الملتقى الوطني الثوري السوري وجهود التنسيق

خاص زيتون
حماية أهداف ثورة الحرية والكرامة والتصدي لمؤتمر سوتشي، كان الشعار الذي اتخذه الملتقى الوطني الثوري السوري الذي انعقد لأول مرة في 20 كانون الثاني من العام الحالي 2018، بالتزامن مع انعقاد مؤتمر سوتشي.


وجاءت الدعوة للملتقى من قبل اللجنة التحضيرية التي دعت في 4 كانون الثاني الماضي، لملتقى شعبي وطني ثوري سوري يضم لأول مرة الثوار والمعارضين السوريين في جميع أنحاء العالم، ليقولوا كلمتهم في وجه الصمت الدولي على العهر والإجرام الروسي والإيراني والأسدي، وذلك في 20 كانون الثاني، الساعة الرابعة بتوقيت دمشق أو الساعة الثانية بتوقيت أوروبا، تحت عنوان حماية ثوابت الثورة والتصدي لمؤتمر سوتشي، متزامنا بآن واحد مع مؤتمر سوتشي، وبتمويل ذاتي، بحسب نص الدعوة، متأملةً من الناشطين السياسيين والمعارضين المشاركة ودعم أنشطة الملتقى.
وأكدت اللجنة التحضيرية للملتقى في بيانها الأول أن الهدف الحقيقي لمؤتمر سوتشي هو إعادة تأهيل نظام الأسد، وإجراء إصلاحات دستورية ورقية، في ظل نظام لم يلتزم بالدستور طيلة عهده، كما تهدف من خلاله إلى فرض انتخابات تتيح لبشار الأسد ترشيح نفسه لفترة رئاسية جديدة، في وقت يجب أن يقدم فيه إلى محكمة الجنايات الدولية، فضلاً عن نقل الملف السوري من الرعاية الأممية في جنيف إلى رعاية روسيا وإيران، والالتفاف على قرارات الأمم المتحدة والقرار 2254 الذي يقضي بالانتقال السياسي بقيادة هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية.
وفي 19 كانون الثاني الماضي، دعا كلاً من هيئة الحراك الثوري واتحاد تنسيقيات السوريين حول العالم ومجموعة من الهيئات السياسية وممثلي المجتمع المدني إلى “الملتقى الوطني الثوري السوري لحماية أهداف الثورة والتصدي لمؤتمر سوتشي”، محددةً مكان وزمان الملتقى في مدينة الريحانية على الشريط الحدودي، وفي عدة مدن بمحافظة إدلب بتاريخ 19 كانون الثاني، على أن يعقد الملتقى اجتماعاته في اليوم التالي في 32 مدينة دولية.

تعريف الملتقى وأهدافه
يعرف أعضاء الملتقى عنه بأنه ليس جسماً سياسياً، وإنما هو تنظيم لأجسام سياسية تؤمن بفكر مشترك، ولها أهداف مشتركة، وهي الدولة الديمقراطية وتداول السلطة بشكل سلمي.

ويهدف الملتقى الوطني الثوري السوري لحماية أهداف الثورة والتصدي لمؤتمر سوتشي بحسب بيانه، وإلى حشد شعبي وإعلان تجمعات السوريين في سوريا وفي مخيمات اللجوء والمتواجدين في العالم لرفضهم مؤتمر سوتشي ومخرجاته.
كما يهدف إلى تعرية الشخصيات المشاركة في سوتشي بعدم تمثيلهم للشعب السوري ولا مؤسسات الثورة السورية، وتدارس إمكانية تشكيل جبهة ثورية وطنية ضد مؤتمر سوتشي، وأي مؤتمر لاحق يتجه لإعادة تأهيل وتعويم نظام الأسد أو للتنصل من القرارات الدولية أو لتشريع وجود قوى محتلة على الأراضي السورية، وإسقاط الشرعية الثورية عن الأفراد والمنظمات المشاركة به.
ويسعى الملتقى كذلك إلى دراسة أفضل السبل للحفاظ على استقلالية القرار السوري واستمرارية مسيرة الشعب السوري بالتغيير، وعلى ثوابت الثورة السورية التي تعبر عنها المطالب الأساسية للسوريين، بإنهاء حقبة الاستبداد المتمثلة بحكم نظام الأسد والانتقال لدولة القانون والمواطنة المتساوية، وتحقيق الديمقراطية والتعددية السياسية بعد التشويهات المتعمدة التي ألحقت بمسار الثورة.

ولضمان متابعة عمل ونتائج الملتقى فإن الملتقى سيعمل على دراسة تشكيل هيئة متابعة وتقييم لعمل مؤسسات الثورة والمعارضة السورية، لضمان عدم الانحراف عن مطالب الشعب السوري، وكذلك تنظيم عقد مؤتمر قوى الثورة السورية، يتبعه تنظيم مؤتمر حوار وطني سوري – سوري، بالتعاون مع الجهات السورية الملتزمة بهذا المسار، وتحت إشراف الأمم المتحدة. 

