ختام جاني.. تُحَيّي العاصي بألوانها

خاص زيتون 

حيث البيوت العربية التي تضم في باحاتها جنباً إلى جنب، أشجار الليمون وأزهار الياسمين، فتختلط رائحة الياسمين الهادئة بضجيج وقوة رائحة الليمون، وذلك في لوحة من أعظم لوحات الطبيعة، فضلاً عن الشبابيك العتيقة المزينة، والقناطر الإسلامية المتنوعة المحيطة بها، نشأت وترعرعت ختام جاني الفنانة التشكيلية، ابنة مدينة جسر الشغور.

عشقت ختام الرسم ومارسته منذ طفولتها، وعندما كبرت قررت أن تنتقل من الهواية والموهبة إلى الاحتراف وصقل الموهبة، وذلك عبر تخصصها ودراستها أكاديمياً، فدرست في معهد الفنون في مدينة إدلب، وتخرجت منه في عام 1997.
ولم تكتفِ ختام بدراستها في المعهد، فقررت المتابعة وانتقلت للدراسة في مركز الفنون التشكيلية في محافظة اللاذقية-وهو مركز يخضع المنتسبون إليه لامتحان يخضعون على إثره لدورات فنية حسب التخصص- تخرجت منه بعد دورتين من قسم «التصوير والنحت والغرافيك».
نهر العاصي الذي منح مدينة جسر الشغور طبيعتها وجوِّها الخاصين بها، بدا تأثيره واضحاً في لوحات ختام الفنية التي تنمي إلى المدرسة الواقعية، وتعتمد على الإيحاءات والرموز، كما أن تعلقها بفيروز ومارسيل خليفة وشيخ إمام، وقراءتها لمجموعتي جبران خليل جبران الكاملة العربية والمعربة، منذ طفولتها كان لها الأثر الكبير في بناء شخصية ختام الفنية، حسب قولها.
تعبر ختام عما يدور في نفسها ضمن لوحاتها وعلى طريقتها الخاصة، مستخدمةً في ذلك بعض الألوان الزيتية وأقلام الفحم التي تضع خطوطها على ورقة كانسون تتربع فوق ستاند الرسم، يدفعها في ذلك إيمانها المطلق بأن الرسم كما الكلمة كلاهما يعبر عن مكنونات الإنسان، إلا أن الخطوط والألوان أسهل وصولاً إلى المتلقي، وأن الرسم لغة عالمية كالموسيقا يفهمها الجميع دون ترجمة.

ختام ابنة العاصي، قالت لزيتون: «من الطبيعي أن أتأثر بما ومن حولي سواءً أكانت الأحداث أو الأشخاص أو الأمكنة، والمكان يعني لي الكثير وكل من يتابع لوحاتي يشعر بذلك، وربما يكون السبب وراء ذلك هو حالة النزوح والتشرد التي نعيشها منذ عدة سنوات في سوريا، وانتزاعنا من أمكنتنا عنوة، كما تراني ألجأ لا شعورياً إلى اللون الناري والأحمر(الدم والنار)، تلك الألوان الطاغية في حياتنا اليومية كسوريين أيضا».
وللجمال عند ختام مفهوماً خاصاً، وحول ذلك قالت: أنا أرى أن لا قبح مطلق في الحياة وأن هناك ثمة جمال في كل شئ، ولذلك فإن أهم القيم الإنسانية التي يجب على الفنان تجسيدها هي قيم المحبة والجمال، فبالإضافة إلى اللونين الناري والأحمر اللذين أستخدمهما كثيراً في لوحاتي، أفضل تقنية الفحم (اللون الأسود وتدرجاته مرورا بالرمادي)، لتجسيد الجمال الكامن في المخلوقات والموجودات، ومع ذلك تبقى اللوحة البيضاء أكثر ما يستفزني للرسم.

