لكي لا يقتل الوزير مرتين

في بداية نيسان الحالي، قالت مصادر مطلعة إن وزير التعليم في حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام “فايز الخليف” اختفى منذ أيام، بعد خروجه من منزله في حي الضبيط الواقع وسط مدينة إدلب، أثناء توجهه إلى مقر عمله.

وبينما توقف البعض عند كلمة “اختفى”، توجس آخرون من تكتم حكومة الإنقاذ حول الحادثة، فاختفاء الوزراء ليس بالأمر العادي الذي يمكن أن يمر دون ضجيج، لكن آثر المتابعون الصبر لعل الأيام تحمل أنباء مبشرة على غير المعتاد.

وكالمعتاد حمل عصر السابع من نيسان إعلان فرق الدفاع المدني العثور على جثة رجل مقتول بعيارٍ ناري في الرأس كانت مدفونةً بأرض زراعية بين قريتيّ التوامة ومعارة الأتارب بريف حلب الغربي، تبين لاحقا أنها تعود للوزير الخليف.

في 11 من نيسان أي بعد 5 أيام من العثور على الجثة، قالت وزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ أنها تمكنت من إلقاء القبض على العصابة التي ارتكبت الجريمة، بعد عثورهم على سيارة الوزير في مدينة معرة مصرين، واعتقال من كان يقودها، والعثور بداخلها على “أدلة” تشير إلى مقتل الخليف، كما تم العثور لدى المتهمين على (50) مفتاح سيارة كانوا قد سرقوها.

وقالت داخلية الإنقاذ أن السبب وراء القتل يعود إلى أن أحد الخاطفين كان جارا للخليف الذي تعرف عليه، ما أفشل عملية طلب الفدية، وتفضيل قتله من قبل العصابة، دون التمكن من التفاوض مع ذويه لإطلاق سراحه، كما يجري في أفلام السينما القديمة.

واتهم نشطاء في إدلب هيئة تحرير الشام بالوقوف خلف مقتل الوزير، واصفين عملية اعتقال العصابة بالمسرحية، مقرنين اتهامهم بتسريبات لم يتم التأكد منها، حول اعتراض الوزير على ما قدمه “الجولاني” من تنازلات وتناقضات أثناء مقابلته مع الصحفي الأمريكي، خلص منها الوزير إلى أن “طريقه مع الهيئة بات مسدودا”، كما آثار التكتم من قبل الهيئة على اختفاء الوزير عدة أيام حتى تم اكتشاف جثته الريبة لدى البعض، فضلا عن قوة قبضتها الأمنية على المنطقة التي تمت فيها عملية الاختطاف.

ويبين مقطع الفيديو الذي بثه جهاز الأمن العام التابع لهيئة تحرير الشام في 22 نيسان، والمعد بتقنية عالية تشابه تلك التي أنتجتها داعش سابقا، اعترافات مجموعة من العصابة، ومشاهد حية من عمليات مداهمة مقارهم واعتقالهم، ومصادرة كميات ليست بالقليلة من الأسلحة لديهم، من بينها قذائف صاروخية، لا تناسب عصابة لسرقة السيارات، بل تبدو أنها لمجموعة متشددة من التنظيمات المتواجدة في إدلب.

وأشار بعض النشطاء إلى مكامن ضعف في الرواية المقدمة، رغم ما بدا من تماسكها الشكلي، فعصابة لسرقة السيارات، تخلت في وقت مبكر عن سيارة الوزير، قبل قتله بحسب الاعترافات، وتمكن المخطوف من رؤية أحد الخاطفين، والتعرف عليه، ليتم قتله بشكل سريع دون محاولة الاستفادة منه أو من سيارته، إضافة إلى أن حجم الاشتباك الذي وقع أثناء مداهمة مقر العصابة يوحي أنهم مقاتلون متمرسون ليسوا مجرد لصوص، ومع وجود قذائف صاروخية لا تلزم عصابات سرقة سيارات، ما رجح أن يكونوا إحدى خلايا التنظيمات المتشددة المنافسة لتحرير الشام، وهو ما أشارت إليه بعض الحسابات على تويتر مؤكدة أن المجموعة التي تم اعتقالها وتحميلها مسؤولية مقتل الوزير هي جماعة تابعة لـ “أبو عبد الرحمن سفينة” الملاحق من قبل هيئة تحرير الشام، والذي تم تجيير الجرائم التي اعترف بها عناصره من قتل أشخاص، ليحمل دم الخليف لهم أيضا، بشكل يحقق مصالح عدة، منها التخلص من وزير ناقم، والتخلص من جماعة مناوئة، وتبرئة الجولاني، وتلميع صورة جهاز الأمن وجدارته.

إن مبرر القتل الذي قدم في الاعترافات على أنه رؤية الوزير لأحد أفراد العصابة وتعرفه عليه، واستحالة التفاوض على فدية مع أهله، لم يجدها الكثيرون مقنعة، كما أن سرعة الوصول إلى العصابة وإلقاء القبض عليها، والتصوير أثناء عمليات المداهمة والاعتقال، تشير إلى استعداد سابق للإخراج.

قد لا يكون من الحكمة اتهام جهة بارتكاب جريمة قتل نتيجة لخلافات سياسية، لا سيما إن كانت تلك المواقف داخل ذات التنظيم، لكن يحق للأهالي في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام التشكيك بتلك الرواية، فخلال السنوات الماضية، أثبتت سوابق الجولاني أنه يقول ما لا يفعل، ولديه القدرة والاستعداد لفعل أي شيء في سبيل التخلص من مناوئيه، متجاوزا كل منطق، ومغيرا الأسماء والأشكال بهدف السلطة والاستمرار بها، وتوسيع نفوذه، مهما تطلب ذلك من إراقة للدماء.

وتزامنت عملية إعلان الهيئة عن اعتقالها للقتلة مع انتشار تسجيل مصور جديد، للقيادي السابق في هيئة تحرير الشام “أبو عبد أشداء”، آثار ضجة إعلامية في الشارع، تحدث فيه عن مدى فضائح وفساد قيادة هيئة تحرير الشام وعلى رأسها الجولاني، مستعرضا كافة المجالات وطرق الهيئة في سلب الأهالي إفقارهم، وتعامل الهيئة مع كل الجهات الدولية بهدف استمرارها في السلطة في إدلب.

من غير المستبعد أن يكون الوزير الخليف المنحدر من قرية الرصافة بريف سراقب الشرقي، قد قتل على يد من آمن بهم، وعمل في حكومتهم، كل ذنبه أنه تجاوز خطا أحمر لدى الجولاني، صاحب النصرة ومفكك الجيش الحر، ومانح الأسد وروسيا أكبر الذرائع في إضعاف الثورة السورية، والمنسحب من مناطق شاسعة من ريف إدلب وحماه، ليقتل الوزير مرتين، الأولى حين خدعه بخدمته في حكومة الانقاذ، والثانية حين قدم أشخاصا ليسوا بقتلته ولو كانوا مجرمين، ليبرأ نفسه، ويقدم صورة على أنه حافظ الأمن ومحقق العدالة للقتيل.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*