الشاعريّة التوثيقيّة في رواية الثورة والحبّ

المحرر الثقافي

وُصفت رواية «نشيج المزاريب» للأديب السوريّ «محمّد دركوشي» التي صدرت هذا العام بأنها اختصار للوجع السوريّ.
إذ تحكي الرواية قصّة حبّ بين «لهيف» الشابّ المسلم و «ميرنا» الفتاة المسيحيّة، وتجري الأحداث في الزمن المعاصر للثورة الشعبيّة السوريّة، وتعتمد الرواية التوثيق للأحداث راصدة ما جرى في ثمانينيّات القرن الماضي، إبّان حكم الطاغية الأب.

201652713733779734_2

ولا تكتفي الرواية بسرد الأحداث عبر الكاتب – الراوي، بل تتدخّل عدّة شخصيّات في عمليّة الروي، ممّا أعطى الرواية ديناميكيّة، وأبرز تطوّر الحدث ومعظم مسارات ورؤى الشخصيّات التي تعرّجت مساراتها حيناً واستقامت ساكنة حيناً آخر.
رغم ذلك، فإن بناء رواية «نشيج المزاريب» فسيفسائيّ، أي أنّه يمكننا قراءة كلّ فصل كوحدة مستقلّة تحمل عناصر قصّة كاملة، ممّا يذكّرنا بالأدب الشرقيّ العظيم في ألف ليلة وليلة من ناحية البنية.
ويجمع الخطّ العاطفيّ الخاصّ الناتج عن قصّة الحبّ المستحيلة، أجزاء الرواية. كما يحمل الخطّ الواقعيّ التوثيقيّ الثوريّ أحداثها.

ولا يدّعي «دركوشي» كأديب طرح (حلول) بل هو يسلّط الضوء، ليحذّر كاشفاً الأعمق، وليحرّض على استمرار شعلة الثورة، وليوثّق ما جرى بفنّية واقتدار لغويّ بارز، يخدم موضوعه، فشاعريّة «دركوشي» تبدو جليّة، أوليس يروي قصّة حبّ!!
ولا يقع الكاتب في حزبيّة أو مباشرة خطابيّة، رغم تناوله للسياسة بالمعنى المباشر، فموقفه الإنسانيّ هو الأسمى.

من هنا، أتى الهدف الأعلى للرواية وكأنّه ابتغاء الحبّ والسعي إليه كمسار للمستقبل يحمل شارات الأمل كدرب إلى الحرّيّة رغم الآلام. إذ يقول «دركوشي» بوضوح وشاعريّة: «سورية بألوان أزاهير الربيع لا لون واحد، فأنت لو دخلت حديقة كلّ أزهارها من لون واحد لأصابك الملل ولغشيك السأم، فالجمال يتأتّى من اختلاف الألوان والأشكال. ما نحلم به أن تعود إدلب خضراء وحمص أمّ الحجارة السود وحلب شهباء واللاذقيّة زرقاء بعد أن أصبحت كلّها حمراء بلون الدم. أنا لا أتخيّل حياتي دون زعتر حلب وتفّاح السويداء وزيتون إدلب وحلويّات الشام وبامية دير الزور ونكات الحماصنة ودبكات الأكراد وبحر اللاذقيّة نحلم بسورية بلد الحرّيّة والعدالة والديموقراطيّة بلد التعدّديّة السياسيّة والفكريّة بلد الدرزيّ والسنّيّ والعلويّ والمسيحيّ والعربيّ والكرديّ والآشوريّ بلد القانون فوق الجميع بلد تكافؤ الفرص.. ما نتمسّك به من سورية الماضي هو روحانيّة الجامع الأمويّ وقدسيّة كنسية يوحنا المعمدان؛ وألفة أزقّة وحواري الشام ما نتمسّك به هو أصالتنا وهويّتنا وحضارتنا التي نجح نظام الأسد بإخراج سورية من صفحات التاريخ بعد أن كانت أصل التاريخ وأمّ الحضارات نتمسّك بأبجدية أوغاريت وموسيقى أورنينا مغنّية المعبد، أمّا ما نحمله لسورية المستقبل هو الحبّ نريد أن نضمّد جراحاتها ونجبر خواطر أهلها ونرمم حضارتها ونغسل وجهها بماء الحبّ والعمل على سورية الحديثة سورية الإنسان أوّلاً ما نحمله هو العمل على أن نستبدل السلاح بالوردة أن نعوّض أسر الشهداء والمصابين أن نبني المهدّم أن نجد فرص عمل كريم للشباب يكفي اغتراباً وذلّاً».

ويؤكّد الكاتب «محمّد الدركوشي» وجهة نظره من الأسلوب الأدبيّ وعلاقته بالفكرة بقوله: «شرف الفكرة لا يبرر قبح الأسلوب واللغة». ويبدو الأسلوب المازج بين الدقّة التوثيقيّة والشاعريّة، والانتقال من تفاصيل الواقع إلى الأسطرة في المقطع الذي اختاره الناشر للغلاف الأخير للكتاب:
«في يوم جمعة، الساعة التاسعة وعشر دقائق صباحاً، ميرنا عارية كالصباح الأبيض، ينزلق الماء فوق جسدها البضّ شلالات أشواق غامرة، اعتادت الكائنات أن ينهمر الياسمين في هذا الموعد الأسطوريّ.

ما زالت تضحك بماء فيها كلّما تذكّرت لهيف وهو يروي لأصدقائهما وقائع لقائهما الأوّل: «لقد علمت بجمال الأميرة ميرنا من سرب إوزّ مهاجر، استرقت السمع إليه صدفة في بحيرة قريبة من مزرعة جدّي، لم يكن للإوزّات المستشيطات غيرة حديث غيرها، ظننت للصدمة الأولى أنّ كلامهنّ عن صبيّة أعطيت الحسن كلّه محض خيال حتّى رأيتها ذات مرّة من جبل كوم الرمّان الشامخ، تلعب مع وصيفاتها على شاطئ البحر، هبطتُ إليها من أعلى الجبل على هيئة ثور برّيّ، أغريتها بامتطاء ظهري عبرت بها عباب البحر الهائج، عندما وصلنا إلى الشاطئ الآخر استويت بشراً وأعلنت حبّي لها.»
وينشر « الدركوشيّ» على صفحته في الفيسبوك أنّ روايته هي عن: الوجع السوريّ في رواية، حقائق وأحداث فنيّة وقصّة عشق طائفيّة. وفي صفحته أيضاً يعرّف بهويّته الإنسانيّة: «لسنا معارضة ولسنا موالاة نحن مختلفون نقف حيث يقف الظلم ولكن بالضفة المقابلة حيث الإنسان أخو الإنسان».
رواية الثورة والحبّ

 

تعليق واحد

  1. رواية رائعة تستحق القراءة قلما نقرأ رواية عربية تجمع بين اللغة والفكرة لمستويات سردية متنوعة وأحداث واقعية فنية ورؤى استشراقية

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*