الألعاب الإلكترونية.. أضرارها وفوائدها وطرق تخفيف تأثيرها على الأطفال

زيتون – وعد البلخي

“لا ينام إلا والهاتف بيده” هي حال الكثير من الأطفال، وليس حال الطفل مهيار فقط، فإدمان الإنترنت لم يقتصر على البالغين، بل شمل الأطفال وكافة الفئات العمرية، ولكن خطره أشد ما يكون على الأطفال الصغار دون سن التاسعة.

وتنقسم أضرار الألعاب الإلكترونية إلى ثلاث أضرار رئيسية بحسب اختصاصيين اجتماعيين، وهي:

الأضرار الاجتماعية: وهي ما تخلفه الألعاب الإلكترونية من عجز الطفل المدمن على الألعاب من إنشاء علاقات اجتماعية سليمة مع أقرانه وأهله، كما يجد نفسه غير قادراً على التفاعل الاجتماعي في محيطه، وذلك نتيجة لاستغراقه في اللعب، الذي يدفعه إلى التوتر والعنف أحيانا وبالتالي ما يسببه هذا التراجع الاجتماعي من خجل يصيب الطفل أمام الناس.

ويشكو معظم الأهالي من امتناع أطفالهم المدمنين على الألعاب من الرد على طلباتهم، وعنادهم في الانزواء واللعب، وتراجع مستويات ذكائهم الاجتماعي في التعامل مع الغير.

هذا الانفصال عن الواقع يتسبب للطفل باكتسابه ثقافة مغايرة لمجتمعه، ويرتبط بقيم مختلفة عنه، ما يوقعهم في الكثير من المشاكل والتوبيخ، كما تقتل فيهم الإيثار والتفكير بالآخرين والاكتراث بمشاعرهم وتقدير حاجاتهم.

الأضرار الجسدية: تتسبب الجلسات الطويلة في نمو العظام لدى الأطفال بشكل غير سليم، مع تراجع في نمو عضلاتهم في أشد الأوقات حاجة للحركة، وتشوهات في العمود الفقري، فضلاً عن أضرار النظر جراء التعرض لأشعة الأجهزة الإلكترونية لفترات طويلة، مما قد يضعف نظرهم ويتسبب بالتهابات العين.

تراجع في النشاط الحركي وأداء الواجبات: نتيجة لرغبته في اللعب الدائم يقوم الطفل بتأجيل كل واجباته المدرسية والمنزلية إلى وقت متأخر، ويسبب السهر المتأخر للطفل تراخ في مشاركته أثناء المدرسة في اليوم التالي، أو النوم أثناء الدرس، ويمكن أن يتسبب له هذا التأجيل بتراجع دراسته ومكانته الأسرية وإعطائه صورة نمطية للطفل الكسول.

من الناحية النفسية وهي الأهم، يتعلم الطفل في الكثير من الألعاب القسوة والعنف، ويجنح إلى السادية وحب القتل والتصلب، كما تزرع فيه حب الذات والأنانية والاستئثار، دون مراعاة حقوق الآخرين وهو ما يظهر في النزاع على أدوار اللعب بين الأخوة والأصدقاء، بعكس الألعاب التقليدية القديمة التي صممت لمشاركة الآخرين في الألعاب.

الانطواء والكآبة والوحدة من أهم أعراض المدمنين على الألعاب الإلكترونية، إذ يتسبب الجلوس لفترات طويلة على الألعاب بعيدا عن الأهل والواقع إلى الشعور بالعزلة والوحدة، يمكن أن تصل بهم إلى حالات متطورة من الكآبة الخطرة.

“فاطمة عتيق” عاملة في مجال الدعم النفسي في منظمة شفق الإنسانية قالت لزيتون: “للألعاب الإلكترونية تأثيرات سلبية على الطفل جسدياً ونفسياً، فهي تسبب إجهاداً للعين، مما يؤدي لحدوث أمراض في العين مع مرور الزمن، كما تسبب شداً عصبياً للطفل وردَّات فعل غير طبيعية، وفرط حركة عند الطفل، وتدفعه في بعض الأحيان لارتكاب الجرائم أو التخطيط لها، وتحرض على العنف، وتنمي النزعة العدوانية لديه، وتزرع فيه حب الذات والأنانية، وقد تسبب قلقاً للطفل وقلة نوم ورؤية كوابيس مزعجة خلال الليل، ومن الممكن أن تؤدي لإصابة الطفل المدمن عليها بمرض التوحد”.

