باستخدام الخردة.. سوري يبدع أدوات لتوليد الطاقة

زيتون – أسامة الشامي
الخردة ومخلفات الطبيعة مواده الأولية في ابتكاراته، أما تكلفتها فهي لمسة من الإبداع وعقل متفتح مع القليل من الجهد الجسدي، وتكاليف مادية لا تُذكر.
هذه الأدوات كانت وسيلة “سعيد الشريف” للتغلب على الظروف التي أنتجتها آلة الحرب، من انقطاع الكهرباء وغلاء الوقود وغيرها، فكان قرار “أبو خالد” الاعتماد على نفسه في تأمين حاجات عائلته ومتطلباتها، وعدم انتظار المجهول.

مروحة هوائية لتوليد الطاقة الكهربائية
كانت مشكلة انقطاع التيار الكهربائي عن محافظة إدلب، أكثر ما يؤرق “الشريف”، وكان عليه أن يؤمن البديل، فعمد إلى تصميم مروحة هوائية لتوليد الطاقة الكهربائية، تضاهي المراوح الصينية المستوردة بل وربما تفوقها من حيث متانتها وحساسيتها للهواء، على حد وصف “الشريف”، والذي أضاف لزيتون: “لست مخترعاً، وإنما متكيفا مع واقع صعب بلمسة من الإبداع، فعملت على تحقيق هدفي وهو توليد الكهرباء، بالاعتماد في التصنيع على مواد بسيطة الثمن وغير صالحة للبشر، وبذلك قد حققت النفع من الغير نافع، وهذه هي لمسة الإبداع التي أضفيتها، وإلا ففكرة المراوح الهوائية فكرة قديمة”.
وبالفعل يعود تاريخ تشغيل أول طاحونة هوائية إلى القرن الأول الميلادي، وقال عنها في ذلك الوقت المهندس والفيزيائي “هيرون اليوناني” أنها أول آلة أستخدمت في توليد الطاقة في التاريخ، ثم انتشرت هذه المراوح في أوروبا بحلول القرن الثاني عشر لاسيما في هولندا وإنجلترا، وكانت الغاية منها هي الحصول على الطاقة لأعمال الإنسان في طحن الغلال ونشر الأخشاب وعصر الزيت وما إلى ذلك من أعمال. 
وخلال السبعينيات من القرن العشرين أدى النقص المتكرر في توليد الكهرباء لتجدد الاهتمام بالبحوث في طاقة الرياح، وخلص العلماء وقتها إلى أنه يمكن لعنفة بريشتين أن تولد أكثر من 2 ميجاواط من الكهرباء في رياح معتدلة.
قضيب حديدي ومحرك “دينمو” ماء معطل، الغاية منه إعطاء التوازن فقط، أما الشفرات أو أجنحة المروحة، فقد قام “الشريف” بقصها من بعض الصفائح المعدنية، وأما ذيل المروحة الحديدي فقد صممه بدقة، بحيث يساوي وزنه وزنه جناحي المروحة، وذلك لتوجيه المروحة باتجاه التيارات الهوائية.
كما استخدم الشريف حركة دراجة هوائية بسيطة، وذلك لمضاعفة دوران المروحة، فعندما تدور المروحة 40 دورة تضاعفها الحركة لتصبح 135 دورة، بحسب الشريف، مضيفاً: “كل هذه المعدات جلبتها من الخردوات بأسعار رخيصة، حيث كلفتني المروحة 50 دولاراً، بينما يبلغ ثمن المروحة الصينية 500 دولار”.
ولم يكتفي المصمم بإنجاز مروحته بسعر زهيد، بل أضاف عليها لمسات جعلتها تفوق المروحه المستوردة، فقد قام بتعليق أكياس بأطراف الشفرات، مهمتها المحافظة على سلامة الشفرات، فعندما تزداد سرعة الرياح أكثر من 100 كيلومتر في الساعة تتمزق الأكياس ويسهل استبدالها وتؤمن عدم تحطم الشفرات، بينما تتعرض المراوح المستوردة لهذه المشكلة، على حد وصفه.
سخّان المياه
لم يقف الشريف عند حل مشكلة انقطاع التيار الكهربائي عن منطقته، بل تجاوزها ليجد حلاً لمشكلة ارتفاع سعر الوقود وعدم توفرها بشكل دائم، والحاجة إليها في عملية تسخين المياه، لا سيما في أجواء الشتاء الباردة، فقام بصنع سخّان للمياه “قاظان”، يعمل بالاعتماد على تفاعل البكتيريا مع المواد العضوية، والذي ينتج عنه نشر للحرارة.
وكانت أدوات المصمم هذه المرة، عبارة عن كيس بحجم مترين مربع، وضع فيه برميل حديدي، وغمره بمخلفات عصر الزيتون “التفل”، كمادة عضوية توفر التفاعل وأغلقته بإحكام، ونظم دورة المياه بحيث يخرج من البرميل أنبوب ماء يصل إلى داخل المنزل، وأنبوب آخر ينزل من الخزان العلوي.
وعن آلية عمله قال الشريف لزيتون:
“عندما تتفاعل البكتيريا في المواد العضوية الموجودة داخل الكيس، يصدر التفاعل حرارة عالية، يحبسها الكيس لتنتقل للبرميل المغمور بهذه المواد العضوية فتسخن المياه، وبذلك أحصل على الماء الساخن بشكل دائم، ودون استخدام الوقود أو أية مصادر طاقة أخرى”.
آلية العمل هذه يؤيدها علم المواد العضوية الحديثة، وعلاقة العضويات بالحرارة والطاقة، حيث يقول البروفيسور “آدام بيكسون” من معهد “ماساتشو ستس” للتكنولوجيا، أن هناك مواد مخزنة للحرارة الكامنة تمتص وتنشر الحرارة، وتسمى مواد متغيرة الأطوار، منها المواد العضوية والهيدروكربونية، وشكلت هذه المواد محور اهتمام المهندسين المختصين في النقل الحراري وتخزين الطاقة الحرارية، وذلك كونها تنشر الطاقة الحرارية.

