العمل السياسي في إدلب.. مراكز وفروع ضرورة وفاعلية مؤجلة

خاص زيتون
تنتشر في محافظة إدلب عدة تجمعات سياسية تشترك معظمها بتمثيل أهداف الثورة والسعي لإقامة دولة مدنية وديمقراطية تؤمن في وحدة سوريا ومدنيتها، وترى في العمل السياسي أحد أهم وسائل تحقيق هذه الأهداف.


ولبعض تلك التجمعات مراكزا وفروعا منتشرة في أكثر من مدينة وبلدة، ما يسمح لها بنشر رسالتها ورؤيتها، واستقطاب أعضاء وقدرة على الفاعلية أكثر.
ومع ما تعانيه هذه التجمعات من ضعف في الصورة لدى المدنيين، وصعوبة العمل في ظل سيطرة الفصائل التي تنظر إليها بعين الريبة مع تقييد أنشطتها لدرجة تصل إلى التهديد، تبقى ضرورة وجودها ملحة، لشرح ما يلتبس من مواقف وظروف وتقديم الخيارات السياسية الأمثل للأهالي، تقليلا من حجم الفوضى.

الهيئة السياسية في إدلب
تعتمد الهيئة السياسية في بنيتها التنظيمية على سبع دوائر موزعة في مناطق محافظة إدلب، تسمى وفقاً لمناطق توزعها “دائرة أريحا، دائرة خان شيخون، دائرة معرة النعمان، دائرة إدلب، دائرة حارم، دائرة جسر الشغور”، بالإضافة إلى الدائرة الجديدة التي تم استحداثها في الدورة الجديدة وهي خاصة بمدينة إدلب، وذلك بعد طلب من أبناء منطقة إدلب، لتبقى دائرة إدلب القديمة مختصة بريف إدلب القريب من المدينة، وتطلّب استحداث الدائرة تعديل النظام الداخلي من قبل المكتب التنفيذي الجديد بما يتناسب بحسب ما صرح به “غانم الخليل” مدير مكتب العلاقات العامة في الهيئة السياسية بإدلب لزيتون.

وأضاف “الخليل”: “يشرف على هذه الدوائر مكتب تنفيذي يتكون من رئيس الهيئة ونائبين اثنين وعشرة أعضاء، يترأسون المكاتب “السياسي، القانوني، التخطيط الاستراتيجي، الإعلامي، المالي، العلاقات العامة، التنظيم والإدارة، التنسيق والمتابعة، المنظمات والدعم الإنساني، الارتباط العسكري”.

وتضم الهيئة أكثر من 500 عضواً، ويتم الأخذ بعين الاعتبار في الأمانة العامة للهيئة المعيار السكاني، بحيث يكون لكل منطقة في إدلب عدد من الأصوات يتناسب مع الحجم السكاني فيها، فلمدينة خان شيخون عشرة أعضاء، بينما مثّل مدينة إدلب 30 عضواً من أعضاء الأمانة العامة للهيئة، بحسب مؤسس الهيئة السياسية في إدلب “رضوان الأطرش”.

وفي محاولة منها لردم الهوة مع الشارع الثائر، تركز الهيئة السياسية على الوجود الحقيقي على الأرض، بمشاركة الأهالي مظاهراتهم، والسرعة في التقاط التغيرات وإبداء الرأي فيها، والمساهمة بحل ما يمكن حله من مشاكل، ما يعطي مصداقية لمواقفها، وذلك باحتكاكها ومعايشتها للشارع والناس، لكن بالمقابل تدفع الهيئة ثمن هذا التواجد سياسيا، لا سيما في القضايا المتعلقة بسلوكيات الفصائل المسيطرة ما يعيد السؤال حول قدرتها على التعبير برأي نائب رئيس الهيئة السياسية للشؤون السياسية محمد الخالد.

كما أن شرح الواقع وتقديم الحلول ونشر الوعي السياسي هي إحدى الوسائل لدى الهيئة في إعادة الثقة للعمل السياسي بحسب رئيس دائرة أريحا في الهيئة السياسية بإدلب والناطق الرسمي باسمها “عبد العزيز عجينة” مضيفاً أن بناء القدرات السياسية للنخب والفعاليات المهنية والنقابية والسياسية والمجتمعية، إضافة للندوات واللقاءات ووسائل الإعلام أن تستثمر لهذا الغرض.
ويصف الناشط مروان دغيم تجربة الهيئة السياسية بالجيدة، لكنها دون المستوى المطلوب، شأنها شأن كل الأجسام السياسية سواء داخل أو خارج البلد، مؤكداً: “الكل يعلم أننا خارجين من رحم الاستبداد ولدينا تصحر على كافة المستويات، لا أعتقد حالياً وحسب الواقع الذي تعيشه الهيئة السياسية في ظل سيطرة القوى المناوئة للثورة أنها قادرة على بلورة رأي سياسي يمثل الناس، لأن تمثيل الناس يحتاج إلى جو من الحرية وهذا الجو حالياً مفقود”.

