حلب تحترق بذكرياتها الرمضانية

خاص زيتون
 
مدينة حلب السورية واحدة من البلدان التي ظلت تتردد على ألسنة الجميع قبيل الثورة السورية وبعدها، فقبيل عام 2011، كانت تتفرد بتقاليد مميزة عن مثيلاتها من البلدان العربية، لما بها من عادات قديمة وعريقة يلتزم بها أهلها في رمضان.
 
بعد اندلاع الثورة السورية باتت حلب تتردد على ألسنة الجميع، لكن تلك المرة لكثرة مجازر النظام السوري بأهلها.
 
مضى رمضان على أهالي حلب الأعوام الماضية مع القصف والمجازر الدامية بحق أهلها الذين طالما حاولوا الهروب من واقع الألم المرير إلى أجواء الشهر الفضيل.
 
زادت الحرب من جراح الحلبيين هذا العام بعد تهجيرهم من مدينتهم الحبيبة ما زاد من افتقادهم للكثير من الأيام المباركة، خاصة أنه شهر اعتادوا فيه على ممارسة عادات وتقاليد كثيرة، ورثوها عن أجدادهم واستمروا في هذه العادات إلى يومنا هذا.
 
ومن تلك العادات العزيزة على القلوب ما كانت نسوة حلب تطبخه في اليوم الأول من رمضان، بأن تكون طبخة ذات لون أبيض وخاصة تلك المعروفة ب “الشش برك” لأن الناس يعتقدون أن افتتاح الشهر بأكلة ذات لون أبيض سيجعل باقي أيامهم بيضاء.
 
وتختلف سفرة رمضان في حلب عن غيرها في بقية المدن السورية، حيث تضم مختلف أنواع الطبخات والمشروبات التي توضع على مائدة الإفطار اليومية، ومن العادات الاجتماعية المتعلقة بهذه السفرة أنه لا يجوز على المفطر أن يجلس مع الصائمين ويتناول الطبخات بل عليه الانتظار حتى ينتهي الصائمون ليباشر هو الأكل.
 
وتتبادل العائلات فيما بينها زيارات متكررة خلال هذا الشهر، تحت تسمية “الرمضنة”، ويهنئ الأهالي بعضهم بقدوم الشهر ويقولون: “جينا لعندكم حتى نرمضنكم”، وقد تعاتب المرأة جارتها التي لم تزرها بالمناسبة قائلة: “ليش ما جيتوا رمضنتونا؟”.
 
أمّا العادة السائدة بين السوريين بما فيهم أهالي حلب، أن يهدي الجيران لبعضهم أكلات طبخوها للإفطار، وتسمى “السكبة”.
 
كذلك المسحراتي الذي يجوب حارات وأزقة حلب، ويصدح صوته عالياً وينادي يانايم وحد الدايم” وفي آخر أيام هذا الشهر: “ودعوه ثم قالوا له يا شهرنا منا عليك السلام”.
 
الألم الحقيقي تحكيه أسواق حلب، التي أصبحت اليوم رماداً، بعدما كانت تبدو بأبهى حلتها، فالأسواق لا تغلق ليلاً بل تظل مفتوحة حتى موعد السحور لأن التسوق يصبح ليلياً بسبب انهماك النسوة بإعداد أشهى الطبخات والأكلات الخاصة في النهار.
 
ومن التقاليد الرمضانية بالمْدينة أيضاً بقاء مصابيح المآذن في الجوامع والمساجد مضاءة طوال أيام شهر رمضان.
 
ورغم ظروف المدينة وريفها يحرص أهالي حلب على المحافظة على تقاليدهم في إحياء طقوس شهر رمضان، فما تبقى من أسواق حلب تشهد بعض من الحركة رغم ارتفاع الأسعار.
 
حلب التي تم تصنيفها كعاصمة للثقافة الإسلامية في عام 2006، تعرضت معظم مساجدها للدمار الكامل ومن أشهرها المسجد الأموي الكبير ومدرسة الخسروفية، فالمدينة باتت منكوبة، لا تستطيع حتى استقبال شهر الصيام، فيما يعجز ما تبقى من سكانها حتى اليوم عن القيام بشعائرهم وطقوسهم الدينية.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*