آراء حول تفضيل الشباب للعسكرة على العمل السياسي

في منتصف آذار عام 2011، اندلعت الثورة السورية بأغصان الزيتون والمظاهرات السلمية، والتي كانت على مستوى عالٍ من التنسيق والتنظيم في كافة أنحاء سوريا، لتتحول بعد عدة أشهر إلى ثورة مسلحة، فحمل عدد كبير من الشبان السوريين السلاح للدفاع عن مناطقهم وأهلهم في وجه قوات النظام، على الرغم من إيمانهم بسلمية الثورة، إلا أن الواقع فرض عليهم حماية مدنهم وبلداتهم.
وبدأت أعداد الشبان الحاملين للسلاح تتزايد شيئاً فشيئاً مع ارتفاع مستوى العنف من قبل قوات النظام، لتتقلص المظاهرات ويتراجع العمل السياسي مقابل العمل العسكري.

الأسباب
وعن أسباب انكفاء الشباب وقلة المشاركة بأي عمل سياسي، تحدث عضو مكتب إدلب في حركة نداء سوريا “عبد الناصر بحرو” لزيتون قائلاً: “لهذه الظاهرة عدة أسباب منها التصحر السياسي الذي كان سائداً أيام النظام، وتأثيره الضئيل على الثقافة السياسية، أما بالنسبة للمرحلة الراهنة، فيعود إلى كثرة الخيبات والصدمات من الكتل السياسية، التي لم تستطع حتى الآن رغم تعددها أن تلبي ولو جزءاً بسيطاً من أحلام وطموح الشباب، الذي طالما كان يتوق للحرية”.
وأضاف “بحرو”: “عدم فاعلية أي نشاط سياسي على الأرض، أدى إلى ضعف إقبال الشباب وانكفائهم عن المشاركة بأي عمل سياسي، إضافة إلى الأوضاع الراهنة واستمرار المعارك والقصف وعدم توفر الأمان، الذي جعل الجميع يبتعد عن العمل السياسي، لعدم توفر الظروف المناسبة له”.
وقال رئيس دائرة أريحا في الهيئة السياسية في محافظة إدلب “عبد العزيز عجينة” لزيتون: “ظن الكثير من الشباب أن الكلمة الفصل للعسكرة، وأنه لا جدوى من العمل السياسي، فالكثير منهم لا يدركون أهمية الدور السياسي في نضال الشعوب بالقدر الكافي الذي يجعلهم ينخرطون ويتفاعلون بشكل أكبر وأكثر جدية مع التجمعات السياسية”.

بينما رأى رئيس التجمع الثوري بمدينة إدلب سابقاً وعضو تجمع أبناء إدلب حالياً “ياسر الياسين” أن سبب تفضيل الشباب للعمل العسكري على العمل السياسي هو حرمان أغلب الشباب وانقطاعهم عن التعليم في الجيل الذي نشأ مع سنوات الثورة، ما جعلهم بدون تعليم أو عمل، الأمر الذي دفعهم للانخراط في العمل العسكري والمسلح، إضافة لراتب المقاتل ولو كان بسيطاً ولكن الشباب يعتبرونه دخلاً ثابتاً.

ومن جانبه رأى عضو مجلس الإدارة في البيت الإدلبي سابقاً وعضو تحالف قوى الثورة في إدلب حالياً “عبد الرحمن نجار” أن السبب في تفضيل الشباب العمل العسكري على السياسي هو إبعادهم عن العمل السياسي، وسطوة مفهوم النخبة في التجمعات السياسية، مضيفاً: “عندما لا يستطيع الشاب إيجاد الفرصة لتحقيق أهدافه من خلال المشاركة في العمل السياسي سيلتفت بلا شك إلى العمل العسكري الذي يعد اليوم أقوى على الأرض، ويأمل الشباب أن يحققوا أهدافهم من خلاله”.

بينما قال رئيس حركة نداء سورية “سامي الخليل” إن الحالة في الداخل أفرزت بعض الشباب الذين لا يملكون التجربة السياسية ولا الفكر و العمق السياسي، وأن ضعف التجمعات السياسية في الداخل وعدم امتلاكها لحرية الكلمة، أثر على العمل السياسي إلى حد جعله شبه معدوم.

