لكي يضعه وجهاً لوجه مع عمليات «درع الفرات»: تنظيم «الدولة» يُدخل النظام إلى جبهة مدينة الباب

26qpt996

القدس العربي – منهل باريش

في خطوة غير متوقعة، انسحب تنظيم «الدولة الإسلامية» صباح يوم الجمعة الماضي من مواقع كان يسيطر عليها، مفسحاً المجال أمام تقدم قوات النظام السوري للدخول على خط الصراع من أجل السيطرة على مدينة الباب، شرقي مدينة حلب. وأحكمت بذلك قوات النظام سيطرتها على أربع قرى واقعة غرب المدينة، هي حليصة وشيخ كيف وجوبة والنيربية، علماً أن الأخيرة تشكل نقطة تلاق لجميع الأطراف المتصارعة، مثل قوات سوريا الديمقراطية، وتنظيم «الدولة» وفصائل درع الفرات المدعومة من تركيا، وأخيراً قوات النظام السوري.
وأشار عضو تنسيقية مدينة الباب، الناشط باري عبد اللطيف، إلى أن تنظيم «الدولة» انسحب من مناطق جبهته المشتركة مع قوات النظام السوري، ليتقدم النظام إليها من دون مقاومة تذكر.
ويُخرج هذا التقدم الميداني قوات سوريا الديمقراطية من معادلة الصراع واحتمال الوصول إلى الباب بنسبة 90 في المئة، لأنها بذلك وُضعت وجها لوجه امام النظام من الجهة الجنوبية، وأصبحت على تماس مع فصائل درع الفرات من الجهة الشمالية، في الوقت الذي احتفظ تنظيم الدولة لنفسه بقريتي زوبان والدوير الصغيرتين ليشكلا خط فصل بين قوات النظام من الجنوب ودرع الفرات من الشمال والشرق، وقوات سوريا الديمقراطية، في جبهة تقل عن كلم واحد فقط.
ويشير هذا الانسحاب المفاجئ إلى نية القيادة العسكرية لتنظيم «الدولة» تعقيد جبهات الاشتباك ومناطق النفوذ في منطقة الباب. وهو الأسلوب ذاته الذي اتبعه التنظيم عندما انسحب من جرابلس من دون مقاومة أمام فصائل درع الفرات ليجرها إلى حرب مع قوات سوريا الديمقراطية، فيما عكف إلى تعزيز مواقعه في اخترين ودابق.
ونظراً إلى أن الحيلة الأولى لم تمنع تقدم درع الفرات نحو مدينة الباب حيث فضل التقدم على الدخول في مواجهة مع قوات سوريا الديمقراطية، لجأ التنظيم إلى افساح المجال أمام النظام السوري ليدخل على خط الصراع ويؤخر أي تقدم نحو المدينة.
ومن الواضح أن التنظيم بات يفضل تسليم مدينة الباب إلى جيش النظام من أن تسيطر عليها فصائل درع الفرات، المدعومة بريا وجويا من الجيش التركي. فتقدم النظام إليها سيضعه عائقا أمام أي عملية تركية تذهب باتجاه الرقة والمنطقة الشرقية، وبهذا سيبعد التنظيم درع الفرات وتركيا عنه بشكل شبه نهائي، ليكون النظام وقوات سوريا الديمقراطية بمثابة جدار فصل يبعد شبح تركيا عن تنظيم الدولة.
وفي السياق قال قائد اللواء 51، العقيد هيثم عفيسي، لـ«القدس العربي» إن «المنطقة (قديران وبراتا) تعرضت لغارتين، الأولى استهدفت  تجمعا للجيش التركي والثانية تجمعا لقوات درع الفرات»، مؤكداً مقتل اثنين من مقاتليه بالقصف الجوي لطيران النظام، فيما سقط في الغارة الأولى ثلاثة جنود أتراك وجرح عشرة آخرون.
وبدأت تركيا بتحمل عبء معركة طرد تنظيم «الدولة» من الباب لوحدها، بعد قرار وزارة الدفاع الأمريكية ـ البنتاغون تعليق عملياتها ضمن عملية درع الفرات إلى جانب الجيش الحر والجيش التركي، في المعارك التي تعرف أمريكياً باسم «أنوبل لانس». وعليه، سحبت كامل مقاتلي القوات الخاصة الذين كانوا ينسقون مع الطيران الأمريكي، ويحددون أهداف ومواقع تمركز مقاتلي تنظيم «الدولة».
ويأتي الانسحاب الأمريكي من المعارك في توقيت حرج للغاية لأنه يضع فصائل درع الفرات على مقربة من مناطق سيطرة قوات النظام، وهو ما يعتبره الأمريكيون أنفسهم تطورا خطيرا، وقد يشتت جهود الحرب على الإرهاب. ويضاف إلى ذلك أن التقدم السريع لدرع الفرات سيحرج الولايات المتحدة أمام حليف أساسي هو وحدات حماية الشعب الكردية، فسيطرة درع الفرات على الباب ستنهي آمال سوريا الديمقراطية في ربط عفرين بمنبج ومنطقة شرق نهر الفرات.
من جانبها، فقد حاولت تركيا عدم الغوص في مستنقع الحرب ضد قوات سوريا الديمقراطية في الوقت الحالي، وتجنبت أي احتكاك بها في جنوب مارع، ومنعت فصائل درع الفرات من الاصطدام معها، مؤكدة على أن الأولوية هي لتحرير الباب وليس للدخول في معارك جانبية في تل رفعت ومنغ وغيرها غربي بلدة مارع.
وتدرك تركيا أن السيطرة على الباب هي ما سيحفظ أمنها القومي ويجعلها لاعبا قويا وشريكا لأمريكا في حربها على الإرهاب، خصوصا في معركة تحرير الرقة، التي من المتوقع أن تسرّع من وتيرة العمليات في منطقة الباب، لتسابق النظام السوري عليها.
في موازاة ذلك، تلقت تركيا بكثير من الحذر رسالة النظام السوري التي وصلتها عبر قصف جوي لتجمع لقواتها في قديران (شمالي الباب)، والذي تزامن مع يوم إسقاط الطائرة الروسية. فهي تدرك تماما أن روسيا هي من يقف وراءه، وتعلم أن واشنطن على علم بتحرك الطيران في تلك المنطقة.
ومن المرجح أن حادثة القصف ستدفع تركيا إلى إعادة حساباتها، ومراجعة تفاهماتها مع موسكو، لأنه بات واضحاً أنها تبلغت الرسالة الروسية بأن أي تقدم باتجاه الباب ممنوع، وأن المدينة هي الهدف المقبل لروسيا والنظام السوري، على أن تكتفي تركيا بمنطقتها الآمنة شمالي الباب.
لكن أي تقدم مقابل للنظام غرب الباب من شأنه أن يوتر العلاقات الروسية ـ التركية مجدداً، وهو بالتأكيد سيوتر العلاقة التركية ـ الأمريكية في حال أرادت تركيا التقدم شرقا لصد قوات سوريا الديمقراطية.
وبات واضحاً الآن أن التفاهم الروسي ـ التركي، الذي يقضي بسيطرة تركيا على الباب مقابل تخليها عن حلب، قد انقلب على أسوار مدينة الباب، منذراً بإرباكات كبيرة مقبلة في تفاهمات الحرب على الإرهاب، في كل من سوريا والعراق.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*