أطفال إدلب المجنّدون: نعرف أننا قد نموت في أي لحظة

أطفال في الشمال السوري يتدربون على السلاح – المصدر AFP

قيل عن الحرب إنها بلا قلب، إذ تطحن الصغار وتستقوي على المستضعفين، فيما توفر الحماية والمجد للأطراف المنتصرة وللمجرمين.

تدفع قسوة الحرب الأطفال للنضوج بعجالة، وتزرع فيهم شعورًا بمسؤوليةٍ لا تناسب أعمارهم، كما تشكّل مشاهد الموت والعنف بداخلهم استعدادًا لحالة التماهي مع واقعهم بهدف البقاء والاستمرار.

تنكر جميع الأطراف المتصارعة في سوريا ضم أطفال إلى صفوفها، لكنها تستمر بشكل متستر بزجهم في صفوفها، وهو ما يكشفه الواقع على الأرض في انتشار مشاهد حمل الأطفال للسلاح في المدن والبلدات السورية، كما تفضحه مقاطع الفيديو والصور الواردة من المعارك والعمليات العسكرية المتخمة بصور الأطفال المجندين، ومن بين تلك المناطق محافظة إدلب التي تسيطر عليها “هيئة تحرير الشام”.

“أحمد كحيل” طفل من ريف إدلب، لم يبلغ السادسة عشر من عمره، تم اعتقال شقيقه الأكبر في خريف 2011، ورأى كيف اعتدى عناصر الأمن السوري بطريقة وحشية على أخيه بسبب التظاهر، قبل أن يقتادوه كمجرم إلى غياهب لم يعرف مصيره فيها حتى الآن، ولم يمض وقت طويل حتى توفي والده جراء غارة من طيران النظام.

طفل على خط المواجهة – أنترنت

يقول أحمد لزيتون: “لقد وعدت والدتي بأنني سأحرر أخي من السجن وأفتح له باب الزنزانة بيدي، وسأنتقم لوالدي الذي مات بلا ذنب، هذا النظام لا يفهم إلا منطق القوة”.

التحق أحمد بتنظيم جبهة النصرة في الشمال السوري، ورغم إصابته في إحدى المعارك إلا أنه استمر في التردد على مقر مجموعته أثناء علاجه، ليواصل القتال معها بعد شفائه منها مباشرة.

ويعتبر أحمد النموذج المفضل لدى المجموعات المسلحة لما يملكه من دافع انتقامي للقتال ضد قوات النظام، في حين يلتحق الكثير من الأطفال في صفوف المقاتلين كنوع من العمل وطلبا للأجر بهدف إعالة أسرهم أو لمماثلة أندادهم المسلحين.

لم يتوان “عبد الإله. ع” وهو من أهالي ريف إدلب باللحاق بابنه “عثمان” البالغ من العمر12 عاماً إلى مدينة الرقة بعد أن توجه إليها بغية الانضمام إلى صفوف تنظيم الدولة الإٍسلامية، ورغم خطورة الذهاب إلى مناطق تنظيم الدولة الإسلامية في ذلك الوقت، فقد فضل الأب المغامرة بحياته على ترك طفله لدى التنظيم.

وكان الطفل عثمان قد قام مع مجموعة من رفاقه باستئجار سيارة أجرة والتوجه بها إلى مدينة الرقة والانضمام إلى التنظيم دون أن يبلغ أي منهم أهله، متأثرين بما كان ينشره التنظيم من مقاطع مصورة أو ما يسمى بإصدارات، تروج لدولته وتعطي صورة البطولة لعناصره.

اعتقل عناصر تنظيم الدولة الإسلامية  عبد الإله فور وصوله إلى مدينة الرقة ومحاولته البحث عن ابنه، ليفرج عنه بعد أكثر من سبعة أشهر، ويعود إلى بلدته دون أن يسمحوا له حتى برؤية ابنه.