تأثير العسكرة على التجمعات السياسية والحلول الممكنة
رئيس تجمع واتحادات النقابات المهنية في إدلب “عبد الوهاب الضعيف” قال لزيتون: “العسكرة والفصائلية هي السبب وراء الشرذمة والتأخير في العمل السياسي، فتدخل الفصائل في الحياة السياسية يؤدي إلى تأخير الوصول إلى تجمعات سياسية متقدمة، كما أن المردود المادي البسيط الذي يقدمه العمل العسكري كان في وقت متأخر أحد أسباب التحاق الشباب بالعمل العسكري وابتعادهم عن النشاط السياسي، وذلك لأنه يساعد الشبان على معاشهم بعكس العمل السياسي الذي يحتاج إلى العمل التطوعي، وهو ما يتناقض مع حالة البطالة والفقر التي يعيشها مجتمعنا وشبابنا حالياً”.
وعن تأثير العسكرة على علاقة التجمعات السياسية بالشباب خاصة قال عضو المكتب التنفيذي في هيئة الحراك الثوري “داوود سليمان” لزيتون: “العلاقة بين التجمعات السياسية والمجتمع تكاد تكون متباعدة، ولا سيما بعد ظاهرة سيطرة العسكرة، فالمجتمع أصابه الملل ولم يعد يقتنع بالحراك المدني، كونه لم يثمر في فترة انتشار العسكرة، فتأثر الشباب بشكل خاص بالفصائل والعمل العسكري، وأصابهم الإحباط تجاه العمل المدني في ظل سيطرة البندقية، لكن كحاضنة شعبية للحراك الثوري البذرة موجودة والإمكانيات موجودة، إلا أنها تحتاج إلى إعادة تفعيل وتواصل وتوعية لإبعاد الناس عن فكر المشاريع القادمة من خارج الحدود والبعيدة عن الفكر الوطني والثوري”.

واعتبر الناشط “عبد الرزاق الصبيح” أن الفصائل العسكرية تعمدت إقصاء التجمعات السياسية وإنهاء تواجدها، لأنه يضر بمصالحها، ولم تترك هذه الفصائل مجالاً لهذه التجمعات السياسية ولا حتى لنشاطها، مما أثر عليها بشكل كبير، حيث كانت الفصائل تقتسم المناطق، كما أن التجاذبات والاقتتالات الأخيرة أثرت سلباً على التجمعات السياسية.

وأكد رئيس مجلس الشورى في خان شيخون “طلال النجم” لزيتون أن الفصائل العسكرية لم يكن لها أي دور مشجع للعمل السياسي، بل على العكس فإن ضعف بصيرة القادة العسكريين وحبهم للسلطة، حجب عنهم الحكمة السياسية، وأكبر دليل على ذلك صراع الفصائل فيما بينها، بالإضافة إلى أن ضعف الإدراك وحب السيطرة والتحكم بالقرار أدى إلى شرخ أيضاً بينها وبين الحاضنة الشعبية، وليس فقط بينها وبين التجمعات السياسية.
كذلك رأى رئيس مجلس الأعيان في مدينة سراقب “أحمد العبود” أن الفصائلية والعسكرة كان لها العامل الأول في إفشال العمل السياسي وإفشال الثورة حتى، وذلك لعدم وجود نهج واضح، والعشوائية المطلقة في كافة الأمور.
وقال عضو مجلس إدارة ورئيس مكتب العلاقات العامة والارتباط في تجمع أبناء إدلب سابقاً وعضو تحالف قوى الثورة في إدلب حالياً “صلاح غفير” لزيتون: “كانت وما زالت الكلمة للفصائل، ونحن اليوم مفروض علينا واقع عسكري فصائلي لا يمكن إنكاره، ولكن علينا كتجمعات سياسية أن يكون لنا مشروعنا الخاص بنا، وأن نخرج من هذا الواقع بجسم مدني بعيد عن الفصائلية والعسكرة، وعلينا أن نخطو بسرعة، لأن التطورات المحيطة بنا في تسارع، والأطراف الدولية لا تنتظرنا”.
في حين أبدى المنسق العام في الداخل للملتقى الوطني السوري والناشط السياسي “ناصر الأعرج” تفاؤله بشباب سوريا، مؤكداً أن على التجمعات في الداخل إتاحة الفرص المناسبة للشباب والمرأة لدفعهم باتجاه العمل السياسي والمدني بشكل عام.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*