وتتضمن هيئة المتابعة تشكيل لجنة علاقات خارجية، لإعلام المجتمع الدولي بأن كل من يشارك في مؤتمر سوتشي لا يمثل المعارضة والثورة السورية، بل يمثل نفسه فقط، وكذلك للتواصل مع مختلف الجهات المعنية والفاعلة في القضية السورية من أمم متحدة ودول كبرى وإقليمية، بهدف تحقيق مصالح الشعب السوري ومطالبه واعتبارها أولوية ضمن صراع المصالح الإقليمية والدولية في سوريا وأهمية استقرار سوريا للأمن الإقليمي والعالمي.
المنسق العام في الداخل للملتقى الوطني الثوري السوري والناشط السياسي ناصر الأعرج قال لزيتون: “الهدف الأساسي للملتقى هو الحفاظ على مسار الثورة، والثورة من أجل الحرية والديمقراطية، ويشكل مؤتمر جنيف الحد الأدنى لأهداف الثورة، وأي مؤتمر آخر هو خيانة لأنه لا يمثل أهداف الثورة ومتطلباتها”.
وأضاف “الأعرج”: “في كل مرحلة يتم عقد مؤتمر يجمع الأجسام السياسية السورية بدءاً من اتحاد تنسيقيات السوريين حول العالم، وصولاً إلى معظم المؤسسات المدنية والسياسية، مروراً بأعضاء في كل من الحكومة السورية المؤقتة وحكومة الإنقاذ، إذ يجمع الملتقى كافة الفئات والنشطاء المدنيين والسياسيين تحت سقف الديمقراطية”.

ظروف التشكيل 
انطلق الملتقى من اتحاد تنسيقيات السوريين حول العالم وهيئة الحراك الثوري بالإضافة إلى الهيئات السياسية والأحزاب والتجمعات والاتحادات والنقابات ومنظمات المجتمع المدني وحتى مجالس المحافظات والمجالس المحلية باستثناء العسكرية منها، إذ لم يتم دعوة الفصائل العسكرية لأن الملتقى سياسي بحت، بحسب “الأعرج”، والذي أوضح أن المؤتمر الأول للملتقى تم بثه بشكل مباشر عبر برنامج “الفيوز”، وبالتزامن مع انعقاد مؤتمر سوتشي.
وعن أعضاء الملتقى يؤكد المنسق العام للملتقى الوطني الثوري السوري في الداخل بأن أعضاء الملتقى هم شخصيات وطنية لم تتلطخ أيديهم بدماء السوريين، ولا توجد عليهم أي إشارات استفهام، عندما رأوا بأن مسارات الثورة بدأت تنحرف سياسياً عن مسار جنيف، عقدوا مؤتمرهم الأول في مقر البلدية الثالثة في العاصمة الفرنسية باريس، وانضم لهم عدة ملتقيات من كافة أنحاء العالم، ومن الداخل السوري في درعا وحماة وإدلب واللاذقية بالإضافة إلى الغوطة الشرقية قبل اغتصابها.

من جانبه العضو المؤسس للجنة التحضيرية للملتقى والمنسق العام لهيئة الحراك الثوري “يسار باريش” قال لزيتون: “تم اختيار اسم ملتقى للدلالة على عدم وجود نية لإنتاج أجسام سياسية أو تنظيمية جديدة، وانتشار الملتقى في عدة مدن سورية ودولية لتوجيه رسالة للعالم أجمع بأن السوريين قادرين على التمحور حول فكرة سياسية واحدة وترجمتها فعلياً على أرض الواقع”.
وأضاف “باريش”: “هذا العمل هو نواة لتحقيق حالة تراكمية لإيجاد جبهة مقاومة سياسية تفسح المجال لتشكيل مقاومة شعبية ثورية تواجه الاحتلالات المركبة وتكون ملتزمة بقرار سياسي”. 
ويرى باريش أن الظرف غير ناضج لوجود أجسام جديدة، والسلوك الصحيح حالياً هو السعي لإنجاز مؤتمر عام لقوى الثورة ينتج قيادة ثورية حقيقية، مؤكداً أن الأجسام التمثيلية الموجودة حالياً هي أجسام هزيلة، لكن الوقت غير مناسب لأجسام جديدة.


