دور الهيئة الإسلامية للقضاء في إدلب

زيتون – ربيع زيتون 

بدأ تشكيل محاكم الهيئة الإسلامية مع نهاية عام 2013، بعد أن كانت باسم مجلس للقضاء ما لبثت أن أصبحت الهيئة الإسلامية لإدارة المناطق المحررة التي عادت لتقتصر فيما بعد على القضاء فقط.

وتتألف الهيئة الإسلامية للقضاء من رئاسة الهيئة، (وهي المرجعية العليا للمحاكم المنبثقة عنها) ومكتب التفتيش القضائي ومكتب المتابعة والنيابة العامة والديوان العام ودواوين المحاكم الفرعية والأصلية والقوة التنفيذية والأمنية في المحاكم والهيئة العامة.

وتتألف محاكم الهيئة الإسلامية التي بلغ عددها 11 محكمة موزعة في مختلف مناطق ريف إدلب من محاكم تمييز ومحاكم صلح ومحاكم فرعية تحوي غرف صلح، وكاتب العدل.

وعن دور محاكم الصلح قال المحامي”مالك الشيخ حسن” لـ “زيتون”: محاكم الصلح مهمتها الإشراف على المخافر التابعة لها، والتي تقوم بدورها بضبط الأمن في مناطقها، وتنفيذ مذكرات التبليغ الواردة إليها من محاكم الهيئة الإسلامية، ومؤازرة قضاة الصلح في المحكمة في تنفيذ المهام الموكلة إليهم بالإضافة للتحقيق في الجرائم وتنظيم الضبوط، وتتألف محاكم الصلح بحسب المستشار القانوني في الهيئة الاسلامية “مصطفى رحال” من:

1- غرفة الأحوال الشخصية وتختص بالدعاوي المتعلقة بعقود الزواج والنسب والطلاق.. الخ.

2- غرفة الجنايات تنظر “بجرائم القتل والسرقة تامة الأركان والحرابة والتعامل مع النظام.. الخ.

3- الغرفة الجزائية وتتضمن دعاوي من “مشاجرات وحوادث سير وغصب عقارات وكل تعدي على حقوق الآخرين من سرقات واختلاس وما يتعلق بالحدود”.

 4- الغرفة المدنية: وتختص بالدعاوي المتعلقة بالدعاوي العينية والشخصية العقارية والأضرار الناتجة عنها والمنازعات على الأموال والعقود وتصفية التركات والمخارجة.

ولكل غرفة رئيس يكون قاضي  وشرعي في آن واحد، ومعه مستشار حقوقي من نفس درجة القاضي وكاتب ضبط للجلسات.

%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%88%d9%86

رفع الدعوة وإجراءات المحاكمة

وقال القاضي السابق والمحامي العامل حالياً في محاكم الهيئة “محمد هلال”: “إن رفع الدعوة تبدأ بواسطة صاحب العلاقة أو وكيل عنه، ويتم تسجيلها في الديوان لإعطائها رقم وتصنيفها حسب الشكوى إما مدنية أو جزائية أو أحوال شخصية، ومن ثم ترسل تبليغات للمدعى عليه حسب مكان إقامته وإن لم يستجب يوجه له إنذار ومن ثم يتم جلبه إلى المحكمة.

وعن إجراءات التبليغ قال “رحال”: أصبح التبليغ في المحاكم أقسى وأصعب من ذي قبل، فقد كان سابقاً من يتبلغ بالذات يعتبر بحكم الٌمبلغ، أما الأن فيتبلغ بالواسطة وبعدها بمذكرة دعوة، يليها إنذار ومن ثم إحضار عن طريق محضرين خاصين بالمحكمة، وفي حال جاءت المشروحات بأن الشخص المراد تبليغه خارج سوريا، تحال التبليغة إلى التحقيق ليتم دراستها عن طريق الشرطة أو الكتيبة الأمنية الموجودة أو مكتب الدراسات وهم عبارة عن شرطة مختصين ليتم التحقيق بها.

