ما بين الدفاع عن القيم والدفاع عن قاتل القيم.. مكسيم خليل ووائل رمضان

نظرا لاعتبارهم شخصيات عامة، لهم تأثير على طيف واسع من المعجبين بهم، يعيد الفنانون السوريون بمواقفهم الجديدة القديمة، تساؤل أساسي حول دور الفنان ومهمته، فمن المستبعد أن يقتصر دوره على الأداء الفني المجرد، دون أن يمثل ضمير شريحة كبيرة من المجتمع وتطلعها.

في تعريفه للفن يقول “غسان الجباعي” في دراسة له:

“الفن متحرك ومتجدد في المعنى والمبنى، في جوهره نشاط ثوري ناعم ومسالم، يعمل على تجديد نفسه وهدم السائد الرسمي المتجذر، ليبني بديلا جديدا يستند إليه”.

ويضيف الجياعي في دراسته المنشورة على موقع حرمون، إن من أساسيات مواضيع الفن هو الإنسان وحريته، ورغم أن الفن مهنة إلا أنها مهنة تختلف عن باقي المهن، فهي تحتاج إلى الحرية، التي تحتاج بدورها إلى مواجهة أساسية مع السلطة”.

وأهم مزايا الفن هو حاجته للنقد، وربما النقض، بحثا عن الحقيقة، وتحريكا للساكن كما يقول الجياعي، والهدف تعزيز البناء الجديد والحديث، وهو ما ينافي الركود لهوى السلطة أو التماهي معها، مثل ما يفعله بعض الممثلين الذين أسرفوا في التطبيل للسلطة السورية حتى بات رائحة الدم في تشم في أصواتهم، كان آخرهم وائل رمضان.

وفي حوار أجرته زيتون مع رسام الكاريكاتير “هاني عباس” أجاب عن التساؤل بقوله:

“الفن هو تعبير عن حالة نفسية أو اجتماعية ثقافية مجتمعية، ولذلك لا يمكن أن ينسلخ الفن عن مجتمعه، ولا يمكن أن يكون الفن حقيقياً وصادقاً إذا غرد خارج محيطه، أتحدث هنا عن الجزء الوظيفي من الفن، حرية الأفكار وإخراجها بشكل فني يولد بالضرورة صداماً حقيقياً مع البنية السياسية الحاكمة، وخصوصاً في المجتمعات المحكومة بقبضة حديدية، أو المحكومة بمفاهيم مغلقة، على حد سواء، هذه التصادمات تولد حالة لا استقرار في حياة الفنان الحقيقي ويشعر دائماً أنه مهدد من جهة ما أو مكان ما”.

وعن الفنانين المنضوين تحت خطاب السلطة أضاف عباس:

“شاهدنا بعض الفنانين يصطفون مع النظام ويبررون ما يقوم به من قتل وإرهاب، من يساند قاتلاً فهو مثله و أكثر، ولا يستحق صفة بشرية فكيف صفة فنان”.

ومؤخرا ظهر الفنان السوري مكسيم خليل في لقاء مصور له، يروي فيه تفاصيل ما تعرض له من مضايقات في دمشق، بلغت درجة تهديده بأطفاله، ما دفعه للخروج من سوريا حرصا على سلامتهم.

وأوضح مكسيم خليل أنه خلال عودته من لبنان اعترضته إحدى السيارات وأجبرته على التوقف، ترجل منها عناصر تابعة لقوات النظام، قام أحدهم بتوجيه السلاح إليه وطلب منه الترجل من السيارة، وخلال التحقيق معه ادعوا عدم معرفتهم به، كما قاموا بتفتيش السيارة وتفكيك بعض قطعها بشكل تمثيلي على أنهم يقومون بواجبهم.

“أنا أحمي سوريا الأسد”، هكذا رد أحد عناصر الأمن الجوي على سؤال خليل عما يقومون به، ليقوم بعدها العنصر بوضع (مفك البراغي) على بطن خليل، والضغط عليه.

وفي تهديد واضح رد عليه أحد المسؤولين بأن عليه الاعتذار والظهور على قناة الدنيا والاعتراف بأنه قد تم التغرير به، وفي حال رفضه يمكن أن يتم اختطاف أطفاله أو أن يتم ترتيب تهمة له والزج به في السجن، وحين أدرك أن الخطر قد يطال أطفاله قرر خليل الخروج من سوريا.

