“شانزيليزيه” الزعتري.. تجربة سورية قهرت صحراء اللجوء

13494817_505721452952273_7823658311726109380_n

زيتون – أسامة العيسى 

هو رمضان والعيد الرابع لبعضهم والثالث أوالخامس لبعضهم الآخر. لحظات عصيبة ذاتها، وربما أشدة وطأة تمر كحد السيف في كل عام على لاجئي مخيم الزعتري الواقع شمال شرق مدينة المفرق الأردنية. ويلاحظ الزائر للمخيم من طريقه الرئيسي الكائن في مدخله فسحة كبيرة ومتسعاً من النظر وسط الصحراء، لمحاكاة واقع المأساة السورية المحاكاة الأمثل.
مناخ صحراوي حار جداً في أرجاء المخيم والمنطقة القريبة منه، وبرودة شديدة تنحدر في فترات الليل، الأمر الذي يصل بلاجئي المخيم البالغ عددهم وفق آخر الإحصائيات قرابة 82 ألف نسمة إلى معاناة جمة وصولاً لوقت الإفطار في رمضان، ليعقبه توزع عدد كبير منهم في الشارع الرئيسي الواقع وسط الزعتري، والذي يطلق عليه السوريون من باب السخرية اسم “شانزيليزية”، أو ما تعارفوا من باب النكتة على تسميته بـ”شام زيليزية”، وهو في حقيقة الأمر يعد القلب النابض للزعتري منذ إنشائه أواخر العام 2012م.
تعود فكرة التسمية، كما يقول خالد السعد، وهو ناشط في المخيم، في حديث لـ”زيتون”، إلى بدايات تأسيس المخيم، حيث كان يتواجد فيه مشفى ميداني فرنسي في مدخلي الرئيسي، وقد راحت المحال التجارية تنتشر في محيطه فأطلق عليه جنود وأطباء فرنسيون من باب الفكاهة اسم “الشانزيليزية”، ثم درج السوريون على استعمال التسمية بينهم، لتصبح فيما بعد لقباً خاصاً بشارع الزعتري، بعد “الشانزيليزية” الكائن وسط باريس طبعاً.
ويتحدث اللاجئ السوري معاذ السلامة المقيم في الزعتري منذ ثلاث سنوات عن الواقع المرير لحياتهم خلال شهر رمضان، ودور “الشانزيليزية” في التخفيف من معاناتهم قائلا: “إنه حياة متعبة، لم نعش مثلها في بلادنا، كما لم يكن أتخيل بيوم أن أسكن الصحراء ومعي أطفال مدة ثلاث سنوات، ليأتينا رمضان ويزداد الأمر صعوبة”.
ويتابع “أصبحت المعاناة أشبه بمسلسل يومي تعودنا عليه في هذا المكان. بعد الإفطار مباشرة أخذ زوجتي والأطفال لنتمشى في الشارع الرئيسي (الشانزيليزية)، السبب في ذلك بسيط جداً وهو أنه لا يوجد مكان آخر نذهب إليه إلا هذا المكان، فهو البقعة الحيوية الوحيدة في المخيم تقريباً، وإلا فسنبقى في مكاننا ولا نرى لوناً آخراً سوى لون السماء والرمال”.
كما يرى سامر طحيني، أن “الشارع الرئيسي في الزعتري يعد شريان الحياة الوحيدة فيه، وبدونه اللاجئن لا يستطيعون تدبر أمورهم”، ويردف “نحن هنا أشبه بمن يعيش في قفص، وبالتالي فالطائر إذا وضعته في قفص ولم تضع له ماء وطعام وشيء من القش ليشغل به نفسه فإنه سيموت بكل تأكيد..!! هذا الشارع هو مكاننا الوحيد الذي منه طعامنا ولباسنا وشرابنا، وحتى متنفس همومنا..”.
وفي جولة بسيطة في “الشنزيلزية” تبدو الاستعدادات لاستقبال عيد الفطر السعيد وقد بدأت تجد أمكنتها في صفوف البضاعة المنشورة على جانبي الطريق وفي محال تجارية كبرى، أخذ قسم منها شكل كرفات سكنية معدة مسبقاً للسكن، من جملة المساعدات الدولية، ومحال صغيرة أخرى بنيت من ألواح الزنك بشكل يدوي من اللاجئين أنفسهم. ملابس أطفال، حلويات، فراش، تجهيزات عراس، ملابس رجالية، نسائية، جوالات، صالونات حلاقة، ما لذ وطاب من الأطعمة.. إنه المخيم الذي أذهل بقدرة سكانيه على العطاء ورغبتهم في الحياة دول العالم، فراحت تترك لأهل سوريا فيه حرية تدبير شؤونهم الخدمية الداخلية فيه، بإشراف عام من المنظمات المحلية والدولية.
“أم ناجي محمدات”، من ريف درعا، تبلغ من العمر 55 عاماً، تقول لـ”زيتون” إن ما تراه في الشارع الرئيسي للمخيم يذكرها بـ”شارع هنانو”، وهو أحد أهم وأكبر الشوارع الرئيسية وسط مدينة درعا، وكان يعرف عنه اكتضاضه بالحركة التجارية والمرورية خلال أيام رمضان والفترة التي تسبق العيد، وتضيف قائلة: “أدعو الله في كل صلاة أن يكرمنا صوم رمضان القادم في سوريا، وان يلم شملنا ويهجر من هجرنا من أرضنا”.
أكثر من 3200 محل تجاري تتوزع في المخيم، ما يقارب 70 % منها في الشارع الرئيسي فيه الـ”شنزيلزية”. محمد برم، أحد اللاجئين الذين يمتلكون محلاً تجارياً في الشراع، يقول: “في هذه الفترة من كل عام تزدهر الحركة في أجراء المخيم نتيجة اقتراب العيد، في الحقيقة أكثر من 40 % من سكان المخيم يعملون في التجارة، وهذا ما يجعل الحركة حيوية كما هو الآن، وهذا يعتبر شيء بسيط بالنسبة للحركة التي ستبدو خلال الأيام القليلة القادمة وكذلك في فترة العيد..”.
وبين “شانزيليزية” السوريين الصحراوي و”شانزيليزية” الفرنسيين الباريسي، لا يبدو طموح لاجئي الزعتري كبيراً في تطوير شارعهم الذي غدا يضاهي حالياً كبرى الشوارع التجارية الأردنية، بالنظر للإمكانات البسيطة المتوفرة فيه، بل إن أبعد طموحهم كما تقول الحاجة أم خالد حريري، بلهجة أهالي درعا المحلية، هو أن “تعود أيام زمان ويسقط ابن هالحرام والناس ترجع لبلادها”.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*