وعن كيفية سير مراحل المحاكمة أضاف “رحال”:

تعمل المحكمة بنظام الجلسات، فبعد تقديم الدعوى إلى القاضي يأمر بتقييدها في سجل الأساس ويتم تبليغ المدعي والمدعى عليه وتحديد موعد للجلسة والتي قد تتطور إلى عدة جلسات، وبعد انتهاء الأطراف من تقديم ما لديهم من دفوع  يتم النظر بالدعوى عن طريق المستشار القضائي لمراجعة الأمور الشكلية والإجرائية فيها، ومن ثم تحال للشرعي لإصدار الحكم النهائي، وأي قرار يصدر قابل للتمييز والاستئناف في المحكمة العليا تنظر في الأحكام المميزة.

مصادر التشريع في محاكم الهيئة الإسلامية

تعتمد الهيئة الإسلامية على الشريعة الأسلامية في القضاء وعن اختلاف مصادر القوانين المعمول بها وعدم تدوينها كنصوص محددة وتعامل القضاة معها يضيف “رحال”: بعد استلام القاضي للدعوة يقوم بتكييفها شرعياً، وفي المناقشة والتطبيق القضائي والشرعي، لابد من وجود دليل شرعي من الكتاب والسنة النبوية أو قواعد الفقه الإسلامي، لذلك تجد أن أغلب كوادر الهيئة الإسلامية بشكل عام هم من حملة شهادة الشريعة والحقوق، كما أن جميع المستشارين يحملون شهادة بالحقوق، أما القضاة فهم من حملة إجازة بالشريعة أو دبلوم أو ماجستير وحتى دكتوراه بالشريعة الإسلامية.

ويتابع: بالنسبة لسجل القانون المدني يتم التعامل عن طريق مجلة الأحكام العدلية وهي قانون صدر قديما عن الدولة العثمانية، ولكن صلاحيته جيدة ويمكن إتباعه، كما يتم الاستعانة بالقانون العربي الموحد الذي اعتمدت المحاكم بعض مواده الجيدة وتركت ما فيه من خلل.

 كما لفت “هلال” إلى أن الهيئة أوقفت العمل في كثير من القوانين المعمول بها لدى محاكم النظام، مثل قوانين إخلاء الإيجارات القديمة وما يخص أراضي الإصلاح الزراعي أو أراضي الانتفاع والتي يُمنع النظر فيها حالياً، ولكن هناك إعادة لقراءتها، ولكنها تبقى في إطار الاجتهادات حسب الظروف الآنية.

الجهات المختصة بإصدار التشريعات

يتم كتابة التعاميم وتشريعها وإصدارها من قبل المجلس العلمي في الهيئة الإسلامية بحسب ما أفاد به “رحال”، كما يتم من رئاسة الهيئة ومكتب المتابعة ورؤساء غرف التمييز وبعض رؤساء محاكم البداية الذين يتشاورون بتقنين بعض المواد الإجرائية وإصدارها بموجب تعاميم أو قرارات.

وأضاف المستشار: “إن المواد التي تعتمدها الهيئة الإسلامية هي الشريعة الإسلامية ومواد الشريعة الإسلامية ليست مقننة في قانون أو في كتاب معين بل هي منتشرة في مجموعة هائلة من الكتب الإسلامية الفقهية”.

العقوبات وتنفيذها واستئنافها

وحول ذلك قال “رحال”: إن إقامة الحدود الشرعية في الدعاوى الجزائية متوقفة حالياً، باستثناء جرم القتل الذي يعتبر القصاص مرجعية له ويستعاض عن الحدود بالتعذير والسجن ولاسيما أن السجون مضبوطة بشكل مقبول.

