هل هذه الفسيفساء التي تريدها الحرب؟

14910400_1788041378109512_255613730788799197_n

زيتون – عز الدين زكور

ربما لا يختلف الوضع كثيراً في بعض المناطق السورية عن تلك الصور الثلاثة التي استعرضها الكاتب ”وليد بركسية” في مقاله الأخير في إحدى الصحف السورية، تلك الصور المتباينة تماماً في العاصمة المحتلة دمشق، لأم سورية احتضنت ولدها وافترشت الأرض والتحفت السماء على أحد أرصفة العاصمة في الوقت ذاته الذي يحتفل به شباب سوريين في ماراثون ليقدموا الصورة المزيفة للمدينة وللبلد عامة، صورة العيش والأمل والحياة الطبيعة، ضمن رسائل استفزازية يطلقها رموز النظام بين الحين والآخر، وطقوس لم تكن مألوفة للطميات علنيّة في يوم عاشوراء.
هذه الصور المتباينة ممكن أن تجدها في كل مكان وحتى في الأراضي المحررة هذه، التي من المفروض أن تكون قد تخلّصت من هيمنة الأسد وأجهزة مخابراته وتسلطهما لكن لم يُكتب لها أن تخلع ثوب القهر والظلم بعد، فبينما يكون عشرات الأطفال والنساء يموتون تحت براميل الأسد وصواريخه وبينما مئات المقاتلين على جبهات القتال تحت برد الشتاء أو حر الصيف والقصف الشديد في مواجهة أقذر ميليشيات الأرض وأكثرها طائفية، ما عليك إلّا أن تتوغل قليلاً في العمق لتجد أنّ الصور قد تغيرت وتغيّرت معها الحياة، صور مغايرة للصور السابقة وكأنها في معزل عن تلك المناطق التي لا تبعد حتى مسافة 5 كم، المنهمك في جمع الأموال هنا أو في بناء القصور الرغيدة هناك أو في صفقات تجارية ضخمة، ربما مشهد الخيام وحياة التشرد واللجوء السوري لم يعد يفارق مخيلة أي إنسان في هذا العالم، لكن حتماً مشهد الأبنية الشاهقة المزخرفة أو المحال التجارية الفاخرة الملاصقة لها كان له وقع من نوع آخر، وقع التأنيب للنفس عند أصحاب الوجدان ووقع اللا مبالاة عند البعض الآخر، هل هذه الفسيفساء التي تريدها الحروب؟! إن السؤال الأهم بعد كل ما سبق!
بسطة بسكويت صغيرة لطفل مشرّد على باب معرض سيارات كبير، وآخر على باب مدرسة، أَم صور لضحايا الجوع والحصار في مناطق تحاصرها وحوش بشرية في وقت تتسابق به المطاعم لتقديم عروض أفضل ومواد إعلانية أكثر جاذبية على بعد مئات الأمتار، أُسر في خيام على حافة الطرقات والجبال، وفي الجانب الآخر قصور تسرّ الناظرين وسيارات فاخرة، هذا المشهد ذهب بي لمونديال الذي أقيم السنة الماضية في البرازيل كيف كانت صور الأضواء والملاعب والجمال وسط أحياء شعبية فقيرة تشاهد عن كثب الحداثة والتطور وكأن ذاك المكان ليس من ذاك البلد، أما الآن آلاف المهجرين في سفوح الجبال والمخيمات على أطلال المدن العامرة والوافرة في الشمال، أناس تاهت حائرة في تصميم منازلها في الوقت الذي يبحث فيه مشرّد عن بيت للآجار بمبلغ زهيد ليوفّر عليه عناء المخيمات في المدينة ذاتها أو البلدة، ومع وقفة مع مواقع التواصل تجد في الوقت الذي يكون فيه العالم أجمع متأثراً بصور الموت والأشلاء في مدينة حلب والأنظار كلها تتجه لتلك المآسي بينما في إحدى زوايا المواقع ذاته من انشغل في كيفية مرجعية الحكم المستقبلية للبلد أو في إطلاق عبارات التخوين والتكفير هنا وهناك وكأن كل منهم ليل يغرد عليه، أصبحتُ – متأكدا – وأظنّك مثلي – أن مع موت كل طفل في هذا البلد يموت ضمير لإنسان ما من هذا العالم والذي من المفترض أن يكون حياً.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*