في المقابل تشكل حالة الممثل وائل رمضان صدمة للسوريين، بوصوله إلى حد بعيد من الإخلاص للسلطة، برفقة زوجته سلاف فواخرجي، ليظهر في ضيافة ميليشيا لواء القدس، بمدينة حلب، في تكرار سمج لاسطوانة المقاومة والوطن والشهداء، صدعت رأس السوريين لعشرات السنين.

تأتي الصدمة لدى السوري وهو يشاهد “فنانا” يفترض أن تكون وسائله إنسانية على أقل تقدير، يحرض على قتل متظاهرين يطالبون بحريتهم، وتتضاعف الصدمة حين يرتدي ذلك الفنان الزي العسكري في استعداد منه للمشاركة في حمل السلاح، لتبلغ الصدمة أوجها حين يرى فنانوهم وهم يرتمون بالتقبيل على أحذية المسلحين القتلة.

وباستعراض بسيط لصفحة الفنان رمضان ستواجهك الحقيقة في مدى تطرفه، مشاهد من فلم ينقل الرواية الرسمية للنظام السوري، تم تصوير أجزاء منه على ركام حي جوبر الدمشقي بعدما دمرته طائرات الأسد، يؤدي رمضان دور العقيد “عيسى”، صاحب الرسالة والحس الإنساني، لينتصر القائد الملهم الذي حرق البلد تمسكا بالسلطة.

وقد يبدو من الظلم محاسبة رمضان على مواقفه وتنميطه في خانة الفن، دون تمييز بين المؤدي والممثل والفنان، ومن نافل القول أن الفن يرتقي فوق تلك النشاطات، كما يمكن أن يكون من الظلم أن يحسب رمضان على الفن وأن يحاسب تحت عنوانه.

قد تجوز المقارنة بين خليل ورمضان، فكلاهما عاشا في سوريا في زمن واحد، وكلاهما من ذات الجيل، كما واكبا الأحداث معا، فما الذي يدفع كل منهما في اتخاذ موقف مختلف.

في بيانهم يقول فنانو سوريا من أجل الحرية:

“لقد حاول بعضنا أو كلُّنا المقاومة بالفنّ وصونَ حقِّ الرأي في ظروفٍ تُنْكِرُ حقَّ الرأي وتحتكره وتشتريه وتبيع بَعْضَهُ، وقُدِّرَ لنا جميعاً المثولُ أمامَ عَبيْدِ المخابرات وخَدمها وحاضروا بِنا في الشعر والموسيقى والسينما والمسرح بوصفهم فقهاء، وصمت بعضنا أو كُلُّنا أو هزَّ برأسِهِ و تآلف مع العبودية، وخاضَ بَعْضُنَا أو كُلُّنا مَعَارِكَ وهميّة ضدَّ زملائه في الأسى، وصمدّ البعض فنياً وأخلاقياً ونال تعاطف الأغلبية . وذَهَبَ في العُزْلَة”.

ومن هنا يتساءل الجياعي: ماذا يستطيع الفن أن يفعل في بلد مجرد النطق فيه بكلمة لا قد يكلف صاحبه سنوات طويلة من السجن والذل والتهميش وربما الموت… كان الجواب دائما كالشوكة في الحلق، فأنت إن قلت نعم ربحت العالم وخسرت نفسك وفنك، وإن قلت أو فكرت أن تقول لا، تحتاج إلى طاقة تفوق طاقة البشر كي تستطيع الصمود”.

الجواب الذي يخطر في البال: هو أن هذا النوع من الفنانين كان أكذوبة كبيرة بشخصه وفنه، هو صنيعة نظام الاستبداد، فرضت على الناس، وشهرته مدفوعة الأجر سلفا، لم يستحقها عن جدارة… الفنان لا يملك إلا سلاح الكلمة والصورة التي تدافع عن القيم الإنسانية السامية، وإذا ما اضطر إلى حمل السلاح فيجب أن يحمله دفاعا عن تلك القيم لا عن قاتل القيم.. بهذا يجيب الجياعي بشكل مباشر.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*