التعفيش في عفرين.. مشاهد يندى لها جبين الثورة

خاص زيتون

تسربت منذ عدة أيام صور من مدينة عفرين السورية، بعد سيطرة الجيش التركي والجيش السوري الحر عليها في 18 من الشهر الجاري، وتظهر الصور بعضاً من عناصر الجيش الحر يقومون بنهب وسرقة أغراض تعود لأهالي مدينة عفرين.

وقوبلت تلك الصور باستياء كبير من الأهالي والنشطاء الذين عبروا عن غضبهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما طالب البعض بوضع حد لمثل هذه التصرفات ومحاسبة الفاعلين بأقصى سرعة.

ويأتي هذا الاستياء الكبير من قبل جمهور الثورة حرصاً على الحامل الأخلاقي لها، بعد ما تعرض له من انكسارات ساهمت فيها أخطاء الفصائل والفوضى المرافقة للاقتتال والاعتداءات فيما بينهم، لذا كان من غير المقبول للسوريين الذين ثاروا على نظام الأسد بوصفه ظالما، بظلم فصائلهم ولا سيما الجيش الحر، الذي بقي أمل السوريين الأخير، بعد ما انكشفت مشاريع الفصائل الإسلامية المستقلة عن أهداف الثورة السورية.

ورغم الجدل الذي دار حول شرعية مشاركة الجيش السوري الحر في معركة غصن الزيتون، إلا أن مشاركته بقيت دون إفصاح عن الموافقة النهائية، مع ميل عام لدى السوريين إيجاباً للمشاركة، طمعاً في دخول الجيش التركي إلى مناطق الشمال السوري على أمل إيقاف تقدم قوات النظام التي وصلت إلى مناطق لم يكن متوقعا وصولها إليها ولا سيما غرب سكة الحديد في أبو الظهور.

بالمقابل كشف اتفاق استانة عن حجم خروج القرار من يد السوريين وارتهان القرار للدول الثلاث الضامنة، والتي تشكل تركيا الضامن عن مناطق الشمال المحرر بما فيها من الفصائل، هذا الارتهان وما تزامن معه من تقدم لقوات النظام، والهزائم القاسية والمصيرية في الغوطة الشرقية، دفع بالأهالي لإعادة النظر بمعنى مشاركة الجيش الحر في معارك هامشية لا تعني السوريين كثيراً إن لم يكونوا معارضين لها، كل ذلك انعكس بمشاعر متضاربة حول مشاركة الحر في عفرين وما نتج عنه من ممارسات يندى لها جبين الثورة، في مشهد لا يمكن معه إلا استحضار مناظر التعفيش من عناصر الجيش السوري أثناء سيطرتهم على المدن، وهي المقارنة التي تجلت بمقت واضح وكبير من قبل الجميع.

سرقة الآليات والمعدات من قبل عناصر الفصائل المشاركة بذلك الشكل الوضيع، أثر على عدالة قضيتهم كثوار، كما أثر على صورة الثورة والجيش الحر، وبالتالي أعطى مشروعية للطرف الآخر المعارض للمعركة وللمشاركة فيها، وما سيتبعه من عواقب تاريخية ليس من السهل تجاوزها مستقبلاً.

“حيدر ملاك” أحد أبناء مدينة إدلب قال لزيتون: “كان من الأولى لعناصر الجيش الحر أن يذهبوا لنصرة أهلهم المحاصرين في الغوطة الشرقية، بدل أن يذهبوا للقتال في عفرين ويعفشوا بها، فللمعارك أولويات والجميع أصبح يعرف اليوم أن الأولوية لنصرة الغوطة”.

فيما شكك “معن ميسرة” من أبناء إدلب بانتماء المقاتلين الذين ظهروا في الصور للثورة أو بحقيقتهم كمقاتلين، مشيرا إلى تمهيد الطيران أمامهم، واصفاً المعركة بالخدعة التي لا أساس لها ولا شرعية، مؤكداً على لصوصيتهم وشبههم بعناصر بشار الأسد، محذراً من انتشار ظاهرة التعفيش في أوساط الجيش الحر إن لم يتم وضع حد لها بحسب تعبيره.

