رواية عشر نساء.. عشرة أصوات تختصر أوجاع النساء

زيتون – ياسمين محمد 
الحياة على الأرض تبدو رخيصة جدا، فمقابل الأحلام مثلا لا يدفع قرش واحد، ومقابل الأوهام يدفع عند ضياعها فقط.. بهذه المقولة المقتبسة تقدم الكاتبة الأمريكية اللاتينية من تشيلي “عشر نساء” بقصصهن إليك، يسترسلن بالحديث عن تفاصيل حياتهن السابقة، كيف عبرن دهاليز الألم بعضهن ما يزلن يعبرن فيها، يحكين بأصوات وبنبرات مختلفة ما يدفعك إلى الشك بأن كاتب القصص هو الشخص ذاته، لكن هذه الحكايا اللاتينية هي ذات حكايانا، وتلك النساء العشر هن نفس النساء اللواتي نعيش بينهن ومعهن، واختلاف الجغرافيا لا يفاوت في وجع النساء وكأن النساء في كل الأرض لهن ذات المآسي.


رواية “عشر نساء” للكاتبة التشيلية “أرثيلا سيرانو” هي واحدة من الروايات التي ستبقى تنازع ذاكرتك طويلاً، عشر قصص ستؤثر على حياتك ونظرتك إلى المرأة، وستمنحك عشر عيون كبيرة سترى فيها المرأة كما لم تراها من قبل، ومن خلال ذلك السرد البسيط والجرئ ستعيش وربما للمرة الأولى هوان النساء في عالمنا القاس.

تنحو الرواية إلى جو من التطهر والاعتراف والبوح عن كل ما هو مسكوت عنه، عنه كل ما هو محرم ومنبوذ، ومن خلال هذه الطريقة التي حضت بها الطبيبة النفسية في الرواية مريضاتها التسع بأن يكتبن حياتهن السابقة وكيف اجتزن أو ما يزلن يجتزن تجاربهن التي تبدو صادمة للوهلة الأولى لكنك مع الوقت ستكتشف أن سبب صدمتك ليس ندرة هذه التجارب، بل هو الصمت الذي يحكم جرح النساء، والرعب الذي يواجهنه حين يقعن فريسة ربما لأقرب الناس إليهن.

أكثر ما يميز الرواية ذلك التفاوت الكبير في شخصية البطلات العشر، هن عشر حيوات مختلفات كلياً، تباين كبير في الأعمار والشخصيات والميول والمشاكل، إلى جانب الفروق الصارخة في مستويات المعيشية والتعليم، فضلا عن الأمزجة والطباع والرؤية، لدرجة ستفكر مليا كيف يمكن لهؤلاء النسوة أن يتعاملن مع بعضهن إن اجتمعن، وهو ما ستضعه أمامك الكاتبة في الصفحة الأولى.

تكشف الرواية بقوة صدق الرواة فيها المكانة الوضيعة التي تركت فيها بعض المجتمعات نسائها، وبفضح الظلم الهائل من استغلال جنسي وتحرش وتهميش واعتداء جسدي وقمع ينتج كآبة وتوتر واضطراب نفسي وإدمان وانحراف، كل هذا يضع الرجل أمام أكثر النساء التصاقا به، ليعيد النظر مرة أخرى بسلوكه وطريقة تفكيره، لقد شعرت وأنا الرجل بما تنوء به النساء ولكي أكون صادقا فلقد أحسست بالعار بعد كثير من الجمل التي قرأتها.

لم تكتف الكاتبة بحض شخصياتها على البوح والكتابة باعتباره الطريقة الأمثل لتحديد السبب وبداية الحل، على ما للبوح من ثقل وهيبة وما يتطلبه من جرأة وشجاعة قد تكون عتبة مستحيلة علينا، بل تكمل الدائرة بتقديم تجربتها هي أيضا كواحدة من مريضاتها.