لم يكن عثمان الطفل الوحيد لأبيه الذي التحق بالقتال وتجند في صفوف الفصائل، فقد سبقه ثلاثة من إخوته هم محمد 18 عاماً، وبكر 16 عاماً، وعمر 14 عاماً، قتل اثنان منهم، أحدهما في غارة لطيران النظام أحالته إلى أشلاء، وهو ما يتذكره الطفل عثمان جيدًا وكان سبباً في التحاقه بتنظيم الدولة رغبة منه بالانتقام من النظام على حسب تعبيره لـ “زيتون”، وذلك بعد تمكنه من العودة إلى بلدته تحت إلحاح أهله بعد مرور أكثر من عام ونصف على التحاقه بصفوف التنظيم.

مجموعة من الأطفال يحملون الأسلحة – أنترنت

وعن نسبة الأطفال المنخرطين في الفصائل قال قيادي وشرعي سابق في “حركة أحرار الشام الإسلامية”، فضّل عدم الكشف عن اسمه، لـ “زيتون”: “إن النسبة الأكبر من المقاتلين في الفصائل هي من الأعمار التي تتراوح ما بين 16 و 17 عامًا مقدرًا إياهم بأكثر من 50 بالمئة، لكن النسبة تنخفض إلى ما دون 10بالمئة للأعمار التي دون 15 عامًا”.

وأضاف القيادي: “هذه النسبة هي منذ أكثر من عامين، الآن وبعد انفضاض الناس عن الفصائل ارتفعت أعداد الأطفال لتعويض النقص في عدد البالغين”.

ويضطلع هؤلاء الأطفال بكامل المهام القتالية والمساعدة من مرابطة وحراسة وتنضيد وغسيل، وفي كل الأماكن مهما بلغت خطورتها وهو ما يفسر ارتفاع نسبة القتلى بينهم بحسب القيادي في حركة أحرار الشام.

سعيًا وراء الأجر المادي

دفعت الظروف المادية السيئة الكثير من الأسر نتيجة لتوقف أعمال أربابها لقبول ما كانت ترفضه من انخراط أطفالها في حمل السلاح، وتعتمد الكثير من تلك العائلات على ما يتقاضاه أطفالها من أجر مهما كان ضئيلًا.

رواتب المقاتلين التي يتقاضونها من فصائلهم –على الرغم من تواضعها إذ لا تتجاوز /150/ دولاراً أمريكيًا في أحسن الأحوال شهريا- دفعت بالكثير من الأطفال وذويهم للتفكير في التحاقهم بتلك الفصائل لمساعدة أسرهم، وهو ما قاله الطفل “هاني” 17 عاماً من ريف إدلب عن انضمامه للقتال في إحدى الكتائب المعارضة قبل سنتين.

ويروي الطفل هاني لـ “زيتون” كيف انضم إلى إحدى الفصائل: “بعد أن بدأنا بالانقطاع عن المدرسة لفترات طويلة، كان لابد من أن أساعد أهلي، فعملت بإحدى محلات المنطقة الصناعية، كان رفاقي يأتون مرتدين زيهم العسكري ويركبون السيارات التي تنتصب عليها الأسلحة الرشاشة، بينما كنت أنا أساعد في إصلاح سياراتهم، شجعوني بالانتساب إليهم والخضوع لدورة شرعية”.

وتابع: “برفقة أحد أصدقائي حضرت أحد الدروس الدينية وانضممت إليهم، أحصل الأن على دخل أفضل من دخلي في السابق، كما يمكنني مرافقة أصدقائي وخدمة الثورة في آنٍ واحد”.

يفتخر هاني بكونه قد أصبح “مجاهداً”، يحمل سلاحه ويشارك في الأعمال القتالية، فيما يدرك أن الموت قد يكون مصيره في أية لحظة.

طرق التغرير بالصغار لحمل السلاح

“أبو البراء” ليس كما يوحي به الاسم، جهادياً من تنظيم القاعدة أو “داعش”، بل هو أحد أطفال سهل الغاب في ريف حماة، مازال في الخامسة عشرة من عمره، لا تختلف قصته عن قصة أحمد السالفة مع اختلافٍ في الدوافع، فقد قتلت الطائرات أباه وأخاه أثناء عملهم ما تركه هو وأمه وإخوته الصغار بلا معيل.

“أبو البراء” قال لـ “زيتون”: “قررت ترك المدرسة والانضمام إلى إحدى الفصائل، أتلقى 50 دولاراً كل شهرين وأحيانا مئة دولار، لم تمنعني والدتي من الانضمام بل شجعتني على ذلك رغم خوفها علي، لأننا بحاجة إلى هذا المال”.

