نصائح فلسطيني: أخي اللبناني.. وقد دخلتَ عصر “الكرتونة”

أحمد الحاج علي – المدن

خِبرتي كفلسطيني في تلقي المساعدات الغذائية، أو الكرتونة، طويلة جداً، تمتدّ إلى نحو 73 عاماً، منذ ساق جدي عائلته للتسجيل في خيمة اتحاد جمعيات الصليب الأحمر. لذا، فمن واجبي استعراضها أمام أخي اللبناني، وقد دخل عصر الكرتونة.

هذه الطريق لا تبدو نهايتها قريبة. لذا، عليك إسقاط كل حديث عن ذل الوقوف في صف الانتظار للحصول على كرتونة. هي تستحق فعلاً. سيُريحك البحث عنها، والسير لاقتناصها، من خيبات القضايا الكبرى التي عشت تتجرعها الواحدة تلو الأخرى. لأول مرة هدفك يكون واضحاً وليس صعب المنال.

كما أن الكرتونة ليست قضية تفصيلية، هي أعظم من الحرية التي اعتبرتَها يوماً علّة وجود وطنك، وتمايزه عن الشرق. لو كنتَ في سجنك، سألتَ الحرية، فإن مُنعت الطعام، طالبت به، إذاً الطعام قبل الحرية. حتى رئيس الاتحاد اليمني أحمد النعمان، عندما منعه عبد الناصر التبول في السجن إلا مرة كل 24 ساعة، قال “كنا نطالب بحرية القول فأصبح لا مطلب لنا سوى حرية البول”. هذا البول، فما بالك بالكرتونة! عش تفاصيلها تدرك عظمة ما تسعى إليه.

أخي اللبناني، لتنعم بهذه الكرتونة، يجب أن تكف عن التساؤل، فهو منهل المعرفة، والأخيرة كاشفة الضعف. والجمع بين المعرفة والضعف قاتل. فاختر أحدهما. الضعف مع الجهل قوة، فللجهل قدرة على التأويل تفوق قدرة المعرفة التي يراودها وسواس التجرّد.

أخي اللبناني، وأنا أنقل لك بعض خبرتي كفلسطيني، لا يفوتني وصف الزعيم المنعم بتلك الكرتونة. سيلاطفك بحسن الكلام، لكن تُذكّرك كل نظرة من نظراته أن اليد العليا خير من اليد السفلى. لا بأس، عِش كل قواعد الرضوخ الطوعي. اقنع نفسك أنك غبي بالفطرة، ساذج بالسليقة، قد اقترفت ذنباً ربما لا تعرفه، لكن كان كبيراً لدرجة أنك استحقيت بسببه هذا المآل. وهو بذكائه وإحسانه آل إلى ذلك المقام.

حاول أن تحبّه، وإلا فضحتك العينان، وحينها ستهوى الكرتونة كحلم انسل من بين يديك. انقل الكراهية إلى شخص آخر، احمل العار إلى أهل بيتك أو أطفالك أو من هم أدنى منك قوة وسلطة.. أو إلى هذا الذي يزاحمك في الصف لينال الكرتونة. حين تخشى سيلان بعض دمه، تذكر أطفالك، وأنه يحاول سرقة انتصارك الوحيد في الحياة. تذكر أنك خرجت إلى هذه الدنيا وأنت تحمل بعض دم أُمّك. أتسفك دم أُمّك ثم ترتجف يدك إن لامست بعض دم أخيك؟ أنت تتبع سنّة جدّ البشرية الأول. والطعام أغلى من الدم، أليس هو أصله وحقيقته؟

أخي اللبناني، لا تستمع إلى تلك القلة التي ستبقى تجاهر بمصطلحات التنمية المستدامة وجودة التعليم والحقوق والواجبات، لأنها تقول الحقيقة، والحقيقة مع العجز قهر. والوهم دواء الضعفاء، وأنت وأنا منهم. الوهم يشفيك من أوجاعك العاطفية. كم توهّمتَ حبيبةً جاءتك معتذرة فرضيت من الحب وهماً. وكم بالوهم حررت وطناً، وأقمت عدلاً، فلولا الوهم لقتلك وجعك. الوهم أبو الفنون، فلولاه ما كان المسرح والرواية وغيرها، هناك من أسقط وهمه في شيء فكان الفن. لولا الوهم لما شرب الطفل الدواء المرّ. الوهم هو دواؤك أخي اللبناني. تمتّع بالوهم وأنت تسعى في أثر الكرتونة.

أخي اللبناني.. أحبّْ تلك الكرتونة، اجعلها قضيتك لتعوّض بها عن كل قضاياك الفاشلة. عش تفاصيلها، حاول أن تشبه ما فيها من معلّبات، لتريحك من عبء الروابط الإنسانية، التي طالما آلمتك وأنت تنظر إلى فقير جائع، أو مريض عاجز. حوّل كل طاقتك إلى الكرتونة. قل المديح فيها، نعم المديح. فكما أحزابنا الفلسطينية تتفاخر بينها بالكراتين، أدخلها أنت معارك الطوائف “كرتونتنا أكبر من كرتونتكن”، وأظن أن ما بدأ يسري حتى الآن مبشّر تمام البشرى.

أخي اللبناني، ربما تصحو يوماً وتحاول الثورة، لكنها ستكون فقاعة تمرّد، فالخيول التي أخصتها الكرتونة لن تحسن الصهيل، فتمرّد على الكرتونة اليوم، أو اتبع ما ورد في أعلى المقال، لتلاقي مصير الخيول أدناه.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*