محاكمة أنور رسلان شكلا لمحاكمة النظام مضمونا

زيتون

لا تقتصر محاكمة أنور رسلان الذي يحاكم اليوم أمام القضاء الألماني، للاقتصاص من مجرم فرد، ارتكب جرائم تعذيب بحق أشخاص سوريين في فرع الخطيب بدمشق أثناء إدارته، بل تتعدى ذلك إلى مقاضاة النظام السوري المعتمد بالدرجة الأولى على أجهزته الأمنية والعسكرية، وما أنور رسلان سوى أحد المنفذين لسياسة النظام في القمع والوحشية في البقاء على رأس السلطة، وهو ما يدفع السوريين للأمل بالوصول إلى محاكمة المجرمين الأكبر في دائرة إصدار الأوامر وبمقدمتهم رأس النظام بشار الأسد.

وتشير هذه المحاكمة إلى موقف المجتمع الدولي الرافض مما يحدث في سوريا من جرائم يرتكبها النظام، والأهم أن تحمل هذه رسالة، رسالة سياسية واضحة للنظام السوري، بأن تقادم الزمن لن تسقط هذه جرائمه السياسية، وأن مصير الذين أصدروا الأوامر أو الذين نفذوها سيلقون عقابهم مهما طال الزمان، وهو أمر مهم في ردع عناصر المخابرات أو الجيش الذين ما زالوا يرتكبون تلك الجرائم حتى اليوم.

على صعيد آخر تعتبر هذه المحاكمة أمرا هاما للضحايا وذويهم، فتحقيق العدالة ومحاسبة الجناة، يسمح للضحايا والمتضررين بتجاوز محنتهم، والمضي في حياتهم، لا كانتقام، بل لبسط سيادة القانون الطبيعي الناظم للحياة المجتمعية، والذي بدون تطبيقه لن تعود حياة الشعوب التي تمر بحروب أهلية أو ثورات إلى التعايش في مجتمع منسجم.

ستكشف هذه المحاكمات بنية النظام السوري القائم على فكر العصابة، كما ستكشف عن أدواته في عمل مؤسساته الصورية، التي صممت من عهد الأسد الأب، كي تكون كيانات هدفها تثبيت سلطته وقمع معارضيه، وتجيير كل ثروات البلد لصالح العائلة الحاكمة، هذه الحقائق حول ماهية النظام يدركها السوريين جيدا، لكن المحاكمة اليوم هي فرصة ليكتشف العالم جوهر العصابة الحاكمة في سورية اليوم.

تابعت الصحافة العالمية مجريات المحاكمة باهتمام، ورصدت حيثيات المرافعات، وعبر الحقوقيون والنشطاء المعنيين والمشاركين في المحاكمة كشهود ومحامين ك، “أنور البني وميشال شماس”، عما تعنيه هذه المحاكمة..

ويرى الكثيرون أن المحاكمة بداية مهمة، وإشارة واضحة عن موقف الحكومات الغربية بتوجهها لإدانة الجريمة المستمرة في سوريا، والعمل على دعم الثورة السورية في التخلص من نظام الأسد، وهو المهم كنتيجة لهذه المحاكمة، ومن المحبط أن تكتفي الدول الغربية بمحاكمة شخصيات منفردة والإبقاء على النظام يرتع في قتل السوريين ومستمر بالجريمة.

ومن المرجح أن تساهم المحاكمة في تشجيع حكومات غربية أخرى، على البدء بمحاكمة الأفراد المتورطين بجرائم ضد الإنسانية في سوريا، والمتواجدين في أراضيها، مما سيزيد من إمكانية توجيه الاتهام إلى رأس النظام ومحاكمته، ومن غير المتوقع أن تمرر روسيا أي قرار دولي، من خلال استخدامها الفيتو في مجلس الأمن، يسمح بتحويل الملف السوري إلى محكمة الجنايات الدولية، وهي تشارك النظام حتى اليوم في جرائمه.

بالنظر إلى السوابق التاريخية فإن تحقيق العدالة في دول عانت من حروب أهلية وجرائم ضد الإنسانية، أمر لم يتحقق، إلا بشكل رمزي وجزئي، وتمت محاكمة بعض الأفراد لتسوية الجرائم، في حين تمكن الكثيرون من المجرمين من الفرار بجرائمهم، ومع هذا، تبقي هذه المحاكمات ولو كانت مقتصرة على بعض الأفراد، إمكانية حدوث محاكمات مستقبلية لمن هو صاحب السلطة الأولى والذي اتخذ القرار بقتل السوريين المناهضين له وأعني بشار الأسد.

في خضم ما يجري من احتجاجات عالمية ضد الظلم، تشهدها أكبر دول العالم، والمظاهرات المتضامنة مع المحتجين في عواصم الغرب، يبدو من غير المستبعد، أن يصل المجتمع الدولي لتسوية سياسية تفضي إلى إنهاء الأزمة السورية، وحينها سيتمكن السوريين بأنفسهم إلى محاكمة المجرمين، من بشار الأسد إلى أبو محمد الجولاني، وكل من سفك دماء السوريين وهو يظن أنه سينجو بفعلته.

ولن تكون هذه المحاكمات ممكنة طالما أن النظام السوري يتمترس خلف سلطته في سوريا، وسقوطه هو الشرط الأساسي لإحقاق العدالة المرجوة، لإنه سيعمل جاهدا على حماية عناصره وقياداته من أي مساءلة قانونية خارج مناطقه، رغم ما بدأ يتجلى في تفتت قبضته وانهياره اقتصاديا اليوم، بعد أن انهارت الليرة السورية، وطفت صراعاته الداخلية على السطح، وتؤكد مظاهرات  السوريين في السويداء ودرعا بل وفي قلب العاصمة السورية اليوم، بأن ثورة جوع ستقوض أركان الأسد، وحتى بدون دعم دولي.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*