في حضرة القبور.. سوريا وطن الموت بامتياز

dsc01549

تحرير زيتون 

كانت ولا تزال ظاهرة زيارة المقابر في المناسبات، موضوعاً إشكالياً، يعتبره البعض ممارسات لا فائدة منها، ويراه آخرون أنه جانب روحاني يبعث في نفوس أهل الميّت السكنية عند زيارة فقيدهم، حتى راح البعض يتمادى بالاهتمام بها، فرفعوا أحجارها أمتاراً، وأحاطوها بسياج، في ظاهرة تُعتبر غلوّاً وتعالياً، وتأكيداً على تمايز طبقي واجتماعي حتى في الموت.


ومع ازدياد أعداد القتلى في السنوات الأخيرة، طرأت عادات جديدة للتشييع والدفن وظهرت طقوس خاصة لم تكن مألوفة سابقاً. في وقتٍ تحوّلت بعض القبور لمجرد أرقام لا تحمل اسم صاحبها، لكثرة القتلى مجهولي الهوية، وبسبب تشوه الجثث وتمزقها.
مظاهرات وزغاريد:
مع بداية الثورة وأثناء سقوط المدنيين في المظاهرات كانت مواكب تشييعهم تتحول إلى مظاهرة أخرى ينادي بها الأهالي بإسقاط النظام، وتطلق خلالها النساء الزغاريد وتنثر الأرز على موكب المشيعين المتوجهين إلى المقابر والتي خصصت واحدة منها في أغلب البلدات لدفن الشهداء وأطلق عليها اسم «مقبرة الشهداء».dsc01552حفر القبور مهنة مزدهرة:
ازداد حجم العمل على من يعرفون «بحفاري القبور»، ويقول نزار أبو عبدو، وهو حفار قبور من كفرنبل: «ازدادت نسبة حفر القبور بشكل ملفت فلا أذكر أنني قد حفرت هذا العدد في أي عام من الأعوام السابقة للثورة ومعظم من حفرت قبورهم أصغر مني سنّاً، هناك من أعرفهم وهم من أصحابي وهناك من أعرف أهلهم».
يضيف نزار: قام أهل المدينة بتخصيص مقبرة للشهداء بعيدة عن أماكن تواجد حواجز الجيش في الفترة التي كان فيها موجوداً في المدينة أما اليوم فجميع المقابر باتت تحتوي على العديد من الشهداء.
زيارة القبور.. ماذا يقول الشرع:
اعتاد الأهالي على زيارة موتاهم في المناسبات على وجه الخصوص، وجرت العادة أن يتذكر الناس موتاهم في العيد، بإشارة منهم لافتقادهم وعدم نسيانهم، ويشعر الانسان بفقدان الأحبة حين يعيش مشاعر الفرح السرور رغبة منه بتواجدهم معه. ولكن البعض من الناس لا يراه عملاً مهماً، ويعتبروه مدعاة لتقديس الموتى.
يقول الدكتور في الشريعة الإسلامية والمستشار في الهيئة الشرعية بإدلب مصطفىالرحال: «إن زيارة القبور سنّة مشروعة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام (كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها فإنها تذكركم بالآخرة)، ولكن الشرع لم يحدد يوماً معيناً لزيارة القبور، لذلك فإن تخصيص يوم العيد بزيارة القبور ﻻ دليل فيه، وقد تكون حراماً لاسيما إن خرجت النساء متبرجات إلى القبور، واختلطن بالرجال، وكذلك انتهاك حرمات الأموات من الجلوس على القبور ووطئها بالأقدام».
أم محمود، زوجة شهيد وأم لشهيدين، ليست مقتنعة بتحريم زيارة القبور فهي تنتظر العيد لتزور زوجها وأولادها، وتقول: ليس أبهى من العيد لأزور فيه أحبتي، آخذ الرياحين، والماء، واسقي قبورهم ثم أعود، ولا أعتقد أن هذا العمل حرام دينياً أو مكروهاجتماعياً.
قبور شاهقة وقبور داثرة:dsc01547