من جهة أخرى ردت بعض الألوية والفصائل والقيادات في الجيش السوري الحر ببيانات نصت على قرار يقضي بمنع دخول أياً من عناصرها إلى مدينة عفرين إلا بعد إذن ومهمة رسمية، كفيلق الشام قطاع ريف حلب الشمالي ولواء السلطان سليمان شاه، كما قام بعضهم بفصل العناصر الذين تورطوا بالسرقة كالفيلق الثالث الفرقة الثانية.

إلى ذلك بث عناصر يتبعون للجيش الحر في الفيلق الثالث مقطعاً مصوراً، يظهر فيه القبض على مجموعة مكونة من عدد من الأشخاص وبحوزتهم سيارة تحتوي على مسروقات تم نهبها من ممتلكات المدنيين في عفرين، وكما أوضع المقطع بأن العصابة لا تنتمي إلى الجيش السوري الحر.

فيما تم بث مقاطع مصورة على شبكة الإنترنت لمدنيين أكراد يشتكون بسخط من سرقة أغراضهم وممتلكاتهم من قبل عناصر الجيش الحر، مطالبين الجهات المعنية باستعادة ممتلكاتهم المسروقة ومحاسبة اللصوص.

“محمد العبد الله” أحد أبناء محافظة إدلب يرى في مثل هؤلاء العناصر الذين ظهروا في الصور وهم يسرقون ممتلكات المدنيين بعفرين، بأنهم خنجر مسموم في قلب الثورة السورية، فتصرفاتهم هي تصرفات فردية، ولكن للأسف قد تنعكس بشكل سلبي على سمعة الثورة وثوارها ونظرة العالم لها.

ويضيف “العبد لله” لزيتون: “من المعروف لدى الجميع أنه يوجد الكثير من المقاتلين في صفوف الجيش الحر هم من الذين تم تهجيرهم من قبل قوات الكردية، وهو ما اتخذه بعضهم حجة وذريعة لسرقة الممتلكات وهذا أمر خاطئ”.

ورغم ظهور صور أخرى لعناصر من الجيش الحر يحاولون تقديم المساعدة للمدنيين في عفرين وإسعاف المصابين إلى المشافي، وهو مشهد مناقض للمشاهد السابقة، والذي يعكس أخلاقيات الثورة ورسالتها، إلا أنها لم تكن ذات تأثير كبير، بل فهمها البعض بأنها محاولة لترميم ما تخرب من سمعة الجيش الحر وليست سوى استعراض فاشل.

ويعتبر “ثابت رمضان” وهو من أحد أهالي المنطقة أن نسبة كبيرة من أفراد الجيش السوري الحر هم من أوائل الثوار الذين خرجوا بالثورة، مستنكراً تعميم صفة التعفيش على الجيش الحر، مؤكداً على فرديتها وشذوذها عن سلوكيات الثورة والثوار.

في الجانب المؤيد للمعركة يرى “معمر عكار” من إدلب أن الأولوية كانت لفتح الجبهات مع النظام، لكنه يعود ليؤكد على ضرورة قتال المليشيات الانفصالية، التي مارست الاعتقال والاعتداء على مناطق وفصائل الجيش الحر متسببين بالكثير من الأذى للثورة السورية، فضلاً عن الأتاوات التي كانوا يفرضونها على البضائع التي تمر من مناطقهم وأهمها المحروقات، الأمر الذي كان ينعكس سلبا على حياة المدنيين في الشمال السوري المحرر.

في مشهد الحرب السورية وتحكم شريعة الغاب فيها، تتبدل السيطرات العسكرية باستمرار، في معارك مستمرة بين الفصائل والجهات المتصارعة، ليرى كل طرف أن ممتلكات المدنيين في المناطق المسيطر عليها حديثاً هي غنائم من حقه أن يحوزها، متناسين أن هذه الأرض وما عليها هي من حق أصحابها المدنيين، لا يمنحهم سيطرتهم عليها بالسلاح أي حق، ولا فرق بين ثائر ولص وشبيح إن تساوت التصرفات، كما لا يمنحهم انتماؤهم لطائفة أو لعرق أي امتياز، وهو مرجعية الثورة السورية الأخير للاعتراف بكل مكوناتها ومن أهمها الكرد.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*