مكبس الحجر
أبو خالد رأى أن العقل السوري قادر على تسخير حتى الخردوات والمخلفات لمنفعته، لذا أكمل سلسلة تحدياته ونجاحاته بعمل ثالث وهو تصنيع مكبس لحجر البناء (البلوك) من الخردوات أيضاً، ولكن هذه المرة بالاعتماد على الطاقة الشمسية.
وعن المكبس قال مصمّمه: “لدي خبرة جيدة بالميكانيك بالطاقة، وقمت بالاستعانة بالانترنت لأطلع على آلية تصنيع المكابس، ثم جلبت قطع الحديد اللازمة من الخردوات، ورحت أصنع القطع اللازمة بيديّ، وأطبقها حتى حصلت بالنهاية على مكبس بلوك فعال”.
وأضاف الشريف: “حاولت أن أختصر كادر العمل، وبدلاً من أن يكون هناك عامل مخصص لنقل الحجارة من المكبس، صنعت مكبساً خفيفاً وذو عجلات، لسهولة التنقل أثناء عملية التصنيع، وهو يتفوق على المكابس القديمة والتي كلفت أكثر منه بكثير”.
هذا العمل دفع أبو خالد ليصنع جبالة باتون صغيرة من ذات المواد ذاتها التي كانت مهملة أو مرمية وتعود أن يسخرها لنفعه، حيث ينقلها من مكبات الخردوات للحياة بآليات جديدة، فعندما ترى مقود السيارة “الدركسيون” على الجبالة وقضبان الكراسي المكسرة، وكيف تناسقت مع بعضها بطريقة ميكانيكية فنية جميلة، تدرك بأن الإبداع يعيد الحياة لكل ما هو مهمل من قطع ضمن آلة تفرض الإعجاب على كل من يشاهدها.
الإبداع ام التكيف المبدع ؟ سؤال يحتضرنا أمام أعمال أبو خالد، التي يطغى التكيف الذكي فيها على مشهد الإبداع.
“الذكاء هو القدرة على التكيف مع التغيير”، مقولة قالها الفيلسوف “ستيفن هو كيج” وجدناها مترسخة بحال أبو خالد الذي استطاع بإبداعه التكيف مع أقسى الظروف في واقع صعب تعتصره الحرب من كل جوانبه.

تتطلب عرض الشرائح هذه للجافا سكريبت.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*