في بعض بلدات إدلب تتوزع العائلات المقابر، كل عائلة تشغل مساحة معينة ضمن المقبرة، كما تختلف الأشكال التي يقام القبر فيها، بعضها يصب بقالب من الخرسانة ومنها يزود بشاهدتين طويلتين ومنهم من يسوّره بقفص حديدي، والبعض يجعله مع الأرض سوية و وضع حجر على الرأس.
وهذا ما جعل بعض الناس ترفع قبور ذويها بشكل مبالغ فيه، حيث تنتصب الشواهد للأعلى بشكل كبير، فترى في المقبرة الواحدة، قبر مندثر وإلى جانبه قبر من حجر رخامي فاخر.
يقول أبو أحمد من جبل الزاوية، وهو أحد أعيان البارة: «حدد الشرع شكل القبر وجاء في الحديث «خير القبور الدثر» والعادة الاجتماعية فرضت أشكالا متجددة ،ومن الطبيعي أن توجد بعض الخلافات من حالة لأخرى نظرا لخصوصية ”المذاهب” الشرعية، ولكن هذا لا يعني أن تكون القبور متفاوتة الحجم بهذا الشكل، هذا الاختلاف يولّد العداء بين الأحياء على حساب الأموات.
في سراقب تم أيجاد ضوابط لبناء القبر، بحسب ما يقول عيسى القزّاحو وهو حفّار قبور: «كان الأهالي قبل سنوات يوسّعون مساحة قبور موتاهم، ويصنعون حجرات كبيرة، وأقفاص من حديد، أما اليوم فقد ألغي هذا العمل نظراً لكثرة الموتى وصار التحجير منتظما وموحدا ولا يميز القبور الا أسماء اصحابها وهي طريقة أفضل.
ولا يخفي القزّاح أن بعض الأهالي كانوا يتذمرون من أن يدفن ابنهم بجانب قبر شاهق، لأن صناعة قبر مثله أمر مكلف جداً.
قبور طابقية لقلّة الأماكن:
اعتمد أهالي مدينة دوما في الغوطة الشرقية مؤخراً، أسلوب جديد- قديم في دفن موتاهم وشهداؤهم، وهو أسلوب المقابر العمودية المتعددة الطبقات التي كانت منتشرة في عصور قديمة، وذلك بعد أن ضاقت مقابر المدينة بموتاها.%d9%85%d9%82%d8%a7%d8%a8%d8%b1-%d8%b7%d8%a7%d8%a8%d9%82%d9%8a%d8%a9ويعتمد أسلوب المقابر الجديد على استبدال الاسمنت والحجارة بالطين والتبن، حيث يتم خلط الطين والتبن بالماء ثم توضع في قوالب، وتقوّى بوضع القصب داخلها بدلا من الحديد، قبل أن تترك مدة لتجف وتصبح على شكل حجارة تُبنى فيها المقابر.
وأضاف: لجأنا لمشروع القبور الطابقية لأسباب عدة، أهمها العدد الكبير للشهداء، والنقص في مواد البناء التي كانت تستخدم في السابق، وحاجة السكان لاستغلال الأراضي الزراعية في ظل سياسة الحصار، «نحن بحاجة كل دونم أرض للزراعة لنستفيد منه بسبب الحصار الخانق من قبل نظام الأسد.
موتى خارج حدود الوطن:
للسوريين أيضاً موتى وقبور خارج حدود بلادهم، ولكن الأمر أكثر صعوبة هناك، حيث يعتبر تأمين القبر أمر مكلف جداً.
«إكرام الميت حرقه»عبارة قالها أحد اللاجئين السوريين في لبنان، بعد عجزه في إيجاد قبرٍ يضمّ ابنه، فآثار اللجوء والحرب لم تكتفِ بالأحياء من السوريين، وإنما طالت حتى الأموات منهم.
ففي لبنان يعاني اللاجئين السوريين من عدم وجود مقابر مخصصة لدفن موتاهم، وفي حال وُجدت بعد وساطةٍ من شخصية لها مكانتها، أو في مقبرةٍ خاصة بعائلة لبنانية محددة، يبلغ ثمن القبر نحو 250 دولاراً أمريكياً، ومع تكاليف الدفن وإجراءات العزاء وما إلى ذلك ترتفع لتصبح قرابة ال 1000 دولار.maxresdefaultكما يتم في كثير من الحالات استغلال اللاجئين ويصل ثمن القبر وحده في إلى 1000 دولار.
وكان اللاجئون السوريون قد حاولوا في مناطق عدة شراء قطعة أرض لتخصيصها كمدفن، لكنهم واجهوا حالات الاستغلال مجدداً، فبلغ ثمن سعر المتر الواحد في بعض المناطق 50 دولاراً في مناطق يباع فيها بـ 10 دولار فقط.
وفي الأردنيرفض الأردنيون مشاركة السوريين في مقابرهم، وكان يقدرثمن القبرسابقا بين 300- 500 دينار أردني، أي (450-700 دولار).
أما الجرحى الذين يتم نقلهم إلى الأردن للعلاج ويتوفون في مشافي الأردن، فقد مرت طرق دفنهم بمراحل، حيث كانت بداية الأمر تترك جثة المتوفي في البرادات مدة 15 يوماً ريثما يتم التعرف عليه، وتُنشر صورته على صفحة مكتب ارتباط الجرحى الذي كان يتولى كافة الأمور المتعلقة بالجرحى ووفيات الإصابات.
وتُترك لذوي المتوفي الحرية في دفنه في مقبرة مخصصة للسوريين في مدينة الرمثا الحدودية، أو نقله ليدفن في سوريا، وفي حال لم يتم التعرف على المتوفي خلال 15 يوماً يتم دفنها أصولاً من قبل السلطات المختصة أو تسليمها لكلية الطب للاستخدام العلمي.
فيما بعد منع مكتب ارتباط الجرحى من نشر صور الوفيات على مواقع التواصل الاجتماعي، وبات المتوفي يُدفن بنفس الطريقة السابقة بعد 15 يوماً، إذا لم يتم التعرف عليه، أو يُنقل إلى سوريا.
وتم مؤخراً منع دفن الموتى السوريين في الأردن، وبات المتوفي يُنقل إلى سوريا لدفنه هناك، كما منع دخول الجرحى نهائياً.
هذا ويتم دفع المبلغ المترتب على بقاء الجثة في البرادات، والتي تبلغ 1000 دينار أردني (1430 دولار) عن اليوم الواحد، وكثيراً ما عجز ذوي المتوفي عن دفع هذه المبالغ، وغالباً يتكفّل المتبرعون بدفعها أو دفع جزء منها كمساهمة لذوي المتوفي.
وتجدر الإشارة إلى أنه في حال نقل جثة المتوفي إلى سوريا، يتوجب على ذويه استخراج موافقات وأوراق رسمية، ودفع نفقاتها ونفقات النقل، سواء في لبنان أو الأردن.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*