زيتون – ياسمين جاني
«سمر» ابنة جسر الشغور، زوجة مهاجر مغربي، ترى أن ما يتم الحديث عنه من تجاوز لحقوق المرأة ودورها المنقوص هو مجرد ترهات ليس لها صلة بالإسلام والواقع، وأن واجبها وحقوقها تنحصر في خدمة زوجها وتربية ابنائها في منزلها، ولا تجد في تعلم المرأة أي أهمية غير تعلمها للقراءة والكتابة للضرورة، أما غير ذلك فهو تقليد للغرب.
وكانت قد انتشرت في السنوات الأخيرة بعد سيطرة الحرب على مفاصل الحياة في المجتمع السوري بشكل عام، ومحافظة إدلب بشكل خاص، أفكارا تدعوا إلى تقييد دور المرأة ومكانتها، والتضييق على نشاطها، من منع الاختلاط، وفرض الخمار وغيره.
إلا أن بعض النساء تحدين هذا الواقع، وعزمن على ممارسة نشاطاتهن وحقوقهن في المجتمع، فعملن على إقامة مشاريع خاصة بهن، وبجهود فردية وتطوعية كبداية، حيث أقمن مراكز وجمعيات ومعاهد خاصة بدعم المرأة ثقافياً واجتماعياً وتأهيلياً، بهدف توعيتها وتشجيعها على ممارسة حقوقها وواجباتها، من خلال إقامة ندوات توعوية في هذه المراكز، ودورات تدريبية ومهنية تساعد المرأة على المشاركة والعمل، كدورات التمريض والأشغال اليدوية والحرفية وغيرها.
وفي مدينة جسر الشغور، ورغم الواقع الصعب الذي عانت ولا تزال تعاني منه، منذ تحريرها وحتى اليوم، من سيطرة جماعات إسلامية عليها من جهة، وقصف الطيران والدمار فيها من جهة أخرى، إلا أن بعض النساء في المدينة عملن على تشكيل مراكز وتجمعات لدعم المرأة، وإقامة مشاريع لتوعية المرأة بشكل خاص، ومنها تجمع «معاً نحو القمة».
أُسس تجمع «معاً نحو القمة» منذ ما يقارب ستة أشهر، وبدأ بجهود فردية تطوعية من قبل مجموعة من نساء مدينة جسر الشغور، وبمشاركة بعض النساء النازحات إلى المدينة، منهن من يمتلكن خبرات وشهادات في مجالات متعددة، عملن كمدربات في المركز، ويبلغ عددهن 37 متطوعة، بالإضافة إلى بعض النسوة اللواتي رفضن الانطواء في منازلهن، فبادرن إلى الانضمام للمركز، بهدف اكتساب خبرات ومهارات تفيدهن في حياتهن.
وأضافت «أباظلي»: «تجمع معاً نحو القمة هو تجمع مدني، حيادي، لا يتبع لأي جهة أو فصيل، ويملك هيكلية إدارية واضحة، تتمثل في التعاون الوثيق بين أعضاء اللجنة الإدارية لتسيير الأمور الداخلية والخارجية للتجمع، إلا أن التجمع لا يملك نظاماً مالياً محدداً، وذلك لعدم وجود جهة داعمة، فجميع العاملات في المركز من المتطوعات، ولا يتقاضين أي راتب أو أجر على عملهن حتى ولو كان بسيطاً، ويتم تغطية العمل في المركز من خلال التبرعات التي يقدمها بعض أبناء المدينة، أو من خلال منح صغيرة ومبالغ مالية محدودة تُقدم من جهات محددة، لتغطية تكاليف النشاطات التي تقام في التجمع».
ويهدف تجمع معاً نحو القمة إلى محاولة تلبية متطلبات المدينة من النواحي العلمية والثقافية والاجتماعية، وزيادة الدور الفاعل للمرأة، من خلال إقامة دورات تعليم وتأهيل لأطفال ونساء المدينة.
وتأتي دورات محو الأمية في المرتبة الأولى بالنسبة للتجمع، إذ يعتبر أن تعليم المرأة القراءة والكتابة، وتثقيفها ولو بشكل مبدئي، أمراً بالغ الأهمية، وإنجازاً كبيراً للتجمع ولنساء المدينة،
وفقاً لمديرة تجمع معاً نحو القمة، مضيفةً: «شارك تجمع معاً نحو القمة بمعرض للأشغال اليدوية، أقيم في ريف مدينة جسر الشغور، كما عمل على تخريج دفعات من المتدربات في كافة المجالات والدورات التي أقامها التجمع، بإشراف نخبة من المتطوعات اللواتي يتمتعن بكفاءات علمية وعملية وإنسانية بالدرجة الأولى، وهذا ما يعبر عن الرقي الثقافي والاجتماعي للمرأة».
