داعش: كيف وصلت ونخرت الثورة السورية

 

عبر متابعة وسائل الإعلام الغربية عموماً، والفرنسية خصوصاً، بات واضحاً بعد انتهاء السنةBzvokkuIgAA_1D_الرابعة من عمر الثورة السورية اليتيمة، وجود انحراف بتقديم المشهد الإعلامي. فقد استبدلت وسائل الإعلام التي تؤثر في الرأي العام التركيز على العصابة الحاكمة في قصر الشعب لتقديم جرائم التطرف السنية فقط. هكذا تم نقل الجمهور من مشاهدة ما تفعله العصابة بالمدنيين من قتل وتدمير ممتلكات إلى ضخ مركز لكل مقاطع العنف التي قام بها متطرفون من تنظيم داعش الإرهابي وغيره من المتشددين. كما أنها تناست عن عمد توضيح كيف أن الرئيس السوري هو الذي سمح بإطلاق سراح المتطرفين من السجون السورية في الأشهر الأولى لبداية الثورة بقصد إغراقها وحرف مسارها بمشاريع ليس لها علاقة بالحرية والكرامة والمطالب الشرعية للسوريين. كما أن غياب الأمم المتحدة ومجلس الأمن عن الاضطلاع بمهاتهما، في ظرف ومكان يعج بتناقض المصالح الدولية المهيمنة على مسرح الأحداث بالعالم، كان سبباً آخر في وصول الثورة السورية إلى ما وصلت إليه من تطرف وصراعات جانبية قادت إلى استمرار آلة القتل المجرمة لنظام الأسد ومرتزقته وحلفائه من الطائفيين في حزب الله والميلشيات العراقية والحرس الثوري الإيراني.

بدايات داعش
إن ظهور تنظيم داعش لم يكن مفاجئاً، على الأقل للاستراتيجيين السياسيين الغربيين، فمنذ غزو العراق واحتلاله بات المشروع السياسي الذي دعمته الإدارة المدنية مساندة بقوات الاحتلال، التي سقطت أخلاقياً باحتلالها بلداً بعيداً عن حدودها الجغرافية. بناء على تدخل عسكري مباشر غير مسبوق في بدايات القرن الواحد والعشرين حيث تم دعم المكون الشيعي وتخريب النسيج الاجتماعي القائم في العراق، والتنسيق الاستخباراتي مع الدولة الفارسية للحفاظ على “الأمن” في أفغانستان والعراق.
رسخ هذا النهج ما سمي ب (الاستقرار السياسي) على حساب تقسيمات طائفية وإثنية في دولة كبرى في الوطن العربي. جعل هذا الوضع السنة العراقيين يعيشون ظلماً سياسياً، قام بتنميته الإهمال الشيعي الرسمي للشركاء في الوطن، عقب التخلص من دكتاتور العراق، مع شعور باطني واستهانة بمن أصبح خارج المعادلة السياسية في العراق الجديد، وهو يحمل حملا ثقيلا انطلاقا من أن على السنة أن يدفعوا ثمن ما فعله مجرم بشعبه كصدام حسين، كون صدام كان سنياً!! مع العلم أن الطاغية العراقي السابق كان لا يميز بالإجرام بين طائفة وأخرى أو بين قومية وأخرى من مكونات المجتمع العراقي.
الوضع السوري
أما في الحالة السورية فقد حصل أن دخلت المعادلة أطراف لم يقم بدعوتها أحد ممن أوقد الثورة السورية التي رفعت شعارات نبيلة كالحرية والتعددية والمدنية. كما تم في عديد من المناسبات الشعبية والاجتماعات الرسمية مخاطبة المجتمع الدولي ومنظومة ما يسمى بأصدقاء سوريا كي يقوم المجتمع الدولي بواجباته في منع استمرار النظام باستهداف المناطق المدنية بسلاحه الثقيل والطيران. إلا أن المصالح الدولية الخارجية المعقدة والمتضاربة، سمحت للعصابة الحاكمة بإطالة قائمة المجازر وإضافة سلاح الصواريخ الباليستية، ومن ثم تعدي الحدود التي قيل أنها “خط أحمر” لتستخدم السلاح الكيماوي المحظور دولياً، ومن ثم لتخترع أسلوباً أكثر إجراماً وأقل كلفة لتدمير البنية التحتية للسكان عبر القصف بالبراميل المتفجرة باستخدام الحوامات – وهو ما أنكره بشار الأسد في مقابلة تلفزيونية مع صحفي ال بي بي سي. حصل كل هذا والمجتمع الدولي شاهد عيان يكتفي بالتعبير عن قلقه أو عن غضبه..
داعش في المستنقع السوري
إن داعش جزء من منظومة إرهابية تتنامى بشكل طائفي اقترنت مع تدخل طائفي لحزب الله اللبناني الذي يناهض العداء للإسلام السني تاريخياً كما هي حال لواء القدس ولواء أبو الفضل العباس وقوات الحرس الثوري الإيراني وبهذا اعتبرت داعش في عديد من المناسبات من قبل بعض قصيري النظر أنه البديل المناسب ليسد ثغرة الدفاع ضد عصابة الأسد وشركائه الطائفيين فتم القبول بها جسماً غريباً في الثورة السورية لفترة وجيزة ومن ثم قامت الفصائل المسلحة المتمثلة بالجيش الحر بطردها بشكل حاسم وسريع من مناطق كبيرة ومختلفة كما حدث في إدلب وحلب. هنا لابد من القول أن دعم الجيش الحر كان دعماً متقطعاً وبدون أسلحة نوعية وتقاسمته الدول التي ادعت أنها تدعم عملية التخلص من النظام السوري ليأخذ الشعب السوري حقه في الكرامة والحرية، مما أربك تنظيم الفصائل المسلحة لتنضوي تحت هيكل رسمي صاحب كلمة واحدة على كل من يحمل السلاح. بالمقابل سمح لتنظيم داعش والنصرة أن يحصلا على مصادر دخل مستقرة ، كآبار النفط والغاز، وتم استثمارها بشكل فعال وتم للأسف شراء ولاء بعض العشائر في تلك المنطقة مما سمح لها بالتمدد في المناطق الشرقية حيث تقع الثروة الباطنية للدولة السورية.
إن انتعاش تنظيمات ارهابية في المناطق التي أضحت مناطق خارج سلطة العصابة الحاكمة لم يكن فقط معتمداً على المصادر المالية، وإنما لأن الدعم المستمر والمتواصل للجيش الحر، كان شحيحاً ومشروطاً. دفع هذا لاحقا الكثير من الأفراد للبحث عن تنظيمات لا تتبع لجهات تشتري منها ولاء محدداً، وتخضع فيها لإملاءات أجنبية لا تقدم لها سوى الوعود والتصريحات، وهذا دفعها للوقوع بين براثن عصابة البغدادي ومن معه القادمين من جحيم العراق. من جهة أخرى، تتكرر المظلمة السنية التاريخية التي حدثت بالعراق على أرض الشام بينما يقف العالم متفرجاً شاهدا على الدعم اللامحدود عسكرياً ولوجستياً وبشكل علني من قبل روسيا وايران للنظام السوري المجرم. في المقابل، تتعاطى منظمات المجتمع الدولي ومؤسساته مع ما يزيد على ربع مليون معتقل وبضعة ملايين من الناس تشردوا وتهدمت بيوتهم وانقطعت مصادر رزقهم وباتوا بين ليلة وعشية سكان خيام يستدرّون عطف العالم المتمدن الداعي للحريات والشعارات النبيلة وأقصى ما يقوم به أولئك هو إطلاق شعارات تعبر عن القلق والإدانات. مع العلم أن من المقارنات المؤلمة أن سجن الباستيل الذي يعتبر رمزاً للطغيان والقسوة الوحشية كان لا يحوي أكثر من 13 شخصاً فيه عندما استشاط الفرنسيون ضده وقاموا باقتحامه.