البراعة في توظيف ما هو عادي من كلام في رسم مخطط لوحة فائقة العمق هي البراعة التي تميز الأديب صاحب الموهبة عن أخر، ففي عشر نساء ستركض مع مصففة الشعر إلى مكان عملها وستستمع إلى مراهقة متمردة تتنقل بين علاقاتها، كما ستصحبك موظفة لديها أيام من الشلل، إلى مثلية تتخبط في وسطها، تشيلية فلسطينة تغتصب من ثلاث جنود إسرائيليين ويهودية نجت من محارق النازية.

أتاح جو أسرتها الضالع بالكتابة سعة باطلاعها وتدريبا مبكرا فهي ابنة كاتب المقال الشهير أوراثيو سيرانو والروائية إليسا برث ولكر، ولدت في مدينة سانتياجو، عاصمة دولة تشيلي عام 1951. درست الفنون الجميلة في الجامعة الكاثوليكية عام 1976 , حيث حصلت على درجة الليسانس في عام 1983. 

وجاء في ويكيبيديا أنها نظمت أولى معارضها في الثمانينيات، وعملت في مختلف مجالات الفنون البصرية، ووصلت للفوز بجائزة متحف الفنون الجميلة بسانتياجو عن عملها عن نساء جنوب شيلى. بالرغم من ذلك وبعد مدة قصيرة تركت نهائياً أنشطاتها الفنية. ثم قررت تركيز طاقتها في إبداعها الأدبي. وتعد نحن المُتحابات عام 1991 من بين رواياتها التي نُشرت ولاقت نجاحاً كبيراً في أمريكا اللاتينية وأوروبا والتي نُقلت إلى السينما وتُرجمت إلى بعض اللغات، والتي حازت جائزة سور خوانا إينيس دي لا كروث في عام 1994، وهي جائزة تُمنح لأفضل رواية كتبت للنساء في أمريكا اللاتينية.

مكثت مارثيلا خلال جولة ترويجية لكتابها نساء إلى الأبد بفندق بليما عام 2004، وأثناء ذلك شعُرت بخفقان شديد وعرق كثيف وشلل لم تستطع بعده التحرك، وظنت في هذا الوقت انها ستموت بأزمة قلبية. بعد فحص الطبيب لها، نصحها بترك الجولة والعودة إلى منزلها، وعندما عادت كان التشخيص النهائى هو ضغط شديد، وبسبب ذلك هجرت مارثيلا الحياة العامة لسنوات حتى ظهرت مرة اخرى عام 2011 بكتابها عشرة نساء.

تقول على لسان إحدى بطلاتها: “في إحدى المرات سمعت حكاية أعجبتني كثيرا، وتشبثت بها مفكرة في أنه يمكن لقصص الكتب أن تخرج فجأة من الصفحات وتتحول إلى قصص حقيقية، بتلك القصة كانت تجري في مكان من الماضي، ويمكن أن يكون في الهند أو شيء من هذا القبيل، وكانت عادة ذلك الشعب أن يعرض العريس أمام الملأ حين يتزوج شخصان ملاءة الفراش ملطخة بالدم بعد ليلة الزفاف كي يثبت بذلك عذرية الزوجة الجديدة، أعرف أن هذه العادة ليست بالأمر الجديد وقد سمعنا عنها كثيرا، ولكن هذه القصة تقوم على أن العروس لم تكن عذراء، وحين يعلم العريس بذلك في تلك الليلة بالذات ويرى أنها لم تنزف، لم يعمد فقط إلى عدم رفضها ولا إلى التعرض لها، بل إنه لم يوجه إليها أي سؤال، وتناول سكينا كانت موجودة في طبق الفاكهة الذي بجانب السرير وأحدث جرحا في يده وسكب ذلك الدم -دمه بالذات- على ملاءة السرير كي يعرضها على أهالي القرية.

هذه القصة أعجبتني كثيرا وتساءلت إن كان هناك واحد بين جميع الرجال الذين يعملون معي أو من يقفون عند ناصية الساحة قرب بيتي لسماع موسيقى بأعلى صوت وتدخين الماريجوانا -واحد فقط- لديه مثل ذلك النبل، على الرغم من أن أحدا لم يعد يقيم أي وزن للعذرية في هذه الأيام”.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*