الــفـنّــان عـنــايـت عـطّــار .. يـرسـم بـالـبـقـع الـلّـونـيّـة

11733494_917752014949513_2065408128_n

بعد ولادته في عفرين سنة 1948 لم تكن قد أقيمت الحواجز المتعددة الولاءات التي أصبحنا نشاهدها اليوم بين منطقة وأخرى في كافة الأراضي السوريّة. لذلك وجدنا الفنان اليافع عـنايـت عطـار قد انتقل في سنوات عمره الأولى الى مدينة الرقة القريبة من مكان ولادته ليتابع دراسته وليعمل في المحافظة الحديثة البكر في مجال الفن وتزيين المحال التجارية وواجهاتها.
ولـئـن كان قد تعلم الرسم وتعلق به بشكل ذاتي ودون اللّجوء الى المعاهد والكليات الفنية المتخصصة فلقد وجدناه يتعلق بالبيئة المحيطة وبسعة مساحات سهولها وشواطئ فراتها. يتأمل فصولها الأربعة المتقلبة من جهة , وألوان ألبسة النسوة في تلك المناطق البدوية من جهة أخرى , حيث يغلب عليها الألوان الزاهية المشرقة كما إشراقات وصفاء نفوس أهلها.
راح يرسم مباشرة باللون دون استعمال الخطوط الأوّلـيّة في بناء اللوحة ,على خلاف معظم الفنانين في مرحلته الأولى مستعينا بإمتشاق وطول الجسم البشري في الجزيرة السورية وليكسيه أجمل الألوان وأنقاها.
وقد تكون مهنته التي بدأ بها مشواره الفني كتزيين واجهات مخازن الألبسة والأزياء النسائية أعطته خبرة في رصف الأجسام الفارعة حتى نشعر وكانه يرسم النساء في حفلات الأعراس المستمرة والمغمورة بالفرح شكلاً ولوناً وكانها كتل مرصوفة بألوان الفرح وأصوات الزغاريد.
وعندما كان عنايت عطار يهمل التفاصيل والجزئيات في لوحاته ولا يظهر فيها ملامح الوجوه أو الأيدي فإنما كان يهدف من ذلك , إشراك المشاهد في تذوّق أعماله. ويتيح له بأن يتصوّر ويتخيّـل هذه الأعمال ويترجمها في ذهنه , مفسحاً المجال لمشاركة المتلقي في تذوق أعماله الفنيّة , وهو بذلك يتماشى بإنتاجه مع جميع من حوله , فكان يحرص بتواضعه على أن يستفيد هو من ملاحظات وتوجيه المهتمين الكبار , ويعطي في ذات الوقت ويضيف لما يحتاجه الصغار من المبتدئين.
وقد يكون مبعث ذلك كونه لم يدرس الفن في الجامعات المتخصصة والتي تولي بالبداية اهتماماً كبيراً بالتفاصيل الحركـيّة والتشريحيّة لجسم الإنسان. بينما نجده قد اختزل كل ذلك بتكوين لوحاته من خلال بقع الألوان الشفافة والمتداخلة بعناية فائقة توصلنا لتكوين متوازن لعناصر اللوحة, دون ضيق أو خلل تاركاً متنفساً في فراغ وخلفية اللوحة التي غالباً مايُغنيها بالألوان المتماهية , بتوازن مدروس يمزج بين المضمون المحلي المتوارث , وبين المفاهيم الحديثة للأشكال والألوان.
وإن كان الفنان عنايت عطار قد غلبت على لوحاته تواجد المرأة بشكل لافت فذلك لقناعته وسعيه الدائم لإنعتاق المرأة الشرقية الفاضلة من التقاليد البالية وقيودها الإجتماعية المتخلفة , التي أبعدتها عن مواكبة الحضارة الإنسانية.
ولذلك قالها شعراً:
الأزرق للسماء. . والأخضر للجبال
والأصفر للسنابل. . والأحمــر للمرأة.
لا. . لا أيّها الصديق , لقد أخطأتُ الترتيب والنسبة والدلالة.
بل. الأزرق والأصفر والأخضر والأحمر لها وحدها..
للمرأة التي أحب واعشق
وللمرأة التي أرسم وأتخيّل
لامسافات.. ولا حدود.
لاتقل لي: إنّ المرأة رمز للوطن أو البحر أو الكرامة أو للحـب
لا أبداً أيها الصديق.
فالمرأة عندي هي البحر والوطن
والأفق والكرامة والحب والغيرة والحزن. . والجنون أيضا.
وقد امتزجت في سيمفونيّة لونية واحدة متكاملة ومتناغمة.
عندما يهاجر أمثالك يـا عنايت عطار من وطنهم السوري الى فرنسا ليقيم فيها ويتجول بأعماله الفنيّة. . ويعرضها في شتى أنحاء الأرض. ..
عندها نقف بخجل مطأطئين الرؤوس حـزناً عليك وألـماً لخسارتنا لـك
ولأننا لم نستطع أن نحتويك بقلوبنا.

عبد الرزاق كنجو