وعن واقع حقوق المرأة في محافظة إدلب في الوقت الحالي قالت مديرة تجمع معاً نحو القمة: «المرأة غير قادرة في ظل الظروف الحالية على ممارسة حقوقها أو المطالبة بها، فحق التعليم يعتبر أساسياً وضرورياً، ولكنه لا يُطبق كما يجب، بسبب الواقع الأمني والاجتماعي الحالي، وكذلك حقها في ميدان العمل، والذي تعتبر ممارسته أصعب من التعليم لما تعاني منه المرأة من تهميش، أما الحقوق السياسية وحق المرأة في الانتخاب أو الترشح للانتخاب فتكاد تكون معدومة، وللأسباب السابقة ذاتها، بينما تعد الحقوق العائلية أكثر الحقوق التي يمكن للمرأة ممارستها، وذلك لأنها تمارس ضمن حدود المنزل والعائلة».
ويعد تثقيف المرأة في كافة مجالات الحياة، وتوعيتها، عن طريق المراكز الخاصة أو الدورات أو الندوات، وكسر القيود التي فرضت عليها، والتحرر من الواقع، من أهم الحلول التي تساعد المرأة في محاولة استرجاع حقوقها، بحسب مديرة تجمع معاً نحو القمة (معهد المجد)، والذي يعد الوحيد في مدينة جسر الشغور من حيث اهتمامه وتركيزه على دعم المرأة وتأهيلها.
ويختلف رأي أهالي المدينة حول حقوق المرأة، فواقع الحياة المفروض عليهم، وحالة الخوف من وعلى المرأة، جعل الكثير منهم ينساق وراء الأفكار التي تجعل للرجل سلطة على المرأة، وذلك بذرائع دينية وأخلاقية غير حقيقية، يفرضها المسيطرون على المدينة، واللافت أن هذا الانسياق بات موجوداً حتى ضمن صفوف النساء، كحال «سمر» التي ترى أن دور المرأة يقتصر على القيام بأعمال المنزل، وإقامة دورات شرعية للنساء لتعريفهن بأساسيات الدين والشرع، وباعتقادها أن وجه المرأة عورة، وصوتها عورة، واختلاطها مع الرجال سواء في العمل أو غيره حرام، وبذلك فإنه لا يحق للمرأة أن تمارس العمل خارج حدود منزلها وزوجها أو أهلها أياً كان هذا العمل، فهي لا تؤمن بالمراكز والمعاهد التي تعمل على توعية المرأة، إلا في ما يخص تعليمها القراءة والكتابة وتربية أطفالها.
والمرأة من وجهة نظر «سمر» لها عمل أساسي، يلغي كل ما سواه من حياتها، وهو تربية أولادها والاهتمام بزوجها، وهو فقط ما يتوجب عليها القيام به.
أما «فاطمة خضر» والتي حرمت بعد زواجها من أبسط حقوقها، ولا سيما حقها في العمل، وهي التي تحمل شهادة جامعية في اللغة الفرنسية، وترجع فاطمة حرمانها هذا لتماهي زوجها وبدون تفكير مع الأفكار المتشددة، التي طرأت مؤخراً على المحافظة، وخوفه من القائمين على المدينة، لا إيماناً منه بفكرة معينة، وهو ما تعتبره جهلاً منه، على حدّ تعبيرها.
وتأمل «فاطمة» أن يتحسن الواقع الاجتماعي في المدينة، وأن تقام ندوات توعية، ومراكز خاصة لدعم المرأة، لما لها من تأثير على المرأة من الناحية النفسية والاجتماعية، فهذه الندوات والمراكز من شأنها أن تزيد من ثقة المرأة بنفسها، وتشعرها باهتمام المجتمع بها، مشيرةً إلى أن إقامة مثل هذه المشاريع والمراكز يحتاج إلى ثقة كبيرة وإرادة وقوة لتحدي الواقع المفروض، وهو ما يقود إلى زيادة الوعي بين الأهالي، وبالتالي سيؤدي لاستعادة المرأة لحقوقها.