عاد بعلاج لابنته فكانت نهايته في معتقلات النظام

“محمد عبد الكريم سماق” الشاب الخلوق والمهذب والخجول -كما يصفه أبناء حيه- كان بسيطا، صاحب خلق مهذب، قليل الاحتكاك بالناس، ملتزماً بعمله ولقمة عيشه منذ أن ترك دراسته في المرحلة الإعدادية، وتحول للعمل الحر، ليعمل بأي عمل متاح، همه كسب رزقه بالحلال، حتى كانت نهايته في معتقلات النظام السوري.

محمد من مواليد مدينة بنش 1989، تزوج من ابنة خاله في بداية الثورة عام 2011، وعاشا سوية في مدينته حتى رزق بطفلة من ذوي الإعاقة، اضطرته الظروف بعدها أن يسافر للعمل في لبنان، لتأمين حياة أسرته، لاسيما وأنه يحتاج لعلاج دائم لطفلته.

“وسيم سماق” الأخ الشقيق للشهيد، كان صوته مليئا بالحزن الممزوج بالصبر تحدث عن قصة أخيه، يلملم الكلمات من أعماق رجولته ليطلقها وهو كظيم، لكنها لم تكن لتخفي بحة الوجع والتأثر، قائلاً:

“لأخي محمد ابنة وحيدة اسمها إسراء، تعاني من عدة أمراض منها ضعف النمو ونقص الأكسجين، والحاجة إلى تغيير دمها كل شهرين، مع ضعف بالسمع ولا تتجاوز من العمر الست سنوات اليوم، إضافة إلى كونها من ذوي الإعاقة”.

عمل محمد في لبنان قرابة السنة من 2012 حتى عام 2013، ثم عاد إلى سوريا حاملا علاجا لابنته، ويقول أخوه وسيم: “كانت زوجته عند أهلها في اللاذقية، وأخبرته أن إسراء بحاجة إلى دواء غير متوفر في سوريا، عاد محمد جالبا معه الدواء إلى اللاذقية، بقصد علاج ابنته وزيارة زوجته، وبعد مضي عشرة أيام مع أسرته، انطلق للعودة إلى لبنان، وفي موقف الحافلات في مدينة اللاذقية تم اعتقاله، كان ذلك في 4 آذار 2013، حين وصلنا الخبر من ابن خالي الذي كان يرافقه”.

انقطعت أخبار محمد عن العائلة نحو الـ 5 أعوام، رغم كل مساعي العائلة في البحث عنه، حالهم كحال مئات الآلاف من أهالي المعتقلين، الذين لا يوفرون جهدا في البحث والسؤال عن مصير أبنائهم وعن المعتقلات والسجون التي يقبعون فيها، ولا تثمر تلك الجهود في معظم الأحيان كما حدث مع أهل محمد، غير أن معتقلا خرج ذات يوم من بلدته، وحمل خبرا عنه.

ويردف وسيم: “خرج أحد المعتقلين من أبناء مدينة بنش في عام 2014، فأسرعت في زيارته لسؤاله عن محمد -وهي عادة لدى أهالي المعتقلين يسألون كل من يخرج من السجن إن كان قد رأى ابنهم- فأخبرني أنه التقى به في سجن “مطار المزة العسكري”، ولم يستطع أن يفهم منه شيء، فاللقاء لم يدم أكثر من 15 دقيقة، وكل ما نقله لنا أن أخي يعاني من ضعف شديد، وقد كان ذو صحة جيدة قبل الاعتقال”.

معلومة واحدة وصلت خلال 5 سنوات ومفادها أنه ضعف من تعذيب السجون، وأنه في معتقل مطار المزة، وكان الأمل لا يفارق العائلة، بأن يأتي يوم ويخرج فيه محمد إلى الحياة من جديد، متخلصا من ألوان الموت التي يكابدها كل يوم، حتى أن والده أثناء خروج أهالي الفوعة وكفريا، وصفقة تبادل الأسرى التي أذيعت، كان متفائلا جدا بأن يخرج ابنه، طالبا من أبنه وسيم التوجه لاستقبال المعتقلين المفرج عنهم لقوة أمله باستقبال أبنه.

لم يمضي على أمل الوالد المفجوع عشرة أيام، حتى أتاه خبر استشهاد ابنه، عبر إرسال النظام لشهادة وفاة إضافة لبطاقة شخصية باسم محمد لأهله، كما روى شقيقه وسيم، والذي أكمل: “وصلنا الخبر بتاريخ 26 تموز 2018، حيث أرسل لنا النظام شهادة وفاته وهويته، وقد ورد في شهادة الوفاة أن أخي قد توفي بتاريخ 15 تشرين الأول 2014، أي أنه استشهد بعد عام من اعتقاله، كان الخبر مفجعا للجميع”.

فارق محمد الحياة في معتقلات النظام، تاركا خلفه طفلة ذات إعاقة، تعيش في كفالة جدها المعسور الحال أيضا، محاولاً جهده أن يكون سندا لها بعد استشهاد والدها.

محمد شهيد من شهداء المعتقلات وأمثاله كثر، منهم من تصلنا أخبارهم، ومنهم من لا يدري بهم أحد، يموتون في العتمة دون التفات العالم لهم، رغم معرفة العالم بما يجري بحقهم وكيف يموتون.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*