ما بين أسد منتصر وجولاني متنكر.. أبو عمشة فوق النقد

مضحكة بقدر ما هي مبكية، مآلات الثورة السورية، مضحكة حين تنتهي بها الحال بانتخاب الأسد مرة ثانية بعد كل ما فعل، ومضحكة حين يتزعم أمثال أبو عمشة فصائل مسلحة تحسب على الثورة ويتحدث باسمها، في حين تبكي حينما يستطيع أبو عمشة باستزلامه للأتراك، بأن يمنع سوريين هجرهم الأسد، كأهالي أم باطنة، من دخول أراض سورية كمدينة الباب، ومبكية حين تسمع كلمات تكررت في بداية الثورة السورية في أحياء يفترض أنها محررة في مدينة الباب، “ليش هيك، ما هم أخوتنا؟”، لكن أبو عمشة الذي لم يقبل أن يسمي فصيله باسم غير أسم أحد أجداد الأتراك، يدرك أن سيطرته ونفوذه على مناطقه مرهونة بنفوذ الأتراك، يصر على تثبيت العلم التركي أساسيا في مقراته وثكناته، ينافس علم الثورة السورية.

ياحيف.. الأغنية التي جلد بها سميح شقير ظهر قوات النظام منذ سنوات عشر، يعيدها الناشط ياسر الددو، ردا على ضباط أبو عمشة الذي تجمعوا في مقطع مصور، يطالبون الحكومة التركية بتسليمها العميد أحمد الرحال ليستبيحوا دمه وحريته جزاء على انتقاده لهم، فكتب على صفحته:
“ياحيف على هل رتب
ياحيف وبس
سقطت ورقة التوت
ياضباط انتم لستم ثوار ولا احرار انتم مرتزقة مأجورين
لأننا خرجنا بالثورة من آجل الحرية وحرية الراي والنقد والنقد الذاتي هي بداية النجاح
لستم آهل لتمثيل ثورة دفعنا فيها انهار من الدماء والشهداء والمعتقلين انتم عبأ على ثورتنا”.

مفهوم أن يقمع أهل السلطة الرعية، ويعملوا على طمس أي فكر منتقد لهم، ومفهوم أن الحرية تنافي العسكر والديكتاتوريات، لكن أن تتعارض مع ما يفترض بهم أنهم “ثوار” نادوا بالحرية والكرامة، ورفعوا شعارات تعيد للسوريين اعتبارهم كبشر لهم حق التعبير والنقد، بهدف بناء وطن كريم، فهنا تأتي المفارقة المضحكة والمبكية معا.

مؤلم تسميتهم “الجيش الوطني”، ومؤلم أن تستخدم الحكومة التركية مثل هؤلاء لحكم مناطق نفوذها في سوريا، ولا فرق بين المحتل الغاصب والصديق المساعد، إن فرض الصديق أزلامه يسومون الناس الذل والهوان، بحكم القوة، وما يجري في مناطق درع الفرات والشمال السوري هو بداية لانتاج أشكالا أسوء من دكتاتورية الأسد، وحكم العصابات.

فأبو عمشة يمارس الحكم دون أن محاسبة أو مسؤولية، ولديه محاكم عسكرية وقضائية، لكنها لا ترى في السوريين إلا عملاء إن خرجوا عن إرادة عمشة أو انتقدوه، وإلا فهم عبيد كما يراهم الأسد، مهمتهم الوحيدة تثبيت سلطته وحكمه وتقديم الأتاوات له.

وأبو عمشة حين يجند الشبان السوريين للقتال كمرتزقة لصالح الأتراك في ليبيا وكازخستان، مستغلا حاجتهم لإعالة أسرهم، ما يزال يعتقل ويعتدي على المدنيين في مناطقه بلا أسباب، في بغي قد لا يعرف أهاليهم مكانهم أبدا، لتضيع حياة السوريين ما بين الرئيس الأسد المنتصر، والرئيس أبو عمشة المسيطر، ورئيس آخر ملتح في يتخذ من إدلب عاصمة لدولته، يذكرنا بالجولان كلما ظهر بلبوس واسم جديد.

يقدم أبو عمشة والجولاني خدمات جليلة بتجاوزاتهم للأسد، إذ يمكن أن تعيد المقارنة ما بين ظالم صغير وظالم أكبر، وقد تدفع تلك التجاوزات بالسوريين للكفر بالثورة، والرضى بظلم مستتب بدلا من ظلم مضطرب، وهو ما ذكره العميد أحمد الرحال في رد على الحكم الصادر بحقه حين قال:
“أقسم لو عرف بشار الأسد حقيقتكم لأرسل لكم رواتب من جيبه الخاص على الخدمات التي تقدمونها له”.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*