٍّ منهم أعماله وعلاقاته وخصوصيته».

ويرى الاختصاصي النفسي ياسر العمر أن من أهم العوامل التي تدفع الرجال والنساء إلى الوقوع في تلك الأزمة، هو الفراغ الذي يعيشه الجنسين في تلك المرحلة نتيجة التقاعد من العمل أحياناً أو انشغال كل طرف عن الآخر بأمور الحياة أو انشغال أبنائهم بشؤونهم حسب أعمارهم، مما يولد عند الرجل أو 

المرأة أو كليهما تصرفات غريبة، إلى درجة أن يحاول رجل في الخمسين من عمره معاكسة فتاة صغيرة ليثبت لزوجته التي تسير إلى جانبه أنه مازال شاباً، وفي الجانب الآخر تجد كثير من الزوجات يحاولن تقليد الفتيات الصغيرات بالملابس والتصرفات للفت انتباه أزواجهن، كما تكون أحياناً كثرة الهموم والأعباء أو الاهتمامات سبباً في محاولة أحد الطرفين أو كليهما للهروب من الواقع ومحاولة الانشغال بأمور تدخل السعادة إلى قلبه من وجهة نظره.

تقول نورة جبران عن أزمة منتصف العمر والتعامل معها لموقع اسأل طبيبك: يخفق الكثير من الرجال والنساء في التعامل مع أزمة منتصف العمر لدى الشريك، فيبدأ كل منهما بانتقاد الآخر ولومه والتشكيك فيه، ما يُفاقم الخلافات بين الزوجين ويزيد الفجوة بينهما. وإذا كانت الوقاية أسلم وأفضل من العلاج، فلا بد من الحرص على بناء أفراد أسوياء نفسيا ومشبعين عاطفيا منذ طفولتهم مرورا بالمراهقة والشباب وحتى بلوغ الحياة الزوجية والتي تعتبر الفترة الأطول والأكثر صعوبة في حياة الإنسان، نظرا لظروف التواصل والاحتكاك اليومي للإنسان بالشريك والأبناء. فالأشخاص الذين يحصلون على الحب والاهتمام والعلاقات الزوجية المُرضية، تتدنى بشدة احتمالية مواجهتهم لأي صعوبات في منتصف العمر. وهي تتطلب ذكاءً شديدا وتسامحا مع الشريك، فما يمر فيه حدث طبيعي «لا إرادي».

في النهاية إنه العمر الأجمل، منتصف العمر هو عمر البدايات وليس النهايات، هو عمر الأحلام المؤجلة التي حان وقت تنفيذها، وهو عمر الإنجازات الأكثر وعيا ودقة وعقلانية، فلا تسمحوا لرقم أن يختزل مافي داخلكم من طاقات وإمكانات وقدرات هناك أعمال كثيرة قام بها الكثيرين وهم في سن الخمسون والستون فلاح زرع قطعة ارض بأشجار وهو كله أمل أن يأكل من ثمارها، وكم من امرأة قررت أن تمحوا أميتها وفعلت وهي في سن الخمسون وأصبحت تعلم الأطفال وتحدثهم عن روعة العلم والجد أكمل تعليمه الجامعي مع حفيده وتخرجا معا وسيدة في عمر الخمسون قررت أن تفتح مركزا رياضيا ونجحت وعلمت السيدات أن في الرياضة صحة وحياة فمن أطلق على منتصف العمر اسم الأزمة فقد أخطأ واخطأ كثيراً.

** الدكتور ديريك ميلن، أخصائي في علم النفس السريري ومؤلف كتاب التعامل مع أزمة منتصف العمر، أن البحث العلمي عن أزمة منتصف العمر قليل جداً.
يقول أن «ما لدينا من البيانات العلمية محدود من حيث النوعية والدراسات الموجودة».
«تُصدر معظم المواد المكتوبة عن أزمة منتصف العمربشكل كتب يصدرها صحفيين بدلاً من الباحثين المُدرّبين. وتكون هذه الإصدارات سطحية ووصفية لن يتم نشرها في مجلة علمية.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*