كم تحمل من الوجع حتى مات بين أيديهم.. الشهيد محمد جمال أرسلان

“يا أمي.. أنا لا أحتمل صفعة واحدة، عندما كنت صغيراً، وكان والدي يضربني، كنت أرتدي الكثير من الثياب حتى لا أتوجع”، منذ بدء الثورة، كلما سمع عن شاب اعتقلته قوات النظام، كانت تلك جملته المعتادة لأمه، ربما كان يستعد بها لما هو آت، فمشاركته بالثورة وإيمانه بها جعلاه من ضمن قوائم المطلوبين للنظام.
وربما لم يكن النظام يعلم بنشاطه، كما لم يكن هو يعلم أنه سيكون أحد المعتقلين في يومٍ ما، ولكن أحد مخبري النظام المقربين من عائلته، كان سبباً باستشهاده واستشهاد ابن خالته أدهم، وفقاً لما تقوله عائلته.
الشهيد “محمد جمال أرسلان” مواليد عام 1992، ابن بلدة الجانودية بريف جسر الشغور، كان طالباً في كلية التربية بجامعة تشرين في اللاذقية، وسيمٌ ومَرِح، لا يعرف الحقد أو الكره، يعشق السياحة والسفر وبناء العلاقات.
عشقَ الثورة، وبدأ يحرض الجنود على الحواجز القريبة من مكان سكنه على الانشقاق، ويؤمّنهم في منزله ريثما يتم مساعدتهم للوصول إلى بلداتهم.
تقول صديقة محمد وملامح الحزن بادية على وجهها: “كان محمد شاباً رائعاً وطموحاً، ولكنه مندفعٌ ومتحمسٌ إلى حد التهور، لم يكن يحسب أي حساب لسلامته، كان واثقاً من نفسه ومؤمناً بثورته، إنه خسارةٌ فعلاً”.

اعتقال محمد واستشهاده
كونه الشاب الوحيد لوالديه، كان معتاداً على محادثة أمه يومياً، ولكن على غير عادته مرّ يومان ولم يأتِ فيهما محمد إلى المنزل، ولم يتصل بعائلته، التي انتابها القلق، فما كان من أمه إلا أن ذهبت إلى جامعته لتسأل عنه، فأخبرها زملاؤه أن فرع أمن الدولة اعتقل محمداً في الثامن والعشرين من شباط 2012.
نزل الخبر على رأسها كالصاعقة، فتوجهت للبحث عنه، وبدأت تتصل ببعض الضباط وتتفاوض معهم لإطلاق سراحه، ودفعت الكثير من المال دون جدوى، ثم أبلغوها بأن محمداً قد حوِّل إلى دمشق.
لم يكن والده قادراً على الذهاب بمفرده إلى الشرطة العسكرية في دمشق، كان هول المصيبة قد أفقده الشجاعة، إلى جانب خوفه الشديد من سماع أخبار سيئة، فحاول الهروب منها ومن المجهول، ولكن لا مفر، فقد وصل النبأ الأول باستشهاد ابن خالته الذي اعتقل قبله بأيام قليلة، فلم يعد للصبر مكان، ومهما كانت النتيجة لا بد من الذهاب إلى دمشق.
تتحدث خالته أم أدهم بقلب محروق عليه وعلى ابنها فتقول: “في عام 2015، وبعد أن علمنا باستشهاد أدهم، ذهبت ابنتي برفقة زوج خالتها أبي محمد إلى دمشق، مخاطرين بحياتهما أملاً بالوصول إلى محمد، وبدأا بالسؤال عنه، وصلوا إلى القابون وكانت النهاية”.
أضافت خالة الشهيد “محمد” وهي تحاول تمالك نفسها: “في القابون أخبروا ابنتي أن محمداً استشهد، وأن جثته في البراد بمشفى تشرين العسكري بدمشق، وأعطوها ورقة تحويل للمشفى كي تحصل على شهادة وفاة له”.
خرجت ابنة خالة الشهيد محمد من مقر الشرطة العسكرية في القابون، وكان والد محمد بانتظارها في الخارج، ينتظر أن تخبره بنبأ يطفئ نار قلبه، كانت الورقة في يدها، والغصة واضحة على صوتها، إلا أنها لم تقوَ على إخباره بما عرفته، كما لم تتجرأ على الذهاب إلى المشفى.
سألها زوج خالتها عن الورقة فأجابته بأنهم طلبوا إليها مراجعتهم بعد شهر، خوفه من الورقة، وأمله بحياة ابنه منعاه من قراءتها، عادت ابنة خالة محمد إلى البلدة برفقة أبيه، وأبلغت الجميع باستشهاد محمد، بحسب خالة الشهيد محمد التي أضافت وهي تبكي:
“طوال مدة سجنه كانت عائلته تصارع لإنقاذه من بين براثن الموت، إلى أن كانت بداية عام 2015، حيث استقر به المطاف في براد مشفى تشرين العسكري، ولم تعد جثته، كما لم يقوَ أحد على الذهاب لإحضار شهادة وفاته”.
أجهشت خالة الشهيد “محمد جمال أرسلان” بالبكاء وهي تتساءل: “يا قلبي كم تحمّل من الوجع حتى مات بين أيديهم؟!”.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*