لحظة قصف سرقت أخواي وتركتني وحيدا مع أبنائهما

أبناء جمعة وعامر زعطوط – زيتون

زيتون – محمد أبو الجود

“كما هي عادتنا استيقظنا باكراً، نادينا بعضنا، وتناولنا وجبة الفطور سوية، شربنا أكواب الشاي، وسيجارات التبغ العربي، تبادلنا الحديث مع والدتي، وبدأت بالدعاء لنا بالتوفيق، غادرنا المنزل متوجهين إلى مكان عملنا المعتاد في إحدى طواحين البلدة، نقصد الحصول على رزقنا ورزق أطفالنا”.
“في بداية الأمر كان يبدو يوماً عادياً ككل يوم، إذ كنا نقوم بعملنا كحمالين كما في كل يوم، إلا أن شعوراً غريباً كان ينتابنا، كنا أنا وأخواي “عامر” و “جمعة”، وعلى الرغم من الغبار الذي كان يغطي أجسادنا، والتعب الذي يخيم عليها، إلا أننا كنا ننظر إلى بعضنا باستمرار، ونتبادل الابتسامات، كأننا كنا نعرف أن شيئاً ما سيحدث، وكنت كلما حملت كيساً على ظهري أنظر إليهما وتنتابني رغبة جامحة بضمهما بين ذراعي، كان هذا قبل أن تأتي مسرعةً، وتأخذهما مني بلحظة واحدة، وتسلبني السند والقوة والحب والإخوة، إلى جانب العافية”. 
“محمد الزعطوط” من أهالي مدينة كفرنبل، رغم صغر سنه إلا أن المصاب أتعبه وقصم ظهره، وبعيون دامعة، وارتجافة يد، وألم طاغٍ على الملامح، وبحّة في الصوت، تابع ابن الـ 39 عاماً لزيتون وصف ذلك اليوم الفاصل في حياته، قائلاً: “كان ذلك في الثلاثين من آب عام 2015، عندما جاءت وبدأ يعلو صوتها أكثر فأكثر، وهديرها يخترق صمتنا الممزوج بالخوف والتوسل إلى الله، ألقت حممها النارية فوق رؤوسنا، وأصبحنا تحت الركام جميعاً، والظلام يحيط بنا، لم أستطع النهوض، وكأن الفاجعة قد وقعت، ورغم جراحي ودمائي، كنت أحاول تفقد أخواي، كان تفكيري منصب بشكل كامل عليهما، وبدأت أناديهما تارةً بصوت عالٍ، وأخرى بصوت خافت وخائف، جمعة.. عامر، ولكن للأسف لم يسمعاني، فالموت كان قد سبق صوتي إليهما، ودون سابق إنذار رحل بهما بعيداً، وتركني أصارع الحياة وحدي”.
وبعد تنهيدة حزن عميقة، استطرد “الزعطوط”: “لا عتب لي عليه سوى أنه لم يأخذني معهما، لم نكن إخوة فحسب، بل كنا أصدقاء وشركاء في كل شيء، كنا نتعاون في معركة الحياة، وكانا بالنسبة لي أبناء أيضاً، فأنا أكبر سناً منهما”.
بينما وصفت الحاجة “أم أحمد” والدة الشهيدين عامر وجمعة فراقهما بخروج الروح عن الجسد، مضيفةً: “صحيح أن جسديهما قد غادرانا، ولكن رائحتهما وذكراهما مازالتا معششتان بين جدران المنزل، ابتسامتهما ووجهيهما لا يفارقا مخيلتي”، تجهش بالبكاء وتكمل حديثها: “كان لدي 5 أولاد ذكور، رحل اثنين وبقي ثلاثة، وعوضني الله عن أولادي، بأولادهم، الذين يملؤون علي حياتي، وأعاملهم كما كنت أعامل آبائهم”.
وللمؤسسات الإنسانية دور هام في زيادة معاناة الأطفال
يقول “الزعطوط”: “ذهب جمعة وعامر، وترك كل واحد منهما خلفه ثلاثة أولاد يعانون الفقر والقهر، وهو ما كسر ظهري وآلمني أكثر من الإصابات التي لحقت بي ذلك اليوم، وتسببت لي بعجز دائم عن العمل، إلى جانب متاجرة المنظمات بأمثالي، وبحثي المتواصل عن عمل لكي أؤمن لقمة العيش الكريم لأولادي وأولاد أخواي الشهيدين، والذي أواجه الرفض فيه دائماً، بحجة أني لا أملك شهادة جامعية، وحالياً أتردد بشكل متقطع للعمل كحمال رغم مرضي واختلال توازني، ولكنني سأستمر في العمل والمحاولة”.
ويضيف: “بعد استشهاد إخوتي بـ 4 أشهر، قامت مؤسسة السنكري بكفالة ولدين لجمعة وعمرهما 3 و4 سنوات، كما كفلت أولاد أخي عامر، حتى يبلغوا عمر الـ 14 عاماً، ولكن فجأة بعد 4 أشهر من الكفالة، غاب مندوبي المؤسسة ولم نعد نراهم منذ ذلك الوقت”.
ليس الوضع المادي هو ما يعذب “محمد” بل إن هناك معاناة عاطفية وإنسانية أشد، وذلك في مواجهة مطالب أبناء أخيه في رؤية أبويهم، وهو السؤال الذي ما زال “محمد” يحاول أن يقنع نفسه بالإجابة عليه.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*