يحدث فقط في سوريا: “موتانا لمّوا شملنا”

مظاهرات-50

زيتون – ريم أحمد 

“ما اعترفت على مصطفى؛ ماعندي شي قوله، حطوا الكهربا على كتفي وصدري؛ بس ماحكيت شي لأنوا ماعندي شي قوله”

بتلك الكلمات تمتم محمد رحمه الله لزوجة شقيقه رحمها الله أيضاً، بعد أن تركته قوات النظام المتواجدة على حاجز “السكر” في ريف جسر الشغور.

في صبيحة 18 من مارس عام 2013 اعتقلت قوات النظام محمد كرهينة كي يسلم شقيقه مصطفى نفسه، والذي ما إن سمع بنبأ اعتقال أخيه حتى سارع إلى تلك النقطة العسكرية أملاً أن يطلقوا سراح أخيه محمد.

في 16 من كانون الثاني من هذا العام توفيت زوجة مصطفى، أي بعد  حوالي عامين من اعتقاله، بعد صراع مع الحزن والقهر عليه، وعلى إثرها ولشدة مصاب العائلة، أصيب رب الأسرة الكبير بجلطة دماغية أفقدته القدرة على الحركة والكلام وليبقى طريح الفراش منذ قرابة العام.

أما محمد فقد دخل في صراع مع مرض رئوي بعد أن تم إطلاق سراحه؛ وأصبح يعاني من حمى صدرية مزمنة.

لم تكن مدينة جسر الشغور في تلك الآونة محررة، ولم يكن باستطاعة محمد الذهاب إلى أي مكان للعلاج؛ فالمنطقة محاصرة من كافة جوانبها مثلها مثل غوطتي العاصمة دمشق.

ولكن وعلى الرغم من تحرير المدينة فيما بعد في ربيع هذا العام، لم يعد بمقدور أطباء تلك المنطقة أن يفعلوا أي شيء له؛ بسبب النقص شديد بالأدوية وبالمعدات الطبية.

الحل الوحيد بالنسبة له هو الذهاب إلى دولة تركيا باعتباره ما زال قادرا على المشي وباعتبار تركيا متاخمة لمدينة ادلب من جهة الشمال.

وفي أول أيام  شهر رمضان في الشهر السابع من العام الجاري وبعد أن ضاقت الأوضاع  بالعائلة؛ قرر محمد الذهاب إلى تركيا مصطحبا معه أولاد أخيه المعتقل بعد وفاة والدتهم والبالغ عددهم خمسة أشخاص، تحمل عناء التعب والمرض وعبر  منطقة اليمضية التركية المتاخمة للأراضي السورية تهريباً، لعدم امتلاكه لجواز سفر؛ ليصل مدينة الريحانية حيث تقطن هناك شقيقته مريم، والتي لم تره منذ بداية الثورة.

في صبيحة اليوم التالي تابع طريقه محمد  إلى  مدينة أورفا؛ كي يؤمن أولاد أخيه عند أخيه “ابراهيم” القاطن في إحدى مخيمات مدينة أورفا، ومن ثم ليبدأ مرحلة العلاج في المشافي التركية، حيث تم الكشف عن سبب مرضه وهو توقف وعطب إحدى الرئتين عن العمل، بسبب تعرضها للضرب العنيف من قبل رجال أمن الأسد.

اشتد حاله الصحي سوءاً، تم على إثرها نقله مرة أخرى إلى المشفى  في مدينة أورفا؛ ليدخل بعدها بغيبوبة استمرت قرابة الشهر، ولم يكن بإمكان الأطباء تقديم شيء له إلا السيرومات والمواد المغذية عبر الأنابيب الموضوعة في فمه، فحاله الصحي لم يكن يساعده على إجراء أي عمل صحي.

بقي محمد على هذه الحال حتى وافته المنية في 11 من نيسان من العام الجاري، وتم إبلاغ شقيقه بنبأ وفاته ومن ثم تم إجراء عمل ماهو لازم لإخراجه من المشفى.

لدى محمد إخوة في تركيا لم يروا بعضهم منذ بداية الثورة ابراهيم وحوران وحسناء ومريم، فهم متواجدون في مناطق مختلفة ولا يعرفون مساكن بعضهم.

هناك مشكلة، إذ يجب أن يودعوا إخوته قبل عودته إلى سوريا، ولكن كيف ويجب أن يعبر الحدود التركية الى سوريا قبل الساعة الخامسة، أي قبل اغلاق المعبر التركي.

محمد لم شمل العائلة حتى وفاته، فبعد أن حمل نعشه في السيارة وصل إلى مخيم أورفا كي يودعه أولاد أخيه اليتامى، ومن ثم واصل طريقه إلى “رأس العين” ليجلب معه شقيقه حوران ابن العشرين ربيعاً، ومن ثم وصل إلى مخيم الإصلاحية حيث كانت تنتظره شقيقته حسناء.

وصل نعش محمد وبصحبته إخوته الثلاثة إلى مدينة الريحانية حيث كانت شقيقتهم مريم تنتظرهم عند البلدية.

إلتأم شمل الإخوة هناك حول محمد لم يكن بمقدور الجميع إلا البكاء واسترجاع ذكريات الطفولة معه.

التأم شمل العائلة لمدة ربع ساعة لا أكثر ومن ثم أكمل محمد طريقه محملا بنعشه ولم يستطع غير أخٍ واحد الذهاب معه إلى المعبر، ليكمل طريقه وحيدا الى الأراضي السورية؛ حيث كان أخوه أحمد ينتظره على الجانب السوري والذي بقي يرعى والده المريض ووالدته؛ليكمل طريقه إلى أهله ليلاً مثلما تركهم ليلاً، ومن ثم تمت مراسم الدفن تحت جنح الظلام؛ فالليل أكثر أمان من النهار.

هذا هو حال السوري، فمن فرقتهم سنوات النزاع الدائر في سوريا، لم شملهم نعش أحد افراد العائلة.