التعليم في سراقب.. بين سندان تربية النظام ومطرقة التربية الحرة

زيتون – غسان شعبان

يتعرض قطاع التعليم في مدينة سراقب لمجموعة من الصعوبات والمشاكل دفعت به إلى مستوى متدن، فمن القصف الذي تعرضت له المدارس وما تبعه من انقطاع الطلاب عنها نتيجة النزوح المستمر، إلى التسرب في ظل غياب الرقابة والجهات المسؤولة، إلى التخبط في قرارات المؤسسات التربوية وصراعاتها مع المجالس المحلية في المدن والبلدات، كل هذا انعكس سلباً على الطلاب والمعلمين والقطاع بشكل عام.

ووصف مدير مكتب التربية في المجلس المحلي في مدينة سراقب “يحيى مصفرة” الوضع التعليمي الراهن في المدينة بأنه مزري وكارثي، معتبراً أن أكبر سبب في ذلك هو نظرة مديرية التربية الحرة إلى المدارس على أنها تابعة لها، وكذلك الحال بالنسبة للمجلس المحلي، وذلك على الرغم من أن المدارس في مدينة سراقب تابعة لتربية النظام.

صراع التربيتين وقرارات متضاربة

أصدرت مديرية التربية الحرة في محافظة إدلب في 21 أيار عام 2016، قراراً يقضي بمنع سفر الطلاب والمعلمين إلى حماة تحت طائلة الفصل لكل عامل في مديرية التربية والتعليم يثبت أنه أرسل (ابنه، ابنته، زوجته) إلى مناطق النظام للمشاركة في العملية الامتحانية لشهادة التعليم الأساسي أو الثانوي، وحرمان أي طالب تقدم لامتحان شهادة التعليم الأساسي عند النظام من الدراسة في الثانويات العامة التابعة لمديرية التربية والتعليم في ادلب، ومنع كل طالب حصل على شهادة الثانوية العامة دورة 2016/2015 من التسجيل في جامعات و معاهد الثورة.

وعاقب القرار بإلغاء شهادة كل طالب يحصل على شهادتين من النظام ومن المديرية والفصل من مدارس التربية الحرة، كما يحال الى القضاء كل من يثبت عليه أنه أرسل ابنه أو ابنته أو زوجته الى مناطق النظام.

وجاء القرار بعدما وصل إلى مدينة حماة، أكثر من 7000 طالب في الشهادة الإعدادية من محافظة إدلب لتقديم الامتحانات، بحسب ما أعلنت وكالة سانا التابعة لنظام الأسد لعام 2016.

كما أصدرت مديرية التربية والتعليم الحرة في محافظة إدلب في 12 كانون الثاني 2017، قراراً يلزم مدراء المدارس التابعة للنظام بإرسال نسخة من أي كتاب يصدر من المدارس لتربية النظام لمديرية التربية الحرة في إدلب، وإبلاغ المديرية بكل الاجتماعات التي يعقدها موجهو المدارس مسبقاً، بالزمان والمكان ضمن محافظة ادلب، ومنع تضمين أي شيء خارج العملية التعليمية في الكتب والاجتماعات.

كما طلبت المديرية بتسليم كافة الأختام الموجودة في المدارس التابعة للنظام الى المجمعات التربوية التابعة لمديرية التربية الحرة في إدلب، ومنع الموجهين التابعين لمديرية التربية التابعة للنظام التجول في المدارس إلا بأوامر من التربية الحرة، وهددت المديرية بالعقوبة للمدارس التي تسوق للتسجيل في الامتحانات أو تقوم بالتسجيل لها.

بالمقابل أصدرت مديرية التربية التابعة للنظام، في 19 كانون الثاني 2017، قراراً يقضي بإغلاق أي مدرسة يتدخل الطرف الثاني بعملها، وخاصة تعيين مدراء أو إداريين بدلاً من كادر المدرسة التربوي، وأي مدرسة يتم سحب أختامها سوف تغلق.

كما أصدرت مديرية التربية التابعة للنظام عدة كشوفات وقوائم بأسماء معلمين قامت بفصلهم وقطع رواتبهم بحجة مشاركتهم في الثورة.

وأوضح “مصفرة”

أن هناك 23 مدرسة في سراقب ما بين تعليم أساسي وإعدادي وثانوي تابعة لتربية النظام، وليس هناك أي تعاون مع التربية الحرة، الشيء الذي أثر على المعلمين الأحرار البالغ عددهم حوالي 180 معلماً، والذين مازالوا عاجزين عن ممارسة عملهم في مدارس المدينة التابعة لتربية النظام، مما دفع بغالبيتهم إلى ترك التعليم والانتقال للعمل الحر.

“أيمن معردبساوي” أحد المعلمين الذين تم فصلهم من تربية النظام قال لزيتون: “منعت تربية النظام المعلمين من عملهم ضمن المدارس التي تتبع لها، كما قامت بفصلهم وقطع رواتبهم، بالمقابل لم تستطع التربية الحرة توفير شواغر أو فرص عمل لهم”.

أحد المعلمين لدى تربية النظام، فضل عدم الكشف عن اسمه قال لزيتون: “إن انعدام فرص العمل لدى مدارس التربية الحرة وعجزها عن احتواء المعلمين، دفعت معظم المعلمين إلى الاستمرار بعملهم تحت سقف تربية النظام، وتقاضي الرواتب من مناطقه”.

