
زيتون – عدنان صايغ
كحالهم في معظم القضايا الكبرى والعميقة انقسم السوريين أمام الانفجار الذي هز بيروت يوم الثلاثاء الماضي، كما هز الانفجار مشاعر العواصم العالمية وكل من شاهده بما يحمله من شدة وهول تكاد تشابه تلك التي ظهرت في انفجار هروشيما وناغازاكي.
وفيما عبر الكثير من السوريين عن تعاطفهم مع ضحايا الانفجار والدمار الهائل الذي طال دائرة واسعة من بيروت، اعتبرت شريحة أخرى أن هذا التضامن هو مفارقة غريبة وغير عادلة أمام المأساة السورية التي لم تشهد بحسب رأيهم مثل هذا التعاطف.
يقدم الطرف الثاني والمتهم بالحقد وفقدان مشاعر التعاطف نتيجة الحرب والصراع لسنوات طويلة حججا أبرزها أن حجم المصاب السوري أكبر بما لا يقارن مع حجم الانفجار في بيروت، وأن الضحايا 158 لا يشكلون جزءا بسيطا من مجزرة واحدة كالتي حدثت في مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية.
ويوجهون العتب للسوريين المتضامنين مع اللبنانيين بأن الأولى باعتبارهم سوريين أن يبقوا أصواتهم عالية في صف أهاليهم الذين ما زالوا يعانون حتى اليوم في الشمال السوري بأربعة ملايين نازح، من موت يومي ومصاعب معيشية وتهديدات مستمرة لوجودهم في الحياة.
ويستعيد هؤلاء ما يعانيه السوريين في لبنان من موجات عنصرية وكراهية، تكررت بشكل قاس خلال السنوات السابقة، تكرست فيه صورة الرفض للسوري من قبل بعض الشرائح اللبنانية، كان منها لافتات كتبت من قبل بعض البلديات اللبنانية منعت فيها دخول وتجول السوريين، كما سجلت الكثير من حالات الاعتداء والتنمر على سوريين ومخيماتهم.
ورغم قسوة الموقف المتبنى من قبل هؤلاء السوريين، إلا أن الجدالات التي شهدتها مواقع التواصل الاجتماعي كانت واقعية وقاسية كقسوة الموقف ذاته.
يورد هذا الفريق مشاركة حزب الله في سفك الدم السوري، وسيطرته على القرار السياسي اللبناني، ما يضع الحكومة اللبنانية في صف المتآمر على السوريين اللاجئين في لبنان، وما يخلقه ذلك من تنامي الحقد لدى المعارضين السوريين.
ويرى البعض أن تضامن الضعيف مع القوي، وهي المقارنة ما بين السوريين واللبنانيين، هو تضامن “دوني”، غير حقيقي، هدفه التماهي مع القيم الدولية والغربية، معتبرين أن المحتضر لا يمكنه أن يتضامن مع صاحب جرح بسيط.
في المقابل يهاجم المتضامنون مع اللبنانيين الطرف الأول بحدة، موجهين اتهاماتهم بالبدائية والحقد، وبتأثير الحرب على الروح الإنسانية لدى الممتنعين عن التعاطف، مدللين بأسماء لبنانية بارزة، تضامنت حتى النهاية وما تزال مع قضية الثورة السورية.
ويشير هذا الطرف إلى وجوب التمييز ما بين الشعوب وبين القيادة السياسية، مبرأين الشعوب من مسؤولية قرارات الساسة في إشارة لمشاركة حزب الله، مقارنين ذلك بما كان عليه الحال أثناء وجود الجيش السوري في لبنان وما فعله من جرائم، مدللين على محدودية مشاعر البغضاء بلافتات نشرت فيها بعض القوى اللبنانية شعارات تتضامن مع اللاجئين السوريين ووقوفهم إلى جانبهم.
ويحذر المتضامنون من تنامي خطاب الكراهية الذي تشهده الشعوب المغلوبة والتي تعيش فترات طويلة من الحروب والدمار، والذي يحمل ضمن طياته علامات التشفي والفرح في كل مصاب يلم بالآخر أيا كان، كما تكون من علاماته تفرد قضية المتبني لخطاب الكراهية وأولويتها على أية قضية أخرى أيا كانت.
ويضيف التحذير إلى استمرار الرفض وعدم التعاطف ليصل إلى المدن السورية ضد بعضها، وقد يصل إلى القرى والبلدات، في متوالية لن تقف عند العائلات والأفراد.
يقول أحد الحسابات على موقع التواصل الاجتماعي: “على فكرة صار فينا متل الفلسطينيين، الفلسطينيين اعتبروا أنه لا توجد مظلومية أكبر من مظلوميتهم، لدرجة صاروا ينظروا لمظلوميات الشعوب الثانية باستعلاء واستخفاف، وأنو (ما حدا تعذب متلنا)، وهذا التشوه النفسي الخطير أدى لوقوفهم مع كل طاغية في أي بلد كانوا فيه ضد الشعب، مثلما وقفوا مع صدام في العراق، ومع الأسد في سوريا، فكانت نتيجة مواقفهم وبالا عليهم، الشعوب شيء، و الأنظمة شيء آخر”.
يبدو الأخطر من هذا الموقف لدى البعض من السوريين هو مبدأ التخوين لكل مختلف بالرأي معهم، فالممتنعون عن التعاطف صاروا مجرمين وقتلة في نظر المتعاطفين، كما بات المتعاطفون مزدوجين وخونة لدماء أهاليهم في نظر الممتنعين، ولو ترك كل طرف بعض الصحة في رأي الآخر لما كانوا في موقفهم الكارثي اليوم.
يزيد من حدة الجدالات وخطورة انعكاسها ضيق المساحة الجغرافية التي حشروا بها، وضنك المعيشية المتفاقم، مع انسداد الأفق بأي حل قريب أو منطقي، فيشعر البعض بأنهم محصورون في زاوية قاتلة، يدفعهم هذا الشعور إلى تبني مواقف عدوانية لا يمكن للإنسانية أن تنفذ منها، ككرة ثلج لا تتوقف عن التضخم تمتلئ بالقيح بانتظار الانفجار في المستقبل.
صحيح أن الغالبية من الممتنعين عن التعاطف، أقصوا أنفسهم عن التشفي بموت المدنيين في بيروت، مكتفين بمطلب عدم التعاطف، الفارق البسيط في الموقفين يشير إلى مرحلة مؤقتة لن تستمر طويلا إن لم يسعف القدر هؤلاء المنكوبين في الاستقرار واسترداد روحهم الإنسانية.