وأضافت عتيق: 

“ومن أبرز التأثيرات السلبية للألعاب الإلكترونية العزلة الاجتماعية، فهي تقتل الذكاء الاجتماعي عند الطفل، كما تقتل الذكاء اللغوي لديه، وتتسبّب بنزيف في الدماغ لشدة التركيز، وتراجع في النطق، بالإضافة لاستهلاك خلايا من الدماغ قبل أوانها، مما يؤدي لفقدان الطفل بعض المهارات عندما يكبر، فضلاً عما من الممكن أن تسببه للطفل من ضعف في تحصيله العلمي، نتيجة الانشغال الدائم بالتفكير بها”.

فوائد الألعاب الإلكترونية

وعلى الرغم من أضرارها الكبيرة، إلا أن الألعاب الإلكترونية لا تخلو من فوائد وإيجابيات، ولكن شريطة اتباع طرق صحيحة في التعامل مع هذه الألعاب، واختيار الأنواع المناسبة منها، فهناك ألعاب تساهم في تنمية مهارات الطفل وتطويرها، وترفع مستوى الذكاء والثقافة لديه، كما تساعده في زيادة تحصيله العلمي، وتعوّده على التحلّي بالصبر، ومحاولة البحث عن الحلول لمشكلاته دائماً، دون أن ييأس أو يستسلم إلى أن يجدها، ما يجد الأهالي الكثير من الصعوبات لتعليمها لأطفالهم، لا سيما أنها من أهم الأمور التي يجب أن يتعلمها ويمارسها الصغار والكبار في حياتهم العملية.

كما تكوّن بعض الألعاب الإلكترونية لدى الأطفال روح التحدي والإرادة والتصميم على النجاح، وخوض المنافسات، وفي بعض الأحيان تساعد هذه الألعاب الأطفال على التحلي بالروح الرياضية، ولكن مع الإصرار على تكثيف محاولاته للوصول إلى أفضل النتائج.

بالإضافة إلى خلق نوع من التوقع واستباق الأحداث، واتخاذ احتياطاته وإجراءاته اللازمة، ومحاولة أساليب الهجوم والدفاع، والاستعداد لكافة الاحتمالات، والتعامل معها على هذا الأساس، مما يجعل من الأطفال أكثر جاهزية وقدرة على مواجهة المواقف المختلفة.

وقالت العاملة في مجال الدعم النفسي: “نوعية الألعاب الإلكترونية وطريقة استخدامها تلعب دوراً كبيراً في طريقة تأثيرها على الأطفال سلباً أو إيجاباً، فإن تم اختيار الألعاب المناسبة، وتمت ممارستها بالشكل الصحيح، من الممكن أن تنمي مهارات الطفل الإدراكية، وتحسن مستوى فهمه للأمور، وتمنحه القدرة على اتخاذ القرارات، بالإضافة لمنحه المفردات والتعابير والتي قد تكون بلغة الطفل الأصلية، أو تساعده في تعلم لغات أجنبية أخرى”.

من جانبها “فيحاء سماق” من ريف إدلب تحدثت لزيتون عن حالة طفلها مهيار الذي لم يتجاوز الثلاث سنوات ونصف، مؤكدةً أنها لم تلحظ أية جوانب إيجابية في تعلق طفلها بألعاب الهاتف المحمول، سوى القليل من المفردات التي يفاجئها بها باللغة الإنكليزية، وإصراره على تسمية الحيوانات والكثير من الأشياء التي ترد في ألعابه باللغة الإنكليزية، ورغم إيجابية اكتساب طفلها لهذه اللغة إلا أنها تعاني في الكثير من الأحيان من فهمه بما يقصده.