يؤكد “الشيخ حسن” على أن كافة قرارات المحاكم قابلة للتمييز والاستئناف، وفي حال اكتسابها الدرجة القطعية بإمكان المحكوم له تنفيذ القرار عن طريق دائرة التنفيذ التابعة للهيئة والذي يكون رئيسها بمرتبة قاضي، مشيراً إلى أنه في حال عدم  التنفيذ سلمياً يمكن الاستعانة بالقوة التنفيذية المتمثلة بالشرطة الحرة أو الشرطة التابعة للهيئة الإسلامية أو المخافر العادية، وتسهيلاً لذلك تم اعتماد “وكالات الخصومة “.

وأضاف: وفي حال تم الطعن من أحد طرفي الدعوى بالقرار الصادر عن محكمة الدرجة الأولى، يحال ملف الدعوى إلى محكمة التمييز، وتنظر كل غرفة حسب اختصاصها في أسباب الطعن وتدرس الدعوى وتناقش أسباب الطعن.

وعن مدة الطعن والاستئناف يقول “الشيخ حسن”: الأحكام الصادرة عن محاكم الدرجة الأولى قابلة للطعن بالتمييز، ويكون الطعن خلال 15 يوم من تاريخ صدور الحكم وتبليغه لطرفي الدعوى ، أما إذا كان الحكم وجاهي أي بحضور طرفي الدعوى أمام القاضي فيبدأ مباشرة بعد الحكم ولمدة 15 يوماً، أما الأحكام الصادرة عن محاكم التمييز تكون مبرمة.

ويتابع: إذا وجدت محكمة التمييز أن قرار محكمة الدرجة الأولى صحيحاً، تُصدق القرار كما هو ويُصبح القرار مبرم قطعي، أما إذا وجدت أن القرار غير مصيب وفيه أخطاﺀ أو شك فإنها تفسخ القرار وتوجه محكمة الدرجة الأولى إلى تلافي الخطأ وتعيد الدعوى إليها مرة ثانية، وبعد أن تنظر محكمة الدرجة الأولى بتوجيهات محكمة التمييز تُبلغ أطراف الدعوى للحضور والمحاكمة، وبعد صدور القرار يمكن الطعن به مرة ثانية وتجري عليه ذات الخطوات السابقة.

الوكالات

يؤكد “الرحال” على حق أي طرف من أطراف الدعوى توكيل من ينوب عنه بالحضور سواء أكان محامياً أو شخصاً آخر “وكيل خصومة “.

ويمكن للوكيل المرافعة والمدافعة وتقديم الدفوع وتصوير الأضابير والقيام بكل ما يخص الدعوى.

ويضيف “الشيخ حسن”: إن التشريع استثنى بعض الجرائم التي ارتأت الهيئة أن عمل المحامي غير مناسب فيها “كالسرقة والزنا واللواط والتعامل مع الجيش النصيري والحرابة “وذلك لخطورة هذه الجرائم وبشاعتها.

بدوره يقول “هلال” إن دور المحامي في محاكم الهيئة الإسلامية محدود، أي لا يستطيع أن يتوكل في جميع القضايا، ولا تسمح المحكمة للمواطن بتوكيل محامي، إلا في حالات استثنائية حين ترى أن المواطن لا يستطيع أن يدافع عن حقوقه، فتجيز له بتوكيل محامي، وذلك فقط عندما تكون القضية تمس القانون وليس الشرع، أما بالنسبة لجرائم الحدود من (عمالة – زنى – سرقات… )هناك قرار وتعميم لا يسمح أبدا بتوكيل محامي عن الطرف المتهم.

من جانبه اعتبر “الشيخ حسن” إن المحاكم الحالية تتميز  بالسرعة في إجراﺀات التقاضي، وهي أفضل من محاكم النظام بكثير بهذا الموضوع، ويمكن توكيل محامي بوكالة مسجلة لدى كاتب العدل بالمحكمة الشرعية، وبموجبها يقوم المحامي بكتابة الدفوع عن موكله ويبرز الوكالة ويترافع عن موكله.