ويرى دغيم أن من أحد أخطاء الهيئة السياسية أنها حصرت عضويتها على الأفراد داخل البلد، علماً أن الأجسام السياسية عادة تستقطب أكبر عدد من الناس وتستفيد من خبراتهم وتجاربهم بشكل عام، مشيراً إلى أن دورها كان إعلامياً أكثر مما هو سياسي، لافتاً إلى اقتصار عملها على الاجتماعات والبيانات لأحداث كانت تمر على الساحة السورية، ببيانات خجولة غير قادرة على قول كلمة الحق وممارسة دور سياسي حقيقي وواضح، وهو ما يحتاجه الشعب السوري بحسب الدغيم.

تجمع عدالة لنساء سوريا
نشأ التجمع في أواخر عام 2016، بعد اجتماع عدد من الناشطات السوريات خارج سوريا، وله ممثلين في الخارج وفروع في الداخل السوري، ويسعى حالياً لضم مناطق جديدة له، حيث يتم التشاور بين الأعضاء للوصول إلى كافة مناطق الشمال السوري المحرر، وفقاً لعضوة تجمع عدالة لنساء سوريا في فرع سراقب “غادة باكير”.
وتجمع عدالة لنساء سوريا هو تجمع نسائي فقط، هدفه محو الأمية السياسية عند المرأة، لتحقيق مشاركتها في كافة المجالات التي تعنى بالشأن السوري ولا سيما السياسية، بالإضافة إلى الاهتمام بملف المعتقلين، كما يعمل التجمع على توعية المرأة وتثقيفها عبر إقامة دورات تدريبية متنوعة بعيدة عن السياسة كالأمن الرقمي والدعم النفسي وغيرها”.
منسقة شبكة عدالة لنساء سوريا في إدلب وعضوة مكتب مدينة معرة النعمان “عائشة الطعمة” تحدثت لزيتون عن هيكلية مكتب المعرة بقولها:

“يتركز مشروع تجمع عدالة لنساء سوريا في ثلاث مناطق أساسية هي لبنان والغوطة الشرقية بريف دمشق وإدلب، ويضم التجمع نحو مئة وعشرون عضوة، ويوجد في محافظة إدلب ثلاثة مكاتب للتجمع في كل من مدن معرة النعمان إدلب وسراقب، وتضم هذه المكاتب ما يقارب خمس وخمسون عضوة، ويعتبر مكتب معرة النعمان هو المكتب الرئيسي في المحافظة، ويضم حوالي عشرون عضوة”.

وعن الدعم الذي حصلت عليه المرأة من التجمع تقول عضوة مكتب مدينة سراقب إن التجمع ساعد على الاهتمام بالمرأة وتطوير قدراتها ومعارفها ولاسيما السياسية منها، ولوحظ تفاعل جيد من قبل السيدات مع نشاطات التجمع، وذلك لأن المواضيع التي يتم طرحها خلال الندوات والدورات هي مواضيع جديدة على النساء، ومعظمهن كن بعيدات كل البعد عن المواضيع السياسية، مضيفةً:
“كان للتجمع تأثير كبير على المرأة في المحافظة، من خلال دعمها وتثقيفها في المجال السياسي، فأصبحت السيدات قادرات على فهم ما يجري في العالم بخصوص القضية السورية، وتغيرت شخصية البعض منهن، وصقلت أفكارهن سياسياً، فتحولت المرأة المشاركة في التجمع إلى إنسانة فاعلة تشارك في كافة الوقفات والنشاطات التي يقوم بها التجمع”.
وتعاني التجمعات النسائية السياسية من مشاكل أكبر من باقي التجمعات نتيجة للصعوبات والقيود التي تواجهها المرأة في الداخل السوري، وحجم التحديات والظروف الميدانية والاجتماعية، بالإضافة لما تنتهجه بعض التجمعات النسائية من تراتبية صارمة تصل إلى حرمان العضوات من تقديم تصريحات سياسية تعبر عن آرائهن ومشاركتهن بالتجمع، وهو ما يتنافى مع حرية التعبير والمشاركة وتمكين المرأة وتعزيز إمكانياتها، وهي أهم أهداف تلك التجمعات.
كما يصبح من المستحيل على النساء المنضويات تحت هذه التجمعات التعبير عن رأي الشارع في وقت هن عاجزات فيه عن التعبير عن آرائهن.