وحال الطلاب ليس أفضل من حال المعلمين، فاختلاف وتغيير المناهج من قبل تربيتي النظام والحرة، وعدم اعتماد منهاج آخر خاص بالتربية الحرة، أدى إلى انقسام الطلاب وضياعهم في تلقي المعلومات، بحسب معردبساوي.

وكانت تربية النظام قد أجرت بعض التعديلات على مناهج التعليم وأدخلت مواداً جديدة كاللغة الروسية، لم تعتمد مدارس التربية الحرة هذه التعديلات، بل قامت بإجراء تعديلات على المناهج الأساسية للنظام، وأزالت كل ما له علاقة بالنظام السوري ورموزه، فقد ألغت مادة التربية القومية وبعض الدروس من مادة التاريخ وغيرها.

محاولات لتفعيل المدارس الحرة

مع انتهاء الفصل الدراسي في شهر آيار الماضي، ودخول الهدنة حيز التنفيذ، كان لابد من طرح حلول وإن كانت محدودة للمشكلة، حيث قام المجلس المحلي في مدينة سراقب بعقد اجتماع موسع ضم رؤساء مجلسي الأعيان والشورى، وعدد من المعلمين الأحرار، تم خلاله الاتفاق على آلية للتعليم.

وتم الاتفاق على تفريغ مدرسة “ميسلون” بالكامل وجزء من مدرسة “أحمد الحسين”، لاستيعاب المعلمين المفصولين، والخريجين الذين لا يتقاضون رواتب من أي جهة، وبعد تأمين الرواتب من قبل المنظمات والجهات الداعمة سيتم العمل على تفريغ ما تبقى من المدارس ضمن المدينة لاستيعاب البقية وتأمين فرص عمل لهم.

وطالب مكتب التربية أصحاب القرار بتشكيل لجنة مراقبة للإشراف على العملية التعليمية وعمل المعلمين والإداريين، حتى التابعين للنظام من أجل سير العملية التعليمية بشكل صحيح وناجح، وأن يشرف مكتب التربية في المجلس المحلي على سير العملية التعليمية، كما يتولى دعم وافتتاح معاهد أو مدارس خاصة.

وجاء الاتفاق بعد خلافات بين كل من مجلس الشورى المدني في سراقب والتربية الحرة على خلفية قرار التربية الحرة القاضي بعدم قبول شهادات التعليم الأساسي الصادرة عن تربية النظام، وهو القرار الذي تحفظ عليه مجلس الشورى في سراقب، ببيان أعلن فيه قبوله لشهادات التعليم الأساسي من الطلاب أيا كان مصدرها، بالإضافة إلى ترك حرية اختيار الطالب لمكان التقدم للامتحانات.

من جديد عادت مديرية التربية والتعليم الحرة لترفض قرار مجلس الشورى في سراقب مؤكدةً أن العملية التعليمية في مدينة سراقب كغيرها من مدن وبلدات المحافظة تخضع لمديرية التربية وقراراتها ومجلس الشورى لا يمثل العملية التعليمية، علماً أن كافة المدارس العاملة في سراقب تابعة لتربية النظام.

حلول إضافية

ونوه “مصفرة” إلى أنه من المهم وجود تعاون مشترك بين المجلس المحلي والتربية الحرة وتوقيع مذكرة تفاهم بينهم تحدد مسؤوليات وواجبات كل طرف، ليكون هناك رقابة كاملة على سير العملية التعليمية ونجاحها.

من جانبه طالب “راقي سليمان” أحد المعلمين الذين تم فصلهم من قبل مديرية تربية النظام، بإعادة المعلمين إلى المدارس التي سيتم استحداثها، وإعطائهم الأولوية بالتعيين بدل المعلمين المؤقتين.

ويعتبر “محمد الحسين” رئيس المجمع التربوي في مديرية التربية الحرة أن تبعية المدارس في مدينة سراقب لتربية النظام، يسبب مشكلة في دعم التربية الحرة لها، مبيّناً أن التربية الحرة تعمل على النهوض بالعملية التعليمية في كافة المناطق المحررة، ووضع خطط لتسيير أمور المدارس وتأمين الدعم لتغطية نفقات ومستلزمات التعليم، على حدّ قوله.

“محمد حبار” أحد أهالي مدينة سراقب قال لزيتون:

“ضعف الاعتراف بالشهادات الصادرة عن الائتلاف دولياً يعتبر من أخطر مشاكل التعليم التابع للتربية الحرة لا سيما أنه لا تتوفر أية جامعات مجانية في المناطق المحررة معترف بها، ويقع الكثير من الأهالي بحيرة الاختيار ما بين تقديم أبنائهم لامتحاناتهم في مناطق النظام والمغامرة باعتقالهم وما بين تقديهم لامتحاناتهم في مدارس التربية الحرة والمغامرة بمستقبلهم وعدم الاعتراف بشهاداتهم، كما لا يمكن تحمل أعباء إرسالهم إلى دول الجوار كتركيا لإكمال دراستهم الجامعية”.

ويبدي “أسعد الضاهر” أحد الأهالي عدم رضاه عن التعليم في سراقب مؤكداً أن ابنه الذي في الصف الثالث لا يجيد القراءة والكتابة حتى الآن وهو بمستوى طالب في الصف الأول، مرجعاً السبب إلى عدم وجود جهة رقابية على المدارس، وتسيب الكادر التعليمي في المدارس.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*