حرية خالية الدسم

زيتون – عبد العزيز الوسى

هل هذه هي الحرية التي ألزمت الفكر وأهله بالعمل على خطٍّ غير مألوف، والتي تدبجُ المبررات الكبرى والصغرى المحتفية  بنوبات الذّل، هل هي الحرية أم الفكر الذي تراكم وتراكم وتتحول إلى ثورة، طبعاً لا يهمّ الفكر في هذه الحالة أن تكون الثورة عجفاء ناشفة أو رطبة محملة بالدسم، لكن قبل أن نمضي علينا أن نقول لتبرئة الذمة, الثورة وكل ثورة إما أن تكون فكرية أو لا تكون ثورة  على الإطلاق.

الفكر هو الذي يشمل كل جوانب الحياة, ليس الحياة العربية المحرومة من سماع هذه النغمة بل كل حياة على سطح المعمورة، الفكر بعد أن يصير فكرة يتجسد عملياً على أرضية الوقائع، عليه ألا يتوقّف قبل أن يرى نموذجه على الأرض.

الفكر ليس فذلكة مجانية ولا ترفاً معوقاً، الفكر ومن خلاله وبحضوره تتوالد أزمات جدلية تعتبر مسؤولة عن رفع منسوب الوعي الاجتماعي وتحريض هذه الجدلية الحية التي لا نراها ولا نرى تأثيراتها مباشرة كما نتوهم لأول وهلة, نحن لا نلمس إلا نتائجها وأزماتها التي لا تنقضي إلا بعد أوقات لن تكون قريبة.

الحرية في حد ذاتها أزمة, وككل حرية متشبعة بالمحاليل الفكرية ستكون في أزمة ترّهل لو اكتفت بتشخيص آفات الأمة وتنحت في سرداب رطب تحت الأرض، الحرية محسوم دورها في تغيير آليات المجتمع وتغيير استجاباته إزاء الوقائع المنهمرة على الأرض والتي تقع مثل المطر، لا بد من حرف الدفة  قليلاً كل مرة لوجود ألغام قاتلة على المسارات الغبية المستقيمة.

لا يكمن أن نغير ما لم نفهم  ونفكك ما بين أيدينا, كل جهة وكل نقلة تؤثر وتتأثر، الحرية تهيئ للفكر وتعشش للولادة ليقوم المثقف بعملية التوليد, أو يفترض أن يقوم بهذه العملية في غير دول القمع، لا بد من جهة أخرى من مناخ موات ليتمكن الفكر والمفكر من الخلق والابتكار على الأرض في الحد الأدنى.

تبقى كلمة الحرية وعث مجاني إن لم تتواتى لها معطيات دسمة تنقلها من طورها الرغاء لطور النقاء, من الطور الساذج المشبوه القاعد الساكت المنظر بفذلكات دوارة تبحث عمن يشتريها في السوق, تبحث عن أذن لاقطة على الأقل, تبحث وعن سعر وإلمام بأوليات العرض والطلب, إلى حرية حقيقية عملية لها أقدام قوية متينة تسير بها غير هيابة في الساحة.

الحرية بذلك تمثل تحدياً أولياً ومحورياً للبشر, إما أنهم يستحقون الحرية أو ستلفظهم وتنتف ريشهم، تحد وجودي متحرك مواجهة المفصل الجاهز الساكن , هل أنت موجود أو قررت أن توجد، هذا إذا استطعت أن تقرر، ما لم تستطع فأنت والحجر والبقر وسائر الجمادات على مصاف واحدة، أن توجد يقتضي أن تتدخل وتغير وتحضر مباشرة حتى لا تتحول الحرية إلى سبة وتهمة وظل رخيص تافه منتن منكمش في جحر القدر السام.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*