تحديات العمل السياسي 
في حين يعتبر المنسق العام للملتقى في الداخل أن لا صعوبات حقيقية تُذكر لدى الملتقى، وإنما هناك بعض الإشكاليات سببها التخوف من التوقيع على أي اتفاق، ولا سيما من قبل التجمعات السياسية الصغيرة التي لا تمتلك تمثيل قوي، مبيناً أن هناك لجنة متابعة انبثقت عن الملتقى مهمتها ضم الأجسام السياسية إلى الملتقى ومشاركتها بمجرد توفر شرط الإيمان بالديمقراطية لديها، والتنسيق والمتابعة معها دون وجود أي دور قيادي لها، مؤكداً أن الجميع متساوون في الحوارات والنقاشات ضمن الملتقى الوطني الثوري السوري، وأن الهدف هو توحيد الجهود لتحقيق الأهداف والثوابت الأساسية للثورة.
أما عن أسباب تراجع العمل السياسي في الداخل بشكل عام إن لم يكن انعدامه، فيعود من وجهة نظر الأعرج إلى ارتفاع صوت السلاح الذي طغى في الحرب على صوت السياسة، ولم يعد هناك مجال للعمل الجماهيري لعدم وجود البيئة المناسبة، بالإضافة إلى وجود الفصائل المسلحة الممولة خارجياً لأجندات خارجية، مضيفاً: “ولكن مع ذلك فشعبنا توّاق للعمل السياسي، وقد لوحظ نشاط نسائي وشبابي، وهناك الكثير من التجمعات النسائية والشبابية، كما أن معظم أهالي إدلب يؤمنون بالدولة المدنية الديمقراطية، وهو ما لا يريد العالم أن يراه، ويستمر في تجاهله”.
وعن أهمية الشباب والمرأة في العمل السياسي يرى المنسق العام للملتقى الوطني الثوري السوري في الداخل بأن الأحزاب السياسية مقصرة جداً وعملها خجول في هذا المجال، وبأنه يجب الدفع نحو زيادة التمثيل النسائي في التجمعات السياسية، وعلى التجمعات السياسية أن تتيح الفرص المناسبة للشباب والمرأة لدفعهم باتجاه العمل السياسي والمدني بشكل عام، ولكن في الوقت ذاته هناك تجمعات نسائية موجودة وعليها مسؤولية أخذ حقها، على حد تعبيره.
ويعتمد الملتقى الوطني الثوري السوري على برنامج الفيوز كوسيلة تواصل بين أعضائه، ولبث نقاشاتهم وحواراتهم وأفكارهم ولقاءاتهم بشكل مباشر، مفسحاً المجال للمجموعات التي ترغب بالمشاركة وبث كلمتها، وذلك بعد التنسيق مع اللجان المختصة في الملتقى.

نشاطات وفعاليات الملتقى
يرى الملتقى أن من أهم أولوياته في المرحلة الحالية عمليات الحوار والتواصل بين الأجسام والكتل السياسية وتنسيق الجهود المشتركة لتوحيدها في خدمة الثورة، ومن هنا فإن الملتقى يركز على عقد ندوات تثقيفية وحوارية يجريها عبر برامج التواصل لضم عدد من النقاط حول العالم تستضيف شخصيات حقوقية وباحثين وسياسيين.
كما يعمل الملتقى حاليا على عقد مؤتمر سوري عام، يشمل كل القوى السياسية لمكونات المجتمع السوري الحر، الموجودة في الداخل والخارج باستثناء منصة موسكو والمجموعات المتطرفة، وقد تم إرسال نص المسودة إلى الكتل الأساسية ذات التمثيل الأوسع، ومن تلك القوى في الداخل السوري الهيئات السياسية وتجمع سوريا الثورة والاتحادات والنقابات ومجالس المدن، في حين تم ترك تحديد توقيت المؤتمر ومكانه والخطوط العريضة للنقاش والتداول بين المشاركين، وذلك بحسب المنسق العام في الداخل ناصر الأعرج الذي أكد على ذاتية تمويل المؤتمر حرصا على استقلاليته.
إلى جانب المؤتمر التأسيسي الأول عقد الملتقى الوطني الثوري في الرابع من حزيران مؤتمرا ثانيا قبيل انعقاد مؤتمر أستانة بأيام، دعا فيه للوقوف مع الثورة السورية ومواجهة المؤتمر ومخرجاته، وتم عقد المؤتمر عبر برامج التواصل، وتم إلقاء عدد من الكلمات واللقاءات والمداخلات مع نقاط الداخل السوري، والمهجر اللاجئ القسري، رفع فيه الملتقى شعار “فضح أستانة واجب وطني وثوري”.

وكان الملتقى قد دعا إلى عدد من الوقفات المنددة ضد مؤتمرات سوتشي وأستانة، وعدد آخر من الحملات منها “الغضب السوري مستمر ضد الإجرام الأسدي والروسي” و”أوقفوا القتل.. أوقفوا الحرب في سورية” و”حماية أطفال وسكان سورية من السلاح الكيماوي الأسدي والبوتيني”، وذلك في عدد من العواصم الغربية كبرلين وباريس.

قد تكون الخطوط العريضة والثوابت التي تم الاتفاق عليها من أهم ما يميز الملتقى الوطني بتقديمه نقاط الالتقاء والتي من أهمها وحدة سورية ورفض أيا من أشكال التقسيم، وإبعاد كافة القوات الخارجية عن سوريا لتحقيق الحل السوري الوطني، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية التي يتساوى فيها السوريين، واعتماد الشكل البرلماني واللامركزية في إدارة البلاد، وتحويل الجيش السوري الى جيش وطني، إلى جانب تأمين علاقات صداقة ندية واحترام متبادل مع الدول الخارجية.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*