وأضافت “سماق”: “هذا بالنسبة لليوتيوب والمقاطع المصورة والأغاني، أما فيما يتعلق بالألعاب التي تعلم طفلها على تحميلها بنفسه، فقد أصبح متوتراً بشكل دائم وعصبي المزاج، مع إلحاح وعناد على عدم التخلي عن الهاتف، عدا عن تأثيرها على عينيه، فهو لا ينام إلا والهاتف بين يديه، وبعد احمرار عينيه”.

وتشير “سماق” إلى أنها لجأت إلى الخروج للاجتماع مع عائلات أخرى في مكان سكنها، في سبيل أن يلعب طفلها مع أقران له، وينشغل عن الهاتف لفترة من الزمن، وهو ما يعيد إليه صحته النفسية، ويخلصه من جو الألعاب الإلكترونية، التي بدأت تشعر بالخوف منها على صحته الجسدية والنفسية.

نصائح وأساليب لتخفيف أضرار الألعاب الإلكترونية

يقسم الاختصاصيون الألعاب الإلكترونية إلى ثلاثة أقسام وهي:

الألعاب الذكاء والمهارة: وهي الألعاب التي تتطلب الكثير من التفكير وإعمال العقل واختيار الطرق الصحيحة للفوز والتخطيط، ولعبة الشطرنج هي من أفضل أمثلتها، والألعاب التعليمية التي تهدف لمنح الأطفال المعلومات بطريقة ممتعة ممزوجة مع الألعاب والتسلية، ولا سيما تلك التي تعلم التهجئة والحروف والمعلومات التاريخية والجغرافية واكتساب اللغات، هذان القسمان من أفضل الألعاب التي ينصح بها للأطفال، وفيهما تجتمع فوائد الألعاب الإلكترونية بشكل كبير، فيما يبقى الجدل حول القسم الثالث للألعاب وهي ألعاب التسلية والإثارة، ذات القدرة الكبيرة على قتل الوقت وتتمتع هذه الألعاب بالجاذبية الشديدة، وقد تحتوي على مشاركة لاعبين آخرين، وفيها كم كبير من القسوة والعنف، وفيها تختزل أغلب مخاطر الألعاب على الأطفال، ومن أشد الألعاب خطورة على الأطفال لعبة “الحوت الأزرق”، والتي تسببت مؤخراً بانتحار عدد لا بأس به من الأطفال، تليها لعبة “البوكيمون”، والتي كانت السبب بالكثير من الحوادث نتيجةً انسياق اللاعب خلف البوكيمون دون أي انتباه لما حوله.

ونصحت العاملة في مجال الدعم النفسي للأطفال بمنظمة شفق الأهل بتشجيع أطفالهم على ممارسة الرياضة، واللعب مع الأقران في المساحات المفتوحة، بناء علاقات صداقة صحيحة، وغرس حب القراءة والرسم وكتابة القصص، وتحديد وقت معين لممارسه هذه الألعاب، مع الحرص على ألا يكون لفترات طويلة، وأن يمارس أطفالهم هذه الألعاب مع أصدقائهم كي لا ينعزلوا عنهم، بالإضافة لمراقبة الألعاب والمقاطع التي يختارها أطفالهم، وذلك لتخفيف الأضرار الناتجة عن الألعاب الإلكترونية على أطفالهم.

كما ينصح الكثير من المختصين بتوفير الكتب والمجلات الورقية المناسبة للأطفال، لإيجاد البديل أمامهم، وتعويدهم على سرد القصص المسلية لهم قبيل النوم قدر الامكان، وعدم السماح لهم بمرافقة الهواتف إلى غرف نومهم أو وضع التلفزيون فيها، كما ينصح باختيار الألعاب المفيدة بمشاركة الأهل، وعدم ترك الخيار للأطفال، ويمكن اختيار الألعاب بحسب ميول الطفل وهواياته، ومشاركة الأهل لهم في نشاطات جماعية كالرسم والتلوين، وكل ما يتضمن المشاركة المرح.

ويرى الطبيب حكيم رمضان أن من الضروري والمهم حركة الطفل الجسدية ولا سيما في المساحات الواسعة مع أقرانهم لضرورة اكتمال بنيتهم الجسدية واكتساب المهارات اللازمة لهم.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*