“ســهـام منـصـور” أهـدت الـحصــان الـعـربـي ألـوانـهـا

???????????????????????????????

لم يكن حصولها على المرتبة الأولى في مسابقة القبول لكلية الفنون الجميلة بدمشق عام 1970 حافزها الأكبر والذي زاد من طموحها واندفاعها في عالم الرسم والتصوير لتبدع حتى وهي خلف منصب لوحات التصوير أجمل لوحاتها .
تلك اللّوحات التي كانت قد بدأت بتلصيقها بشكل مبعثر على جدران منزلها في مدينة حمـاة فَرِحَة فيها كما يفرح الطفل بلعبته الملوّنة صبيحة يوم العيد، فكانت تدعو خلّانها وأترابها وأقاربها لتشرح لهم الأمكنة المرسومة في اللّوحات الورقية، والمستمدّة مواضيعها أساساً من حَواري حماة وأزِقّـتها المظلّـلة دائما بشجر أخضرٍ وأرفٍ تتشابك أغصانه مع أعمدة الهاتف والكهرباء المتهالكة هنا أو هناك، تربط بينها أسلاك متدلّية بحنانٍ لكنها تشعرك بترابط حميمي في مواجهة عوامل الطقس والتعرية صيف شتاء .
وغير بعيد عنها تلاحظ استدارة دواليب النواعير الشاهقة ودورانها الشاقولي حول نفسها محمّلة بِـدِلاءِ الماء المنسكب والذي يزيد طهـر هيكلها الخشبيّ ويتساقط على شكل شـلّالٍ مترافق بعَـنيـنٍ دائـم ونَـوْح يشـبه صوت المستغـيث .
ولا غرابة إن كانت موضوعات لوحاتها مرتبطة دائماً بالأماكن القديمة والتراثيّة التي تعبّر عن التصاقها بالعادات العربية من كَـرَمٍ نَـلحَظه بالأبواب المشرّعة والنوافذ المفتوحة على مصاريعها والمنعكسة ظلالها على تكسّـر جريان موجات نهر العاصي المتعرّج .
وغير بعيد عن هذا الجو اليعربي ــ ولا نقول البدوي ــ كان لابد للفنانة سهام منصور أن تلحظ جمال المُـهـرَةِ العربيّـة وهي تركـض مع أقرانها على شاطئ نهر العاصي، يمتطـي صهواتها الفرسان الشّجعان في سباقات وديّـة تعيد للأجيال السالفة الفخـر بالحصان العربي الأصيل الذي حرص على سـلالتـه انسان محافظة حـمـاة، بل في سورية كلها .
لذلك وجدنا الرسامة سهام منصور تتعلق بالمهرة اللاّفتة والحصان الجموح في مضامير السباق متتـبّـعة باهتمام , وبعين الفنان حركات القفز واستعراض جمال الحصان في أبهى الصور .
ولقد انشغلت سهام منصور بالفارس وبالفرس وأسقطت مواضيعها بشكل مترافق للأحداث السّيـاسيّـة في سوريا، بل وفي الأمة العربية كلها وما تبعها من انتصارات « نـادرة « أو إنكـسـارات متـواليةٍ جعلت من حصانها الشّـامخ ــ سابقاً ــ منكّس الرأس حاليّاً شاكياً مثيراً، ومستفزاً لما حوله من الأمم لعلّها تستفيق من كبوتها وتنطلق ثائرة أو طالبة لثأرٍ من حاكمٍ ظالمٍ أو عدوّ مغتصب .
لم يكن تخرجها من الكلية عام 1974 ليرضي طموحها الفنيّ في ايجاد مهنة التدريس في المعاهد والمدارس بقَـدَرِ ما هدفت اليه من تخصّصٍ ولو بعد أكثر من عشرة سنوات. فكانت أطروحتها التخصصية متابَعَة الفوارس وساحات السباق مضيفة اليها التفاصيل والتعمّق التشريحيّ الخارجي لعضلات القوائم الأربع للحصان أثناء الترويض والجّريِ أو في السكون، وهذا ما دفع عين الناظر المتأمل بجمال خلق الله ومنهم كانت عين فنانتنا التي افتتنت بجماله .
ولاغرابة في ذلك، ألم تكن « الجّـياد الصّافـنات « مثار عجب واعتزاز لسيدنا سليمان ؟ وذلك عندما اندهش منها وكادت أن تشغله بجمالها عن ذكـر ربّه قبل أن يأخذ بالنواصي والأقدام ؟.
هذا من حيث الموضوع الذي غلب على أعمالها والذي اعتمدت هي في تنفيذها بألوانٍ وبتقنيات متعددة تتطوّر وتتبدّل بين مرحلة من الإنتاج وأخرى، بحيث تواكب التجارب والمدارس المحليّة والعالمية وتضيف لها أبعاداً تطبعها بطريقتها وبمدرستها التي أصبحت معروفة ومسجلة باسمها .
فمرّة تبتهج الألوان وتشع من إطاراتها، ومرات تخفت وتختزل بعضها لتتحول إلى جوٍ صوفيّ أشـبه بسكون المعابد والمقابر ,وهذا ما نلاحظه في لوحتها عن القنيطرة أو عن رحلتها الى الديار المقدّسة سعياً لفريضة الحجّ، وفيها نجد التصوّف والهدوء، وأيدي الدعاة المرفوعة باتجاه القبلة والسماء.
لقد اعتمدت الفنانة سهام منصور في مسيرتها الفنيّة الطويلة طرقاً وأساليب متنوعةٍ بدأتها بالتسجيلية والانطباعية، كما ساهمت بلوحات وطنية وقومية هادفة ومنفذة بشكل رمزي مفهوم وكأنه دعوة أو صرخة في منشور مرسوم يستفزّ أهل الوطن ويدعوهم لمواقف مبدئيّة لا تساوم عليها ولا تحيد .

عبد الرزاق كنجو