حركة نداء سورية
تعتمد حركة نداء سورية في بنيتها التنظيمية على ثمانية مكاتب فرعية، تسمى وفقا لمناطق توزعها، فهناك مكتب دمشق ومكتب إدلب ومكتب حلب ومكتب حمص ومكتب حماة ومكتب الجنوب السوري ومكتب لبنان ومكتب أوروبا”.

وأوضح رئيس مكتب أوروبا في حركة نداء سوريا “أحمد المشوّل” لزيتون قائلاً: “يشرف على المكاتب الفرعية مكتب سياسي عام يتكون من رئيس ونائب وأمين سر وثمانية أعضاء، وتحدد مدة ولاية المكتب العام بدورتين انتخابيتين، مدة كل دورة سنة واحدة، وللحركة نظام داخلي ناظم يوضح برنامجها وأهدافها ورؤيتها، ومهامها، والمهام التنظيمية، وشروط الانتساب لها”.
كما تعتمد استراتيجية الحركة على مبدأين أساسيين هما، التأكيد على أهمية وحدة القوى السياسية المدنية الديمقراطية، لتشكيل تيار وطني عام، وإنجاز التحول الديمقراطي في سوريا، وضرورة اﻻنتقال السياسي وفق مقررات جنيف واحد.
يبلغ عدد المنتسبين للحركة اليوم، وبعد عامين من انطلاقها، حوالي ثلاثة آلاف عضواً، أما آلية الانتساب فتكون عبر تزكية عضوين من أعضاء الحركة للمتقدم بطلب الانتساب، شريطة أن تتحقق فيه شروط الانتساب وفق نظامها الداخلي، وهي أن يكون أن يكون مؤمناً بوحدة سورية كوطن واحد، وشعباً وأرضاً خالياً من كافة قوى الاحتلال والتبعية، بأرضه وسمائه وبحره والثروات الطبيعية فيه ملك لكل السورين حصراً، وأن يتحلى بالصفات الخلقية والتربوية الاجتماعية اللائقة، وأن لا يكون منتمياً إلى أي حزب أو تنظيم أو قوة سياسية غيرها، بحسب رئيس حركة نداء سوريا “سامي الخليل”.

الناشط “عبيدة دندوش” يرى أن لا وجود لنشاط للحركة على الأرض، وأن كل ما هو معروف عنها أنها حركة سياسية دون أي انعكاس لها في الشارع.

كما يعتبر الناشط “عمر حاج أحمد” أن الساحة الثورية السورية أنتجت الكثير من المسميات السياسية، وهو أمر صحي في حال توحدت تلك الجهود من خلال وحدة الهدف والعمل لإسقاط النظام، مضيفاً أن هذه الهيئات والحركات تحولت إلى عبء جديد على الثورة السورية، فجميعها تتحدث باسم الشعب وتمثله، في وقت لم يرى الشعب مظاهرة واحدة تقودها إحدى التجمعات، وحركة نداء سورية هي أشبه بمثيلاتها، ولن تكون الأمل المعقود عليه إلا عندما يرى السوري حقيقة أهدافها على الأرض، ولم يعرف بعد طريقة وآلية تمثيلها له”.
من جانبه رئيس مكتب إدلب في حركة نداء سورية “عبد المجيد اليوسف” برّر عدم وجود أعمال للحركة على أرض الواقع، برفض الحركة للمال السياسي، الذي يفشل أي عمل حتى لو أعطاه القوة في البداية، وأن الحركة وبرغم مرور عامين من العمل، إلا أنها ما تزال تعتبر نفسها في مرحلة التأسيس، وتعمل على تثبيتها والاهتمام بها، لأن المقدمات الصحيحة تجلب النتائج الناجحة، حسب وصفه.
وتتميز الحركة بوضوح الجانب الحقوقي والتنظيمي فيها بشكل لافت، إذ يقدم موقعها الإلكتروني كل الإجابات عن نشأتها ونظامها الداخلي ولآلية الانتساب والعضوية، إضافة لمجمل قراراتها والهيكل التنظيمي لها، كما يتضمن الموقع توزع مراكزها وفروعها في الداخل والخارج، وهو ما يعكس الوضوح في عملها.

