وليمة بلا نسيان

moroccanwomen_376470433

شام ف. فرح (16 سنة)

تخرج من المتجر الذي كان يُبعد أشعة الشمس ولكن لا يقي حرّها، بعد أن صحّحت للبائع مجموع ما اشترت كما تفعل دائماً، حتّى أصبحت مؤخّراً تعطيه المجموع قبل أن يحسبه هو، تتثاقل الأغراض عليها: كوسا، ورق عنب، واللحم والرز، كلّ شيء جاهز لعزيمة أهل زوجها. تبذل قصارى جهدها لتنال ابتسامة من حماتها، تلك العجوز ذات رائحة الفم الكريهة لا تبتسم إلّا عندما تقترب من أذن ابنها لتقنعه مجدّداً بالزواج من أخرى:
– «حاجتك بقا لسا قاعدلي مع أمّ البنات إلّي ما بتعرف تقلي بيضة، خليني بقا أخطبلك بنت 14 تبللك قلبك وتخليني شوف صبيانك عم يلعبو حولي».
بداية كانت الزيارات هذه كوابيس بالنسبة إليها بسبب كلام أخوات زوجها الجارح والمسموم وفحيح حماتها المسموع هذا، لكن الآن لم تعد تهتمّ إن أعجبوا بكيّها لقمصان زوجها أم لا، وتصطنع البلاهة حتّى رحيلهم. ثدياها المثقلان بدأا يؤلمانها ويسيلان لا بدّ أن صغيرتها تبكي جوعاً بقرب أبيها المضجع الذي منعها من إجهاضها، ولكنه لم يأبه بها بعد ذلك. تشدّ ابنتها ذات الثلاث أعوام وتسهم نظراتها في بناء المدرسة المتهالك.
– (رحمك الله يا أبي لو أنّك لم تجبرني على الزواج، وأسعدك خبر نجاحي ونيلي للشهادة الثانويّة لو أنّك لم تمنعني من دخول الجامعة، أقسم أنّي لم أكن لأدعك تطمر رأسك في الطين! ولن أجعلك تخسر سمعتك وشرفك).
تستيقظ من رؤية نفسها، تراقب التلاميذ وهم يجدّون في حلّ اختبار الرياضيّات بعد أن تعبت معهم خلال سنة دراسيّة كاملة، تستيقظ من الحلم الصاحي لتنفض ثيابها المغبّرة وتشدّ يدها على يد صغيرتها، تستعدّ لكلّ ما يمكن أن يلقيه الزوج من قنابل على سمعها وتعيد توصياتها لطفلتها بالولوج إلى الداخل والتواري عن الأنظار وهما تصعدان الأدراج، أجبرها عماها المؤقّت – بسبب فرق شدّة الاستضاءة خارجاً وشدّة الظلام داخل ممرّ البناء – على الوقوف على العتبة لدقائق في كنف البرودة، عليها أن تكون صاحية لكلّ ما يمكن أن يحصل، تخرج المفتاح من جيب «الترانشكوت» الذي بسببه عبس صاحب بسطة الدخان في وجهها طويلاً، وربّما اليوم سوف يخبر زوجها أنّ عليه أن يغطّي زوجته العورة كي لا يكون ديّوثاً عند ربّه والعياذ بالله! أخرجت المفتاح الساخن وفتحت الباب بهدوءِ وحذرِ لصّ، أفسحت لصغيرتها مجال الهرب، وشمّت رائحة الهدوء، لمحت ساقي زوجها المضّجع.
– (ياللقرف! إنّه يثير الاشمئزاز بساقيه المكشوفتين والمشعرتين باستفزاز).
ستدعه هادئاً في ركن الغرفة وتدلف إلى المطبخ، لتبدأ بتحضير الوليمة للعائلة المالكة لها، ثدياها يكادان ينفجران، يعلو نداء الرضيعة من الغرفة البعيدة ومعها تعنيف المضّجع:
-«كم مرّة قلتلك طعمي هالحيوانة قبل ما تنقلعي 100مرّة!؟».
تصحّح في عقلها:
– (مرّتين لأنّه طلعت مرّتين بعد ولادتي، يلّي ما حضرتا طبعاً).
تلك المهووسة بالرياضيّات لن تنسى، ولن تُشفى أبداً.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*