البازارات: فوائد للجميع في يوم واحد

زيتون – تيسير محمد
يعمل “خير الدين علي” المهجر من حي الميدان الدمشقي كبائع يلاحق أسواق “البازار” التي تعقد في أرياف محافظة إدلب، بغية كسب رزقه وقوت عياله، متنقلا بقلق خشية عدم وجود مكان مناسب لبسطته بحكم التزاحم الذي تشهده تلك الأسواق.
يتوجب على “علي” أن يستيقظ في الخامسة ليسارع إلى حجز مكانه في موقع متقدم من البازار، وما أن يصل حتى يقوم بتجهيزه وترتيب بضاعته وعرضها بأفضل طريقة ممكنة لجذب الزبائن، فلا أماكن محجوزة مسبقا للباعة بل يقوم كل منهم بوضع بسطته في المكان الشاغر والمناسب له بحسب وصوله، وهو ما يجبر بعض المتأخرين على الإنزواء في أماكن قد لا يصلها المتسوقون وبالتالي فإن فرص عودته سعيدا إلى بيته في نهاية اليوم تقل كثيراً.
يختص علي في بيع المستعمل من ألبسة وأحذية، ويمثل الحلقة الأهم في دورة التجارة رغم أنها ذات المردود الأقل والجهد الأكبر، إذ يقوم بشراء البالة من التاجر المستورد بسعر الجملة وبيعها بسعر التجزئة ويعيش من فارق السعرين.
وقد اختار علي بيع “البالة” في البازارات لأنها لا تحتاج إلى مبلغ كبير لمباشرة عمله إذ تكفي /200/ دولار أمريكي لتوفر كم من البضاعة يسمح له بالعمل، كما أن وقت العمل في الأسواق المتنقلة قصير نسبيا وتنتهي حركتها بعد الظهر وكحد أقصى في الشتاء إلى وقت العصر، كما أن لها مردود مادي جيد يمكنه من تأمين متطلبات العيش، إضافة أن الطلب عليها مستمر بسبب أسعارها المناسبة للجميع.
والبازارات أسواق عامة تعقد في أيام محددة من الأسبوع يؤمها الباعة والمتسوقون من الريف المحيط بالمدن الرئيسية بهدف التسوق والبيع والتبادل التجاري، وتعتبر فرصة للتجمع واللقاء، وعلي كغيره يختار المدن القريبة من مكان إقامته في مدينة بنش، ويتنقل ما بين بازار أريحا يوم السبت والدانا يوم الأثنين، فيما يكون الثلاثاء لمدينة بنش ذاتها ويوم الأربعاء لمدينة إدلب والخميس في تفتناز.
تنتشر أسواق البازار في معظم بلدان العالم وهي عادة قديمة من العصر البيزنطي، واصل التسمية فارسية وتعني “المحل أو السوق أو الشارع الذي تكون فيه متاجرة دائمة وتبادل للبضائع والخدمات” ومازالت ذات التسمية حتى اللحظة في تركيا.
يظل البازار محط اهتمام معظم الأهالي وخاصة الشريحة الأضعف لما فيه من بضائع عديدة ومتنوعة وبأسعار زهيدة تتناسب مع الحالة المادية لهم.
“أحمد علي” من مدينة إدلب يعمل أجيراً لدى حلاق قال لزيتون، كلنا يعلم أن عطلة الحلاقين يوم الإثنين، ولكن عند “معلمي” الوضع مختلف فهو يغلق المحل يوم الأربعاء ليتمكن من الذهاب إلى سوق البازار في المدينة الذي يتوجه إليه في الصباح الباكر ليشتري كل ما يحتاجه طيلة الأسبوع حتى أنه يعود بعد الظهر منهكاً.
وتعتبر المساومة والمجادلة في السعر شيئا مألوفا ولا يثير حفيظة الباعة، ففيها يجد كلا من البائع والمشتري المتعة في التواصل والنقاش وعرض محاسن البضائع من قبل البائع ومساوئها من قبل المشتري حتى يتم الاتفاق على حل وسط يرضي الطرفين.
تأتي أهمية الأسواق الشعبية في وقتنا الحاضر بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية وتهاوي الليرة السورية وانخفاض سعر صرفها مقابل الدولار وانتشار البطالة وقلة المشاريع التنموية، وهذه الأسواق في حالة تطور مستمر تتمثل في ازدياد وتنوع الأصناف المعروضة فيها، ولم تتوقف أو تندثر رغم استهداف نظام الأسد للأسواق والتجمعات في الأوقات السابقة.
كما تتواجد مثل هذه الأسواق في مناطق سيطرة نظام الأسد ولكن أقل عدداً وحيوية منها في الشمال السوري، بسبب كثرة القيود عليها وأماكن تواجدها والأصناف التي تباع فيها.
وبعد فترة الهدوء التي عاشها الشمال السوري مؤخراً تعد هذه الأسواق مقصداً حيوياً لكل الأهالي محدودي الدخل أو الأغنياء على حد سواء إضافة إلى للباحثين عن عمل أو اقتصاد في النفقات، كما تعتبر مصدرا مهما لأصحاب المحال التجارية الذين يتزودون من بضائعها الرخيصة، ولا تخلوا هذه الأسواق من ضعاف النفوس الذين يحاولون زج بضائعهم الفاسدة في زحمتها، ولكن خبرة من يرتادون هذه الأسواق غالباً ما تكون كافية لتميز الخبيث من الطيب.
تبقى البازرات حاجة ملحة للناس لا تقتصر على الجانب المادي فقط بل إلى الشعور بذاك الزخم البشري القادم من مناطق شتى تذكر بأسواق العرب القديمة كسوق عكاظ وغيره.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*