عام دراسي جديد وكتب قديمة

مروة العبدالله أثناء دراستها في المنزل – زيتون

زيتون 

استطاعت “مروة العبد الله” أن تكون من المتفوقات على مستوى محافظة إدلب في امتحانات الشهادة الثانوية العامة بفرعها العلمي، إذ حصلت على مجموع 238 درجة من أصل 240 في امتحانات التربية الحرة للعام الماضي. تمكنت مروة من تحقيق ذلك بجدها ومثابرتها، وبالرغم من الانقطاع الكبير في الدوام المدرسي، ودون أن تخضع لأي دورات تقوية أو دروس خصوصية.

وبعد عام مليء بالمآسي والقتل والدمار، وبعد أن نجت “مروة” وزملائها من مجزرة حاس التي استهدفت مدرستها في 26 تشرين الثاني عام 2016، وأسفرت عن مقتل نحو 40 مدنياً جلّهم من الأطفال، تمكنت مروة من تجاوز المجزرة والحصول على مجموعٍ عالٍ في امتحاناتها.

تعاني العملية التعليمية في محافظة إدلب من صعوبات من أخطرها القصف الجوي وهو ما أشتكى منه الأهالي ومدراء المدارس في تحقيق سابق لجريدة زيتون حول الخدمات في إدلب.

“أمل وعائشة محمد حمندوش” لم تكونا الأختين الوحيدتين اللتين فرقت الطائرات الروسية بينهما في صباح يوم الأربعاء 21 آذار 2017 في قرية كفربطيخ بريف إدلب الجنوبي، بل أزهقت تلك الغارات أكثر من 20 روحا معظمهم من أطفال المدرسة في القرية.

حوادث موت الأطفال في المدارس ليست سوى نموذج لما يعيشه أطفال سوريا يومياً، فالتعليم بات مغامرة قد لا تكون آمنة العواقب.. مواجهة غير متكافئة بين طفل وطائرة، في ظل مستوى تعليم متدن يراه البعض لا يستحق المغامرة.

المديرة التنفيذية لليونيسف “هنرييتا فور” قالت في تقرير نشر العام الماضي: “تتعرض حياة الأطفال في إدلب للتهديد اليومي، حتى عندما يحاولون الوصول إلى الخدمات الصحية والتعليمية التي هي محدودة بالأصل”…”وقد يؤدي التصعيد في القتال إلى إغلاق المدارس وإبقاء الأطفال في منازلهم. ومع أن العام الدراسي الجديد بدأ بالفعل في 1 أيلول / سبتمبر، فلا تزال العديد من المدارس تفتقر إلى الإمدادات الحيوية، وهناك ما يقرب من 7000 غرفة صف بحاجة إلى إعادة التأهيل، وأكثر من 2300 منصب تدريسي لا تزال شاغرة”.

تنازع التربيتين

أطفال في إحد صفوف المرحلة الأساسية في إدلب – زيتون

أثر تنازع التربيتين (التربية الحرة وتربية النظام) على إدارة المدارس في محافظة إدلب على سير العملية التعليمية، وخلق إشكالات كان ضحيتها الطلاب والمعلمين.

وأصدرت كل من مديرية تربية تابعة للنظام ومقرها مدينة حماة ومديرية التربية لحرة التابعة التي تسيطر علي حكومة الانقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام في مدينة إدلب قرارات متضاربة وتنازع للصلاحيات، وبينما حاولت التربية الحرة التضييق على مدارس النظام من خلال سحب الأختام ومنع الطلاب من التوجه إلى مناطق النظام للامتحان، قامت تربية النظام بإصدار قرار يقضي بإغلاق أي مدرسة يتدخل فيها الطرف الثاني.

واعتبر مدير إحدى المدارس في مدينة كفرنبل أن: “مصطلح “تربية حرة” و”تربية نظام”، من أسوأ ما ظهر من مصطلحات ومن أكثرها إهانة لمهنة التعليم والمعلمين، إذ تنال من رسالة التعليم الإنسانية”.

شهادات غير معترف بها

طفل أمام مدرسة مدمرة في بلدة أبو الظهور بريف إدلب – أنترنت

على الرغم من أن المناهج المعتمدة في مدارس التربية الحرة هي مناهج تربية النظام ذاتها، مع تعديلات بسيطة، إلا أن شهادة التربية الحرة لم تتمتع حتى الآن باعتراف دولي.

