الوقفة الاحتجاجية في إدلب.. تمايز استراتيجي أم تحد عبثي

زيتون 
منذ أيام قليلة وقف حوالي مئة متظاهر أمام مبنى البلدية في مدينة إدلب، حاملين لافتات تدعم شرعية مجلس مدينتها وحقه في إدارتها، وتوقع معظم أهالي المدينة أن تقتحم هيئة تحرير الشام أو جبهة النصرة سابقاً هذه الوقفة وتعتقل المتظاهرين، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، وانفضت الوقفة دون أحداث تذكر، وبلا ضجة إعلامية.
قلة عدد المتظاهرين يذكّر بقلة الأعداد في المظاهرات الأولى للثورة السورية، حين كان الخوف من أجهزة الأمن يدفع بالسوري للابتعاد عن أي حراك سياسي حتى ولو كان يمس قوته، وهو ما دفع بأهالي إدلب إلى الإحجام عن المشاركة في تلك الوقفة، ترافق ذلك مع خوف من قبل المراسلين الإعلاميين الذين راقبوا المشهد من بعيد خوفاً من الاعتقال.
جبهة النصرة التي نجحت في السير على خطى قوات النظام في قمع الناس وترهيبهم، وعلى خطى داعش شقيقتها في المنهج والإجرام، لا بد وأنها سعدت بمرأى قلة الأعداد وشعرت بنجاح قمعها، بعكس المتظاهرين الذين ساءهم تقاعس أهلهم عن نصرة شرعيتهم ومستقبل مدينتهم المهدد.
ويأتي الموقف اللافت لمجلس مدينة إدلب في تحدي قرارات النصرة، والمؤثر في معنويات الأهالي ونظرة المجتمع الدولي لهذه المدينة، التي يمكن لها أن تحدد مستقبل ما تبقى من مناطق محررة في الشمال السوري، نظراً لأهميتها الإدارية والبشرية، ولما تضمه من كوادر وثقافة كانت قبل الثورة، يأتي هذا الموقف الشجاع الذي تبناه المجلس إلى شعوره بأحقيته وشرعيته في إدارة مدينته، فضلاً عن إحساسه بالمسؤولية أمام منتخبيه، الذين بلا شك أرضاهم هذا الموقف الجريء، رغم تخوف الأهالي على مصير هذا المجلس وأعضائه من الاعتقال أو الاغتيال.
وتشير سلوكيات جبهة النصرة وجرأتها على المؤسسات والمجالس المنتخبة في إدلب إلى الاستخفاف بشكل فاضح بإرادة الأهالي ورغبتهم في حياة مدنية وديمقراطية، كما تؤكد على احتقارهم للمدنيين العزل، مؤمنة أن السلطة للقوة وللسلاح، وهي بهذا المعنى صاحبة الحق في الإدارة، وهو ما تجلى باقتحام قواتها لمؤسسات خدمية بأسلحتها ورشاشاتها الثقيلة، وكأنها في عملية عسكرية ضد قوات الأسد كما فعلت في مديرية المياه في المدينة.
ومن المهم في طريق الخلاص من الأفكار المتطرفة والمجموعات التي تعتمد في بنائها على القمع والتخويف، أن تتسلم السلطة بشكل وحيد، لتتكشف أفكارها عملياً، وهو ما بدأت جبهة النصرة بالوقوع فيه، بعدما كانت تستتر بوجود فصائل أكثر اعتدالاً وأكثر إمكانية للحياة، لا سيما حركة أحرار الشام التي شكلت غطاءً حقيقياً لها خلال السنوات الماضية، سواء في اعتدائها على فصائل الجيش الحر أو في الانتهاكات الجسيمة ضد الأهالي والثوار، كما ساعدت حركة أحرار الشام على تشويش الصورة لدى الجميع نتيجة لتفاوت واضطراب تشددها، المتذبذب والغير مستقر، وتحولها في فترات طويلة الى مفرخة عناصر للفصائل المتشددة كالنصرة وداعش.
وبإنهاء الحركة يقترب الخلاص من جبهة النصرة أكثر، مع سؤال وجيه واحد، كيف سيتم ذلك الخلاص، وهو ما يحمل تخوِّفاً كبيراً على مصير المدنيين في إدلب، وقلق حقيقي في تحويلها إلى رقة أخرى، ولا سيما في ظل استهتار المجتمع الدولي بحياة المدنيين في المناطق المستهدفة من طيران التحالف الدولي.
إلى ذلك يمكن لموقف المدنيين من نشطاء وثوريين أن يساعد في تقليص فاتورة الدم، من خلال نبذ النصرة وأشباهها من بينهم وعدم السماح لها بالتغلغل في مدنهم، ومهما يكن ثمن هذا الحل، إلا أنه يبقى أٌقل تكلفة مما يمكن أن يكون في حال اتفاق القوى الدولية على استهداف إدلب.
كما لا بد من كشف الهيئات والتجمعات التي تحولت إلى وسيلة بيد النصرة لتمرير مبادرات وسياسات يمكن أن تزيد في تعقيد الحل، ومقاطعتها، والتمسك بشرعية المجالس المنتخبة وحماية أعضائها وتحصين الصوت المستقل والشجاع، والعودة إلى الشارع لإظهار الوجه الحقيقي للأهالي وتمايزهم عن النصرة وسواها.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*