الفن والثورة

حالها حال كل السوريين، شعرت ختام بذهول كبير وصدمة أكبر من هول ما حصل في سوريا، وزاد الحس الفني المرهف من إحساسها بالفاجعة، فأحجمت ختام عن الرسم لنحو سنتين بعد بدء الثورة.
وعن الثورة تقول ختام: «بعد أن شاهدت ما يحصل في سوريا، عجزت عن ممارسة الرسم قرابة العامين، لكنني أحسست بعد ذلك بأن لدي مخزوناً هائلاً لأتحدث عنه، فعدت للرسم وللتعبير عنه بطريقتي، ولجأت كعادتي إلى الأسلوب الرمزي في التعبير، وواجهت الكثير من الانتقادات لعدم تصويري لمشاهد القصف والدمار والدماء في سوريا».
وأضافت ختام: «أنا أرى أنني جسدت الثورة بشكل جيد ولكن أسلوبي خاص، فالقصف والدمار والدماء وغيرها، تظهر بشكل يوميّ على شاشات التلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي، ولذلك فضلت أن أعبر بأسلوبي، وألا أطرح أفكاري بشكل مباشر، ومن يتأمل لوحاتي يرى في كل لوحة ثورة ومقاومة، ولكن هذه الرؤية دون أدنى شك تتعلق بالمتلقي ومزاجه والنظرة العميقة التي يمتلكها».
وعن الفن الذي أنتجته الثورة في سوريا، قالت ختام: «على الرغم من أنه لم يرقى بعد إلى مستوى الحرفية، إلا أنه فن فطري خرج من رحم الثورة، ونجح إلى حدّ كبير بتجسيدها، واستطاع أن يترك بصمته، وأنا متفائلة بالمواهب التي لاتزال قيد الظهور، فالثورة الآن تعيش حالة مخاضٍ عسير، لكنها لابد أن تنتهي منه».
وحول الفن النسوي في سوريا، قالت: «من وجهة نظري لا يوجد فن نسوي وفن رجولي، ولكن التجربة الفنية النسوية في سوريا (حصراً) متواضعة إذا ما قورنت ببلدان أخرى، ربما يكون كم الضغوطات والقيود القاسية التي تتعرض لها المرأة في سوريا بشكل عام، هو السبب في ذلك، فما بالك بالفنانة التي تتمتع بمزاج خاص».

مشاركات ختام ونشاطاتها الفنية

شاركت ابنة العاصي قبل انطلاق الثورة بالعديد من المعارض الجماعية التي أقيمت في مدينة اللاذقية، كما أقامت معرضاً فردياً خاصاً بها في المركز الثقافي في مدينتها جسر الشغور، وذلك قبل الثورة بنحو سنة تقريباً.
وخاضت ختام تجربة جميلة وجديدة كما وصفتها، وهي معرض «ألوانا بتحكي أمل»، الذي أقيم في مدينة جسر الشغور في 23 نيسان الفائت، برعاية مؤسسة «سنابل وطن».
تحدثت ختام عن التجربة قائلةً: «أشرفت على تعليم الأطفال وتدريبهم على الرسم، بمساندة فريق كامل، وعرضت لوحات الأطفال في معرض ألوانا بتحكي أمل، وبذلت في هذه التجربة كل جهدي، إيماناً مني بقدرات طفل الثورة الذي أظهر براعته في كافة المجالات التي عمل فيها، لاسيما أنني آمنت بعد الثورة فقط بأن الألم فعلاً يولد الإبداع».
هذا وتحضّر ختام حالياً لمعرضِ جديد، من المفترض أن يُقام في مدينة جسر الشغور، قالت ختام إنه يضم 35 لوحة بأحجام مختلفة، موزعة ما بين لوحات زيتية ولوحات بأقلام الفحم، منها ثلاث لوحاتٍ تتحدث عن نهر العاصي، وهي السبب في حمل المعرض لعنوان «تحية إلى العاصي».

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*