وتقوم بعض الجماعات بإطلاق لقب “جهادي” على الطفل كأبي البراء وغيره، وهو ما يعطي الطفل انطباعاً بالبطولة والشجاعة، وما يحرض أنداده من الأطفال في الوقت ذاته للحصول على لقب مشابه من خلال الانضمام إلى حمل السلاح.

تجرم اتفاقية حقوق الطفل استخدام الأطفال وتجنيدهم، ويُعرف الطفل بأنه كل شخص تحت سن 18 عاماً، كمقاتلين أو في أدوار داعمة، كما يعد تجنيد الأطفال تحت سن 15 عاماً جريمة حرب بحسب تعريف نظام روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية.

ونشرت منظمة اليونيسيف تقريرًا لها في آذار 2019 قالت فيه: “يعيش أكثر من 83% من السوريين تحت خط الفقر، مما يدفع بالأطفال إلى اتخاذ تدابير قصوى للبقاء على قيد الحياة – مثل التوجه إلى عمالة الأطفال وزواجهم المبكر، والتجنيد للقتال – وذلك لمساعدة أفراد عائلاتهم في الحصول عمّا يسد الرمق”.

المخيمات هدف لحملات التجنيد

درجت العادة لدى الأطراف المتصارعة في سوريا للقيام بحملات تجنيد هدفها ضم المزيد من المقاتلين إلى صفوفها، ولكون الأطفال هم الأكثر سهولة في الإقناع والتجييش الفكري باسم الدين وإقامة شرع الله ونصرة الحق، قام بعض شرعيي جبهة النصرة بحملات تجنيد في مخيمات الشمال مستغلين ظروف الأطفال المعيشية الصعبة.

من جهتهم أطلق نشطاء مدنيون في منتصف عام 2017حملة توعوية مضادة بعنوان “أطفال لا جنود” هدفها كشف مخاطر تجنيد الأطفال وما تحمله من خطر عليهم مؤكدين على أنه تم تجنيد ما يقارب 500 طفل في حملة انفر.

وقال مدير الحملة “عاصم زيدان” لـ “زيتون”: “إنّ تجنيد الأطفال كارثة تهدد المجتمع في سوريا ولص خبيث يستغل أوضاع الأهالي ليحول أطفالهم إلى وحوش ضارية، وخاصة في الشمال السوري”.

آراء عن الحلول

وعن إيجاد بدائل حقيقية لحمل الأطفال للسلاح، قال الاختصاصي النفسي للأطفال “مضر حبار” لـ “زيتون”:”يحتاج الطفل الذي تم تجنيده إلى إعادة تأهيل، وانخراط هؤلاء الأطفال في المجتمع عملية معقدة، فمن السهل إخراج الطفل من الحرب، ولكن من الصعب إخراج الحرب منه، إذ يحتاج الأطفال إلى وضع مستقر وبعيد عن الخوف والقصف”، مضيفًا:

“وتتمثل بدائل حمل السلاح بعودة التعليم والمدارس الآمنة، إضافة لمصادر الدخل، وتأمين معيشة كريمة للأطفال وعائلاتهم، ونشر حملات للتوعية من مخاطر السلاح وحمله على حياة الطفل ونفسيته”.

وترى منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير سابق لها أنه يجب على الجماعات المسلحة في سوريا التعهد علناً بحظر تجنيد واستخدام الأطفال، وبتسريح جميع المقاتلين تحت 18 عاماً في صفوفها، كما يجب على المانحين تجميد جميع المبيعات والمساعدات العسكرية، المقدمة للقوات التي تستخدم الأطفال كجنود، وشرط المساعدات بتوقف هذه الانتهاكات.

وأنت تسير في إدلب اليوم، غالباً ما تصادفك وجوه عابسة لأطفال محبطين ينتشرون في شوارع مدنها وبلداتها، لا يملكون الكثير من الخيارات المتاحة لمتابعة حياتهم سوى بالمخاطرة بها.

تم إنتاج هذه المادة بدعم من منظمة FPU

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*