عبد المجيد شريف: عدم التزام الفصائل وتركيا بمحاربة النصرة سيعطي ذريعة للروس وأمريكا

– على أهالي المنطقة الطلب إلى الأتراك الالتزام باتفاقية خفض التصعيد لتجنيب المنطقة أكبر مجزرة فلم يعد من مكان يرحل الرافضون اليه.

– كان يجمع الشباب الثائر أمل إسقاط نظام مجرم مستبد طائفي دون فكرة واضحة عن البديل، وكان هذا أحد مقاتل الثورة.

– تعمد النظام بالتعتيم والقمع الشديد تعميم الجهل السياسي في صفوف الشباب. – تم جر معظم الشباب إلى الفصائل الجهادية والتنظيمات الدينية، ولم يبق مكان في الداخل للعمل الوطني.

– لقد اعتبر العالم عكس ما كنا نراه نحن حيث كنا نسمي هذه المناطق محررة وكان يعتبرها بؤرة إرهاب.

في وضع صعب يمر به الأهالي في محافظة درعا على وقع القصف والإكراه على المصالحات من قبل الروسي، يعيش اخوانهم في محافظة إدلب وضعا قلقاً ومترقباً من احتمالات توجه قوات النظام وروسيا إليهم، عن العمل السياسي وأهميته، وعجزه عن تقديم أي شيء في الداخل السوري، وعن الموقف التركي والدولي في الخارج، وما يمكن للأهالي القيام به من خطوات احترازية، أجرينا الحوار التالي مع الناشط السياسي “عبد المجيد شريف” المشارك في نشاطات ربيع دمشق وإعلان دمشق، من مواليد ادلب – كفتين 1952:

– ما أهمية العمل السياسي في الداخل السوري برأيك؟ في ظل أداء مؤسسات المعارضة في الخارج؟
أعتقد أن أهم ما يمكن القيام به اليوم هو تجميع القوى المشتتة في الداخل، ومحاولة إيجاد الوجهة الصحيحة لتحركها وتحديد أهدافها بدقة، لقد مثلت المعارضة مؤسسات معروفة مجلس وطني، ائتلاف، هيئة تفاوض، ضمن حالة قطيعة مع الداخل تقريباً، ولا أبالغ إذا قلت إنها فشلت في تقديم أي شيء يفيد صمود الشعب السوري في وجه أعدائه الكثر، ناهيك عن الانتصار الذي ما كان يمكن أن تحققه لأسباب موضوعية على رأسها أنها ليست مختارة من قبل الثوار إنما من قبل دول، هي في الغالب لم تكن تهدف لانتصار ثورة الحرية والكرامة.
في البداية كان يجمع الشباب الثائر أمل إسقاط نظام مجرم مستبد طائفي، دون فكرة واضحة عن البديل، وأعتقد أن هذا كان أحد مقاتل الثورة، أعني ضياع وحدة الهدف، حيث تبين فيما بعد أن هؤلاء الشباب قد انقسموا إلى تيارين، أحدهما قوي جارف يريد نصرة الاسلام ومحاربة الكفار، والآخر يريد إسقاط نظام الاستبداد وإقامة نظام وطني عصري لكل السوريين، لم يكن هذا التناقض واضحاَ في البداية، ولعبت مؤسسات المعارضة دوراً مهماً في التغطية عليه، ولكنه ومع الأيام تحول إلى صراع بين فريقين، غطى في كثير من الحالات على صراع كل منهما مع النظام.
أعتذر اذا كان في هذا الرأي الذي سأورده شيء من التعالي، ولكني أراه حقيقة، فقد تعمد النظام بالتعتيم والقمع الشديد تعميم الجهل السياسي في صفوف الشباب، لذا حين نهضوا لينتفضوا عليه لم يكن في أذهانهم فكرة واضحة عما يريدون، كان المحرك الأقوى هي عواطف ارتباطهم ببيئتهم ودفاعهم عن أهلهم، لذلك فما أن يدخل لهم مغامر انتهازي كلمة إسلام أو سنة أو شريعة في جملة، حتى يبصمها في قلوبهم وعقولهم ويأخذهم بها الى حيث يريد، وهكذا تم جر معظم الشباب إلى الفصائل الجهادية والتنظيمات الدينية، ولم يبق في الداخل للعمل الوطني مكان، حتى صرت تخاف من ذكر كلمة حرية أو ديموقراطية أو وحدة وطنية أو حقوق انسان، وهي الأعمدة التي نالت الثورة في البداية سمعتها الطيبة والدعم الدولي بسبب رفعها.

نعم لقد انتصر التطرف على ثورة الحرية فهان الأمر على النظام.

