بمنديل مَبلل.. العاملون تحت الشمس يتقون لظاها

زيتون – وسيم درويش
لامن بواكي لهم ولا من معين، يعملون بصمت ورضا لكسب لقمة العيش الحلال، لقمة غمست بالعرق والدم، هنا الواقع تخلى عن الاستعارة والكناية، فطعامهم بطعم الشقاء، فوارق مادية شاسعة بين الشرائح الوليدة في هذه المرحلة، إحداها شريحة المشواة تحت الشمس، دونما رعاية من أحد، فلا حقوق ولا ضمان لشيخوخة قريبة موحشة.
يقول “أحمد حسين الخليل” أحد باعة الخضار الجوالين على شاحنته الصغيرة، والتي هي كل ما يملك من متاع الدنيا: “نستيقظ مع أذان الفجر، لنقصد سوق الهال، نبحث عما يمكننا بيعه في النهار، بحسب مواسم الخضار، وما أن ننتهي من شراء صفقتنا حتى نتوجه بها إلى شوارع المدينة وأزقتها، نركن في الأماكن المزدحمة، ننادي ونصرخ طلباً لقوت أبنائنا، ولجذب انتباه المارة، منشغلين بعبء الحياة، ننسى حرارة الشمس، حتى يصل لظاها إلى عظامنا، لكن ليس هنالك من مفر، فالصبر رأسمال البائع الجوال، ليس له سواه، ففي البيت بطون وأفراخ ينتظرون.
وأحمد هو أحد أبناء كفرنبل المنشقين عن شرطة النظام، أحد الآلاف الذين أجبرتهم الحرب والظروف على العمل لساعات طويلة تحت لهيب تموز وآب، ورغم كل ما ينشر عن ارتفاع لدرجات الحرارة، يبدو وكأن الأمر لا يعنيه.
عامٌ حار، على كل الصعد، فيه تجلت عواقب الصراع في سوريا بشكل سافر، فقر وفصائل وقتل واختطاف وانتهاك لكل محرم، في متاهة لم يعد يفهمها أحد ممن يدعون النظر، وفيه سجلت الحرارة أرقاماً لا تبدو واقعية، لا سيما في أوقات الظهيرة، إذ قالت الأرصاد الجوية أنها بلغت الأربعين، لكن يخيل لمن يقف تحت أشعتها أنها تفوق 40 بكثير، ترمي هذه الأجواء بعبئها على العاملين في الأماكن المكشوفة، لتتحول أعمالهم البسيطة وسعيهم إلى أعمال شاقة، وقد تصل للخطورة، في فترات عمل طويلة قد تصل إلى أكثر من ١٤ ساعة، ودون أخذ قسط من الراحة خلال ساعات الذروة على الأقل.
وعما يمكن أن يتعرض له هؤلاء الكادحون من مخاطر يقول الطبيب الأخصائي “فاتح القرجي” لزيتون: “يتعرض العاملون تحت أشعة الشمس للخطر، فهناك أبحاث تشير إلى أن سرطان خلايا الأساس أو “الخلايا الحرشفية” مرتبط بالتعرض لأشعة الشمس، فيتطور “الورم الميلانيني” من خلال الوقوف تحت الأشعة حتى ولو لساعات قليلة، وهو يصيب بشكل عام منطقة العنق والوجه والرأس”.
ويضيف “القرجي”: “كما أن ذلك قد يقود إلى أضرار أخرى منها كثرة التجاعيد وشيخوخة الجلد المبكرة، وكثرة البقع على الجلد، إضافة إلى إنتاج مفرط من الفيتامين (D)، الأمر الذي يزيد من خطر تكون الحصى في الكليتين”.
حقوق وحيوات تهدر في وضح النهار، في غياب دولة تضمن شيخوخة لا ترحم، ليترك العاملون، عرضة للشقاء بمردود ضئيل، بالكاد يقيم صلب أطفالهم، بينما يبللون منديلاً صغيراً بالماء يضعونه على رؤوسهم، اتقاء لهذا الجحيم..

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*