وبحسب مدير المجمع التربوي في مدينة إدلب محمد عثمان فإن المديرية تسعى لكسب اعتراف دولي بشهاداتها، من خلال مراعاة الشروط والإجراءات العالمية في نظام الامتحانات، لكي يتم الكشف عنها وإرسال تقارير للأمم المتحدة وغيرها من المنظمات للإطلاع على واقع التعليم بهدف معادلة الشهادة.

يقصد الكثير من الطلاب مناطق النظام من أجل التقدم لامتحاناتهم رغم كل المخاطر، خوفا من ضياع مستقبلهم وبقائهم دون دراسة وعدم حصولهم على شهادة معترف بها، وهو ما دفع بعض الأهالي إلى مرافقة أبنائهم إلى مناطق سيطرة النظام خوفا من اعتقالهم.

“عبد الله المحمد” طالب في الصف الثالث الثانوي، قال لـ “زيتون”: “سأذهب أنا وأختي إلى مناطق النظام لتقديم الامتحان، فمستقبلي ومستقبل آلاف الطلاب وكل هذه السنوات ستضيع هدراً إن لم نتقدم لامتحانات هذا العام، وهذا الأمر يستحق المغامرة“.

توفر الكتب

“إسراء العبد الله” طالبة في المرحلة الثانوية قالت لزيتون: “لم يمضِ على بداية العام الدراسي سوى أسبوع واحد كدوام فعلي، وحتى الآن لم نحصل على الكتب من المدرسة”.

أشار معلم الصف الأول في المرحلة الابتدائية “فراس سليمان” إلى أن نقص الكتب ليس مشكلة بسيطة، فهي تحدد جدية التعليم وفاعليته في مناطق المعارضة، وقد يكون توفر المدارس والكادر التعليمي مجرد جهد ضائع في حال استمر نقص الكتاب وانعدامه في المدارس، وهو ما تتحمل مسؤوليته كل من التربيتين اللتين تتنازعان على إدارة المدارس في محافظة إدلب.

ولجأت الكثير من المدارس للكتب المستخدمة القديمة بالرغم من دراية كادرها ما للكتب المستخدمة من أثر على نشاط الطالب وكسله، كما لجأت مدارس أخرى لطباعة الكتب على نفقة الأهالي والطلاب، لكن كل هذه الإجراءات لم تغيّر الواقع بشكل ملموس.

سيطرة هيئة تحرير الشام

منذ تحرير ادلب وسيطرة هيئة تحرير الشام على مفاضل الإدارات الخدمية في محافظة إدلب ومنها قطاع التعليم، تراجع حجم الدعم المقدم من المنظمات الدولية خوفا من وقوع مساعدتها في يد تنظيم جبهة النصرة المصنف إرهابيا.

ويرى البعض أن ما قامت به هيئة تحرير الشام من تدخل في مسار العملية التعليمية بقرارات لا تخدم الطلاب أساء للتعليم ودفع المنظمات المانحة إلى الإحجام عن تقديم الدعم اللازم.

وكانت مديرية التربية الحرة التابعة لحكومة الإنقاذ أصدرت قراراً يفرض ارتداء اللباس الشرعي على جميع الطلاب في المدينة عام 2017، كما طالبت المديرية من خطباء المساجد حث الأهالي على التقيد بالزي الشرعي، مهددة بمنع الطلاب من دخول المدارس في حال تجاهلهم للقرار.

كما قامت باقتحام الكثير من المنشآت التعليمية والاعتداء على الكادر التدريسي بحجة الاختلاط والسفور وغيره.

كل هذه المشاكل ومشاكل أخرى كالتسرب والنزوح ونقص الكوادر التعليمية، شكلت مصاعب حقيقية أمام تعلم الأطفال، وسط تدنى مستوى التعليم وتنامي شعور اليأس والإحباط  عند الطلاب والمعلمين.وهو ما جعل من تفوق مروة محط إعجاب وتقدير، في ظرف يعتبر استمرار التعلم فيه أمرا صعباً.

تم إنتاج هذه المادة بالتعاون مع منظمة FPU

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*