لقد لعبت وحشية النظام دوراً كبيراً في دفع الشباب بهذا الاتجاه، وهكذا حين تم إخراج النظام من أكثر من نصف سوريا أخرج معه كل الأقليات القومية والدينية والمذهبية وحتى السنية التي لا تشترك مع هذه الفئات التي سادت في الفكر والموقف، وقد اعتبر العالم عكس ما كنا نراه نحن حيث كنا نسمي هذه المناطق محررة وكان يعتبرها بؤرة إرهاب وتوجهت الجهود الدولية ضدنا بسبب ذلك.
وأؤكد على ما سبق بالقول إن كل ما يقال عن مؤامرة دولية ضد ثورتنا وشعبنا أعتبره تبريراً للفشل الذي جرنا اليه هذا النهج، لذا فإن تنظيماً سياسياً قوياً في الداخل يحمل راية الوطن ويعمل على نشر الوعي في صفوف الشباب بعد دراسة التجربة المرة، كفيل بأن يعيد توحيد القوى في وجه النظام المستبد ويعزله تمهيداً لإسقاطه، خاصة وأن هذا النظام قد ارتكب جرائم حرب كثيرة وكبيرة، وأن معظم أركانه مطلوبون إلى محاكم في دول شتى، ويمكن أن يصير هذا الضغط دولياً.

– كيف ترى أداء التجمعات السياسية الحالية في محافظة إدلب؟
لا يوجد تجمعات سياسية في الشمال قامت على أساس هدف محدد واضح، كلها تعلن أنها وجدت من أجل انتصار الثورة السورية، ولكن لم تطرح أي منها خطة لتحقيق ذلك، ولم تستطع أي منها استقطاب الشارع الثوري السوري، أو لفت الانتباه إلى خطر، وجر الناس الى موقف أغلبي لدرئه أو على الأقل للتصدي له، وأقول بصراحة هي في الغالب تجمعات من أشخاص يبحثون عن دور مميز لهم، ويحاولون لفت انتباه الدول الأخرى وعلى الأخص الاتحاد الاوروبي وتركيا، حيث عند الأول شيء يقدمه، وعند الآخر إمكانية تعويم أو عزل من يريد في المنطقة، ولكن جل ما تقدمه هذه التجمعات هو إصدار بيانات مذيلة بتوقيعها.

– ما هي المعوقات التي تمنع من تطور العمل السياسي في الداخل السوري؟
بكل أسف لم يعد ممكناً الحديث عن داخل سورية بالمجمل، لقد أصبح مجموعة مناطق، كل منها لها ظروفها ومشاكلها ومتطلباتها، وبالتالي فان هدف العمل السياسي الآني هو حل هذه المشاكل وتحقيق هذه المتطلبات، ولا يمكن دفع الناس إلى خطط استراتيجية تحمل هم الوطن وتحقق وحدته واستقراره، وهم يعانون في بيئتهم من مشاكل قد لا تتركهم يصلون إلى ذلك الوقت، فهم تحت خطر القتل والتهجير وسلب الأموال، ومع ذلك فإذا لم نقتنع بضرورة الوحدة الوطنية والخلاص من نظام القمع والاستبداد لا يمكن بناء تنظيم سياسي وطني شامل.
لقد فشلت الأحزاب التقليدية وانتهت بما فيها حزب السلطة، وأعتقد أن شعبنا يجب أن يقتنع بفشل الأحزاب الدينية، وعدم قدرتها على توحيد البلد والشعب ورأب الصدوع الكبرى التي حدثت في مجتمعاتنا، ويبقى علينا إقناع الناس بإمكانياتها في تحقيق إرادتها، وبوجوب أن تأخذ دورها وتنضم للعمل السياسي السلمي المنظم والهادف دون انتظار مكاسب شخصية على النهج الذي ربانا عليه النظام واتبعته الفئات التي حلت محله. 

– كيف يمكن تجاوز الضعف الحالي بدور التجمعات السياسية برأيك؟
كل النخب ذات النهج الوطني تطرح تقريباً نفس الأفكار، وتنظم تجمعات متماثلة وبأهداف متشابهة، وتتبع تقريباً نفس طرق العمل، بحيث إذا أخذت أدبيات لأحدها ونزعت اسم التجمع عنها وأعطيتها لآخر، ربما لا يكتشف الأمر مريدو هذا الآخر، فإذا كان بينها هذا التشابه فلماذا تتعدد هذه التجمعات؟
الحقيقة إن تجمعات كهذه ليست سوى دكاكين شخصية، ولكي يكون لنا تجمع وازن قادر على كسب ثقة المواطن ومنحه الحماس للعمل فيه يجب أن يتشكل من القاعدة إلى القمة وليس العكس.
أتصور مبدئياً نخبة من الوطنيين المثقفين المقتنعين بالفكرة، تضع أسساً لمثل هذا التجمع وتطرحه على وسائل التواصل الاجتماعي، وتضم الذين يقبلون الفكر المطروح بشكل عام والالتزام به، تجمعهم في صفحات وغرف وتس وغيرها من وسائل التواصل، ولا أعتقد أن الأمر يحتاج لاجتماعات فيزيائية، ولا سفر ولا مصاريف، وبالتالي لا حاجة لدول داعمة تملي، ويتعهد الذين ينظمون هذه الأمور بعدم الترشح لأي منصب قيادي في الدورة الأولى على الأقل، ثم يتم انتخاب قيادة من هذه المجموعات، بحيث يشعر كل واحد في هذا التجمع أنه مساهم في تشكيله، وهذه القيادة المنتخبة تضع أدبيات وخطط عمل التجمع، هذا تصور مبدئي قابل للتعديل أو الإبدال بآخر أفضل، ولكن المهم تنظيم وطني يعيد وحدة المجتمع السوري المهشمة.
إن تجمعاً كهذا جدير بأن يحل محل مؤسسات المعارضة المنهارة ويجبر العالم على الأخذ برأيه.