ماذا يريد الثوار في سوريا
وهذا بحد ذاته دفع لحالة من الإحباط واليأس بين كثير من الثوار الأوائل السلميين الذين كانوا يثقون بالشرعية الدولية لتقيهم شر عصابة الأسد وفخ تشرذم البلاد في ظل فوضى انتشار السلاح ليصبحوا من حملته أو الذين لا يمانعون في حضوره على أقل تقدير.
لقد أحرج الموقف الدولي الثوار المدنيين إحراجاً كبيراً خصيصاُ بعد تصريحاتهم النارية ضد عصابة الأسد ودفعهم ليخوضوا معارك خطيرة لكن خاسرة في مواجهة المتشددين بالنيابة عن المجتمع الدولي الذي أعطاهم الوعود بأنه لن يسمح بما وصلت اليه البلاد من دمار وتشريد ودماء. لكن هذا المجتمع الدولي لم يكلف نفسه وجيوشه إقامة منطقة حظر طيران ولا زود السوريين الثائرين بمضادات الطيران تمكنهم من رد شر الطيران الأسدي وتغوله في قتل المدنيين ودمار ممتلكاتهم، ولو فعل ذلك لجنب السوريين تشريد الملايين وجنب حملات التسول التي تنظم باسمهم في كل فترة وحين، وهذا أمر مهين مهين للسوريين.
في هذا السياق، يريد السوريون أن يحصلوا على كشف حساب أخلاقي ومالي وقانوني عن ما قدمته المنظمات الدولية الرسمية وخصيصاً تلك التي ادعت أنها صديقة وداعمة لطلبات الشعب السوري الشجاع والباحث عن الخلاص من سيطرة العصابة المجرمة والدموية التي حكمت سوريا لعدة عقود واعتبار ذلك ديناً رسمياً عليها سيعيده حتى لا يتدخل الداعم الاقتصادي في الخيارات السورية التي ينبغي أن تبق داخلية مهما شاع أنها مفككة والسبب قطعاً اختلاف مصالح الداعمين لفريق دون آخر، وهم يدركون كل الادراك أن الثمن والفاتورة يدفعها السوريين المدنيون مزيداً من التدمير والدماء، بناء على اختلاف مصالحهم.

عبد الكريم أنيس