تجمع سوريا الثورة
تبدأ هيكلية تجمع سوريا الثورة من الأصغر حتى الأكبر، من الخلية الثورية، وهي أصغر تجمع سكاني كالقرية والمزرعة، تليها الوحدة الثورية، وهي عبارة عن تجمع خمس خلايا، ثم الدائرة، وتوجد بكل منطقة من مناطق محافظة إدلب، حيث يوجد ست دوائر بحسب مناطق المحافظة وهي “خان شيخون، معرة النعمان، حارم، أريحا، جسر الشغور، وإدلب”.
وللمجلس الثوري الأعلى للتجمع، رئيساً ونائباً له، ورؤساء لتسعة مكاتب تدير أعمال التجمع، ومدة ولاية المجلس سنة قابلة للتجديد مرة واحدة.
مؤسس ورئيس التجمع “عثمان بديوي” قال لزيتون: “بادرنا في بداية تشكيلنا للتجمع ضمن مجموعة من المتطوعين بالبحث عن أصدقاء مثقفين، يمتلكون الفكر الثوري، الذي يحقق هدف التجمع بالتضحية والإخلاص والعمل للمصلحة العامة، حتى يتم إعادة الثورة لمسارها الصحيح، من جمع للكلمة ووحدة للصف، بعد أن مزقت الفصائلية ما مزقت بجسد الثورة وما تبعها من عواقب أثقلت كاهلها، كأمراء الحروب، وفساد القضاء وغيره من التداعيات”
الناشط الحقوقي “حسن المصطفى” يرى أنه بالرغم من أن تجمع سورية الثورة يضم مجموعة من النخب الثورية، وأنه يقف على بعد متساوي من جميع الفصائل، إلا أن تواصله خجول مع الجهات السياسية الخارجية، وفعاليته في الخارج ضعيفة، كما أن نشاطاته في الداخل محدودة، وتقتصر كالكثير من التجمعات السياسية على إصدار بيانات تعبر عن مواقفه تجاه القضايا، بالإضافة إلى تلك التي تحث على توحيد الكلمة السورية.


هيئة الحراك الثوري 
للهيئة عدة مكاتب في حمص وحماه وإدلب وريف دمشق وريف الساحل السوري وحوران، يمثلها مجموعات من المنتسبين إليها، كما تمتلك هيكلية تتلخص بالمنسق العام ونائبه وأمينا عاما ومدراء المكاتب، ونجحت الهيئة بإيجاد مكاتب في معرة النعمان وسراقب وسرمدا والدانا، كما أن هناك مكاتب فرعية بريف المعرة الشرقي وكفرنبل.
ويرجع المنسق العام لهيئة الحراك الثوري “يسار باريش” عدم وجود مكاتب للهيئة بشكل فعلي في محافظة إدلب واقتصارهم على بعض المنتسبين لهم إلى ما تعرضت له الهيئة من تهديد من قبل تنظيم القاعدة بعد تجربة لهم في مدينة سراقب، عندما تم تشكيل مكتب من أحد عشر عضواً تم استدعاؤهم والضغط عليهم من قبل تنظيم القاعدة بهدف حل المكتب، هذه الحادثة اضطرتهم إلى العمل على مبدأ لجان غير معلنة يتم التواصل معهم بشكل مباشر وغير معلن، كما يقومون هم بالتفاعل من خلال علاقاتهم الشخصية وتواجدهم في الشارع وتأثيرهم.

ويعتبر عضو المكتب التنفيذي في هيئة الحراك الثوري “داوود سليمان” أن “المجتمع غير مهيأ حالياً للعمل السياسي، وتستهويه العاطفة الدينية بكثرة والتعبئة الجهادية ضد الكل، لذلك هناك ابتعاد عن الهدف وابتعاد عن الثقافة العامة للمجتمع، فالمجتمع يحتاج الى إعادة تأهيل، ونحن في هيئة الحراك الثوري نرى أن نبدأ بتشكيل مجموعات عمل سياسية ثورية لتتوسع وتكبر وتخلق وتنشر فكر عام في المجتمع لكي يكون ناضج فعلاً للعمل السياسي”.
 

لا يبدو أن التجمعات السياسية الحالية المتواجدة في الشمال السوري قادرة على أن تقوم بدورها في بلورة رأي سياسي عام، أو قيادة الشارع الثائر، أو حتى تمثيله، ويرجع ذلك إلى أسباب تتحمل هذه التجمعات المسؤولية الأكبر فيها، من حيث نأيها عن الشارع وابتعادها عن المشاركة أو المخاطرة في التحديات المفروضة، وذلك ما يتناقض بشكل كامل مع طرحها في تمثيل الشارع السوري في المناطق المحررة.
لكن، وبالرغم مما يراه معظم الأهالي والمهتمون بالشأن المدني من أن هناك شرخاً كبيراً بين ما تهدف إليه تلك التجمعات وبين واقعها على الأرض وبعد المستهدفين عنها، وذلك لأسباب أهمها سيطرة الفصائل المتشددة وتضارب أهدافها مع ما تنشده تلك التجمعات، إضافة إلى عجز تلك التجمعات عن مواكبة الشارع وتحدياته للفصائل، فضلا عن عدم ثقة الشارع بالعمل المدني وإيمانه بجدوى العمل العسكري أكثر، إلا أنها تبقى الخيار الوحيد والوسيلة الأمثل لبلورة وتوحيد أصوات وأهداف الأهالي.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*