– ماهي قراءتك لمستقبل المحافظة على ضوء أحداث درعا؟
لم تعلن حتى اليوم مقررات مؤتمر أستانة، ولكن النتائج التي تأتي تباعا توضح هذه المقررات، لقد تعهدت الفصائل على ما يبدو بتصفية ما يعتبره العالم إرهاباً، وهي داعش والقاعدة والفصائل التي تنهج نهجها، وأعتقد أن فشل الفصائل في تنفيذ ما التزمت به في اتفاقيات وقف التصعيد، ساهم في تخلي العالم عن الضغط على روسيا لإبقائها.
إن محاربة الإرهاب يتم وفق قرارات مجلس الأمن المتخذة بعد تدمير برج التجارة العالمي عام 2001، وهذا أصبح بمثابة قانون دولي لم ندرك أبعاده حين قبلنا الفصائل المصنفة إرهاباً في صفوف ثورتنا، وحتى الائتلاف دافع عنها، وهذا كان سبب تحول الموقف الدولي وليس تآمراً مع إيران ولا خوفاً على إسرائيل، وأظن أنه في اتفاقيات وقف التصعيد تعهدت الفصائل غير المصنفة بإنهاء المصنفة ولكنها فشلت.
وبالنسبة لدرعا فقد ظهر الآن أن اتفاق خفض التصعيد كانت مدته عام واحد، تعهدت بموجبه الفصائل بالتوحد وتسليم معبر نصيب شراكة مع النظام وانهاء داعش (جيش خالد) وسبع نقاط أخرى، فشلت الفصائل في تحقيق ما يخصها، واستغل الروس ذلك كذريعة، مما جعل الأمريكان يتخلون عن ضمان الاتفاق.

اتفاق خفض التصعيد في إدلب ضمنته تركيا عن المعارضة، وواضح بأنها تعهدت بإنهاء فصائل معينة مصنفة ارهاباً، وواضح أيضاً أن تركيا مع هذه الفصائل حاولت القيام بمناورات للالتفاف على هذا التعهد، فمن جبهة النصرة إلى جبهة فتح الشام إلى هيئة تحرير الشام وإعلان التخلي عن بيعة القاعدة، ولكن أمريكا في الآونة الأخيرة ردت رداً قاطعاً بأنها تعتبر هيئة تحرير الشام هي القاعدة ومع كل من انضوى تحت لوائها.

وأعتقد أن العالم بشرقه وغربه لن يقبل بأقل من تفكيك هذه الفصائل وإخراج عناصرها الأجانب من سوريا، وكذلك العناصر المطلوبة دولياً، ولن تستطيع تركيا مواجهة الإرادة الدولية، فأصبح وضعنا مرتبط كلياً بالقرار التركي، فإما تنفيذ الإرادة الدولية وعندئذٍ لن يسمح للنظام والروس بمهاجمة إدلب، وتبقى المنطقة تحت الإدارة التركية حتى انتخابات 2021 المتفق عليها دولياً، أو كما أشيع من قبل يترك لتركيا الشريط الذي عرضه 30 كم وتحصر هذه الفصائل بين السكة والأوتوستراد، وتصفى من قبل الروس والنظام، أو تفشل تركيا في التعامل مع هذه الفصائل، وعندئذٍ سيكون مصيرنا كمصير درعا.

– ماهي الخطوات التي يمكن أن تجنب إدلب مصير من سبقوها؟
الفصائل غير المصنفة إرهاباً مأمورة كلياً من تركيا، لذلك عبثاً أن تطلب منها شيئاً، وإذا كان لنا طلبات فهي عند الأتراك، وأنا أعتقد أن الفعاليات الشعبية في هذا الظرف لا تستطيع أن تقدم أو تؤخر، على أهالي المنطقة الطلب إلى الأتراك الالتزام باتفاقية خفض التصعيد لتجنيب المنطقة أكبر مجزرة ودمار منذ بداية الحرب لا سيما بظل الكثافة السكانية، وعدم وجود مكان يرحل الرافضون إليه.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*