نار المعيشة في دمشق وصعوبات الحياة

“أوقية لبن أو بضعة حبات زيتون أو مكدوستين، وفي أحسن الحالات كيلو بطاطا وكيلو بندورة، هو أقصى حلمنا، بعد أن كانت الخيرات تعم بلادنا، والناس تعتقد أننا نعيش في نعيم، ولكوننا هنا فهي تهمة بأننا لا نحس بغيرنا من أبناء بلدنا”.

بهذه الكلمات تروي “زهرة. ت”، المقيمة في منطقة “الزاهرة” وسط العاصمة دمشق معاناة المدنيين في تأمين قوت يومهم، في المدينة التي يقطن فيها أكثر من أربعة ملايين مدني، بينهم ألاف النازحين من محافظات سورية عديدة، لا ينعمون جميعهم بالترف الدمشقي المشاع إعلامياً، والذي تؤكده زهرة أنه محصور بـ “أبناء وأزلام النظام والمنتفعين منه” ومن تصفهم بأنهم “تجار الحروب”، مضيفة: متهمون بأننا لا نشعر بضنك العيش عليهم، كيف لا ونحن من نعيش الموت جوعاً وذلاً، لا نقوى على الكلام، كما الحركة، إذا لا مكان آخر آمن يكون الملاذ الأخير”.

تتابع زهرة: “تكلفنا وجبة الطعام الواحدة حتى إن كانت طبخة صغيرة لأولادي الأربعة 3500 ليرة سورية. زوجي استشهد في بدايات الثورة، وانتقلت من محافظتي القريبة من هنا إلى العاصمة، هناك لم يبقى لي أحد بعد أن هاجر إخوتي للأردن ومنهم من فر لأوروبا، أفكر كل يوم من أين سأتي بقوت اليوم التالي للأولاد”.

وتضيف: “نشتري هنا في الشام, الزيتون بالأوقية ونصف وربع الأوقية وكذلك اللبن والحليب، لم أكن في حياتي معتادة على لقمة عيش مريرة ومغمسة بالذل بهذه الطريقة، ونحن هنا محسوبين كما يقولون لنا على النظام، لكوننا نسكن في مناطق يسيطر عليها، لكن حالنا في الواقع لا يعلمها إلا الله”.

جنون كبير في أسعار المواد الأولية في أسواق العاصمة، حيث تصل في غالب الأحيان إلى أكثر من عشر أضعاف في ظل تحكم عدد محدد من تجار دمشق بها على مرأى ومسمع من حكومة الأسد، كما يقول “فادي. ع”، ويشير إلى أن المواد الغذائية الأساسية ليست متوفرة تماماً، كما كانت عليه الحال على الأقل قبل عام من تاريخه كالسكر والأرز والبرغل والعدس والبقوليات ومواد المؤونة، بينما أسعارها مرتفعة جداً وتبلغ أكثر من عشرة أضعاف سعرها الطبيعي حالياً.

ويشير “فادي” إلى أنه موظف بسيط في إحدى الدوائر الخدمية للنظام في العاصمة ويتلقي راتب لا يتعدى الخمسون ألف ليرة سورية، يوضح أنه لا يكفي لمصروف بضعة أيام من الشهر، ثم يستدين من باقي من يعرفهم من زملاء عمل أو أصدقاء المبلغ اللازم ليستطيع إطعام نفسه وأهله الذين يعيش بقربهم.

ويتابع: “والله لو كان هناك منفذ واحد من البلد حالياً لما بقينا ساعة هنا، نحن لا نكره وطننا ولا أرضنا ولا أهلنا وناسنا، لكننا صرنا نعيش الحياة بالدقيقة، فبين الموت والموت هناك موت، وأنت وحظكّ! فقد يكون موتك بالقنص أو الجوع أو رفض أن تكون عبداً لشخص ما، أصبح بين ليلة وضحاها متحكم بأمرك، نحن هنا لسنا في سبات ونبات كما يقولون عنا، نحن هنا في الجحيم نفسه.. لقمة عيشنا أصبحت مرّة”، ويشير فادي إلى أن علبة المناديل بلغ ثمنها 2500 ليرة فيما بلغ كيلو الغرام الواحد من لحم الخروف ما يقارب 20 ألف ليرة.

وحازت دمشق على المرتبة السابعة عالمياً، كأسوأ مدينة بجودة الحياة المعيشية لعام 2018، حسب مؤشر “ميرسر” لقياس جودة الحياة.

وفي جنوب العاصمة نفسها، تأخذ المعاناة منحاً أشد وطأة، حيث يعيش نسبة كبيرة من أهالي الجولان الوافدين بالإضافة لعدد كبير من الفلسطينيين اللاجئين والذين يتوزع معظمهم في المخيمات الفلسطينية كـ (مخيم اليرموك – حي الحجر الأسود – مخيم السيدة زينب – مخيم حجيرة – حي القدم – حي العسالي – مخيم التضامن- البويضة)، وهؤلاء جميعاً حالهم كحال باقي سكان دمشق من البسطاء وأصحاب الدخل المحدود، كما يقول أمين حمزة الناشط من هناك.

ويضيف «حمزة:» «الناس هنا تعيش على رمقها في كثير من الأحيان من الصباح حتى المساء، نحن نقول أنه لا شك بوجود اتفاق سريّ بين النظام وتجار الحرب الذين يتحكمون بقوت الأهالي من خلال سحب المواد الغذائية من السوق أو رفع أسعارها حسب حركة فتح أو إغلاق الحاجز الأمنية والعسكرية، هذا الأمر يبدو واضحاً بالنسبة لمن يعايش الوضع عن قرب. هم يسلبون الناس لقمة عيشهم ولا يأبهون لا للنظام ولا لغيره ويقولون لمن يحاول الاعتراض على الأسعار اذهب واشكينا لمن تشاء..!».

تفاقم الوضع المعيشي السيء دفع ببعض الفنانين المحسوبين على النظام للخروج بتصريحات غير مألوفة كان أخرهم وائل رمضان والذي اعتبر بمنشور له أن من بقي في سوريا من الحمير، بعد أن كان يعتبر من يخرج من سورية من الحمير.

على الضفة الأخرى لا تبدو الحياة أقل سهولة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في الشمال السوري، حيث تنتشر البطالة وتعم وتأن الحياة تحت وطأة النزوح الذي استنزف أرزاق الناس وممتلكاتهم لا سيما في العام الماضي.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*