حكي لي العجوز عن بطل من داريا في غياهب فرع فلسطين

10897097_850394321679451_3552383203682886680_n

46 سجينا عراة..عراة كما قد ولدنا بقينا شهور طويلة ونحن على هذه الحال، يتأكلنا الجرب والأمراض الجلدية، كسور العظام والجروح المتقيحة من جراء التعذيب، القذارة المنتشرة على الأجساد كموت مؤجل والصراصير التي تملأ الأرض والجدران.

الزنزانة التي لا تزيد مساحتها عن سبعة أمتار مربعة تضيء بوجه شاب قوي البنية لم يتجاوز الثالثة والثلاثين من العمر.. يرفع عجوزا مريضا في السبعين من عمره بيديه الى فتحة صغيرة في السقف لكي يستطيع التنفس فالجو خانق والهواء شحيح.

يقول الشاب للعجوز: ” أنت مثل أبي يا عماه فلا تستحي مني وسأعتني بك حتى تخرج من هنا حيا، لا تخف لن يقتلوك أما أنا فلن يتركوني حيا، سيقتلونني.. أعرف أنهم سيفعلون، لأنني قتلت الكثيرين منهم كانوا ضباطا وجنودا حاولوا أن يدخلوا بدباباتهم وأسلحتهم مدينتي داريا، لم يكن بوسعي أن أسمح لهم بذلك، لست نادما على قتلهم ولست خجلا ولا خائفا ولو قدر لي أن أعاود قتلهم لفعلت من جديد، وما كان بإمكانهم أن يمسكوا بي حيا لولا أن خدعني أحد المنشقين المتعاونين مع النظام وأوقعوني بإحدى الكمائن، ولي طلب منك يا عم إن خرجت أن تتصل بوالدتي وتخبرها بأنني قمت بواجبي وأنا راض عما فعلت وهو شرف لي ولها في الدنيا والآخرة وإنني فرح بلقاء ربي ووصيتي لها أن لا تبكي علي لأنني مت كما أريد”.

ساعات قليلة فتح باب الزنزانة وسحب الشاب، ومن فتحة صغيرة في الباب كان الرجل العجوز ينظر الى الشاب المقيد وهو مشبوح أمام جلاديه يسومونه العذاب ويطلبون منه أن يقول “بشار ربي” وسيخففون عنه عذابه لكنه ينتفض ويرفض ويقول “اقتلوني.. منيتكم على حذائي وسيسقط بشار ولو بقيت امرأة واحدة ستقاتلكم”

تقلع أظافره ظفرا ظفرا وتفقأ عينه وهو صابر صامد، يسحبونه الى غرفة أخرى فلا يستطيع العجوز أن يسمعه ولا أن يراه، بعد قليل يفتح الباب ويطلب من السجناء الخروج ليروا مصير هذا الإرهابي والذي هو مصيرهم، كان ممدا في ظلام الممر هادئا كحلم ينتظر.. لقد قتلوه..

لم يتمالك العجوز نفسه وانحنى على الشاب وقبله من جبينه فسارع أحد السجناء وسحبه محذرا له فقد يقتلوه لتصرف كهذا.

بعد شهر من الحادثة أخلي سبيل العجوز فاتصل بوالدة الشاب، جاءته مسرعة قالت له حين رأته:

“أعرف أنهم قتلوه لقد أحسست به في تلك الليلة وما جئت إلا لكي أشم رائحته فيك وإني لأحتسبه عند الله من الشهداء” ومضت المرأة كأنها صخرة أو جبل ولم تذرف دمعة واحدة.

قال لي العجوز: على النساء والأطفال والرجال أن يقاتلوا هؤلاء المجرمين بالحجارة بالعصي بالحديد بأي شيء.. إنهم ليسوا بشر يا ابن أخي..ومسح دمعة سقطت من عينيه.

الشاب: إياد رأفت مصطفى حاج إبراهيم من داريا

العجوز: علي محمد الشمالي من سراقب

المكان: فرع فلسطين في دمشق

التاريخ: 11/5/2013

تحرير زيتون