%d8%ba%d8%b1%d9%81%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%ad%d9%88%d8%a7%d9%84

وكالات قانونية عبر الواتس آب

بعد أن فرض الواقع السوري نفسه على الإجراءات القانونية المتبعة وضرورة إيجاد حلول مناسبة تتلاءم مع الواقع ولا سيما في حالة النزوح واللجوء والتهجير التي يعيشها السوري، تم الاعتماد على الوسائل التقنية التي تساعد في حل الكثير من المشاكل، ومنها قبول المحاكم بتوكيل الأشخاص قانونياً عبر وسائل التواصل الاجتماعي “واتس آب” كما بيّن المحامي “هلال” إن الوكالات عبر “الواتس آب” هدفها تسهيل الإجراءات القانونية لا سيما بالنسبة للمواطنين المتواجدين خارج سوريا، حيث:

يرسل صاحب العلاقة مقطعاً مصوراً عبر موقع “الواتس آب” يُعرّف فيه عن نفسه ويفوض شخصا آخر للتوكل عنه لدى المحكمة بأمر محدد، ويظهر الموكل في نهاية المقطع هوية أو جواز سفر إثباتاً لشخصيته، يعرض المقطع على المحكمة للتحقيق فيه وتثبيت الوكالة بحضور شاهدين.
 

ولاقت هذه الخطوة ترحيباً كبيراً بين الأهالي حيث يقول “يسار نصار” أحد معقبي المعاملات في مدينة إدلب “لقد حلت هذه الخطوة الكثير من المشاكل التي كانت عالقة بسبب نزوح أكثر من نصف السوريين إلى خارج البلاد وخاصة في معاملات البيع والشراء، فقد كانت العديد من المعاملات متوقفة كلياً لصعوبة حضور الأشخاص المطلوب تواقيعهم عليها”.

التدخل والعلاقات بين المحاكم والفصائل المسلحة

تتبع محكمة الهيئة الإسلامية في بنش لحركة أحرار الشام وفيلق الشام ، ويتم تعيين القضاة من رئاسة الهيئة نفسها، بحسب “هلال”، مشيراً إلى أن هناك مذكرات تفاهم بين المحاكم والمخافر في بعض المناطق، كما توجد مخافر تابعة للهيئة، يتم التعاون فيما بينها وبين الفصائل المتواجدة، الأمر الذي أشاد به “رحال” وشدّد على أهمية التعاون بين الهيئة والشرطة الحرة في تنفيذ قرارات الهيئة الإسلامية، نظراً لتوفر كادر جيد له القدرة على العمل يداً بيد مع الهيئة.

كما نوه “رحال” إلى أن الأمنيات التابعة للهيئة مكلفة بمؤازرة دائرة التنفيذ، وأنه تم مؤخرا استحداث مكاتب خاصة تابعة للهيئة الإسلامية في تركيا مهمتها خدمة السوريين اللاجئين في تركيا فيما يخص “تثبيت زواج والطلاق وسندات العدل وشهادات الولادة ووكالات خاصة ودائرة عدل كاملة”، كما وضمت مؤخراً الهيئة الإسلامية محكمة الساحل في اللاذقية ومحكمة ريف حماة ومحكمة الحولة حمص.

وتجدر الإشارة إلى وجود محاكم دار القضاء في محافظة إدلب تابعة لجبهة فتح الشام في مناطق مشتركة مع محاكم الهيئة الاسلامية ولها استقلالها التام.idlab-300x192

هذا ويبقى القضاء من أهم مؤسسات استقرار المجتمع وعليه تبنى حياة المواطنين ومن هنا جاءت مقولة “العدل أساس الملك”، ورغم المحنة التي يمر بها السوري إلا أنه ما يزال يأمل في تطور عمل ونظم مؤسساته التي تحكم حياته ومصالحه.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*