300 عائلة سورية تتلقى خبر وفاة أبنائها المعتقلين في سجون النظام

“وجوههم التي بلا عيون ما زالت تحدق بي في الليل وتتوسل إليّ لتحقيق العقاب”

تلقت مئات العائلات السورية التي يقبع أبناؤها في سجون النظام أنباء عن وفاتهم، بعد أن قامت مؤسسات النظام بتبليغهم أوائل الشهر الجاري.
ونشرت “اللجنة السورية للمعتقلين والمعتقلات” على حسابها الرسمي في فيس بوك خبراً جاء فيه أن أكثر من 300 عائلة سورية تلقت خبر وفاة معتقليها ومفقوديها عند النظام.
وأوضحت اللجنة التي تعمل على الكشف عن مصير آلاف المعتقلين والمغيبين في سجون النظام، أن تبليغ أهالي المعتقلين القتلى تم عبر الهاتف فقط، مشيرة إلى أن أغلب العائلات التي بلغت من ريف حمص وريف حماة.
وقال أمين سر اللجنة “مروان العش” في تصريح لوسائل الإعلام إن تبليغ العائلات بوفاة أبنائها مستمر، لافتاً إلى أن هذه العملية تتم دون تقرير طبيب شرعي مرفق بالصور، أو حتى شهادة وفاة رسمية، مضيفاً أنه من الواضح أن المنظومة الأمنية قررت إغلاق ملف أكثر من 200 ألف مفقود وشهيد تحت التعذيب، وأن نظام الأسد وعبر هذه البلاغات سيتمكن من التخلص من جميع المعتقلين والمفقودين لديه، وبذلك سيوصل رسالة للعالم أنه لا يوجد لديه أي معتقل وسيُغلق ملف المعتقلين لاحقاً.
وأكد أن “اللجنة السورية للمعتقلين والمعتقلات” تعمل على توثيق جميع هذه البلاغات ومقارنتها مع سجلات المعتقلين والمفقودين للتأكد من مطابقة الأسماء، مشيراً إلى أنهم سيعملون على وضع هذا الملف تحت تصرف المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، منوهاً أنهم يمتلكون أسماء لمعتقلين منذ عام 2011 وأن عدد المعتقلين في سجون نظام الأسد وصل إلى أكثر من 250 ألف بينهم رجال ونساء وأطفال، بحسب الأمم المتحدة.
بينما أكد رئيس الهيئة الوطنية السورية للدفاع عن المعتقلين “ياسر الفرحان” في بيان نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، أن عمليات التصفية التي نفذها النظام السوري بحق المعتقلين، وأرسل قوائم بأسمائهم، تشكل جرائم حرب وإبادة وجرائم ضد الإنسانية، مطالباً الأمم المتحدة بفتح تحقيق بخصوص تلك العمليات التي وصفها بأنها “عار يلاحق العالم”.
وأشار “الفرحان” في بيانه، إلى أن إرسال قوائم بأسماء المعتقلين المتوفين، دون تسليم الجثث، ودون فتح تحقيقات محايدة ونزيهة بشأنهم، يؤكد أن ما حدث هو عمليات تصفية جماعية وقتل تحت التعذيب وليس كما يدعي النظام أنها “أزمات قلبية”، مؤكداً أن المسؤولية المباشرة تقع على عاتق الأفراد المنفذين لهذه الجرائم والقيادات التي تعطي الأوامر بارتكابها، أو التي تسكت عنها.
وطالب المجتمع الدولي بإلزام النظام بفتح السجون ومراكز الاحتجاز أمام الجهات الدولية المختصة للكشف عليها وتقييم أوضاعها، وشدد على وجوب فتح تحقيق أممي بما يجري بحق المعتقلين في سجون النظام، وإطلاق سراح من تبقى، ومنع تنفيذ أعمال اعتقال جديدة خارج القانون، وفق ما جاء في القرارات الدولية وعلى رأسها بيان جنيف والقرار2254.
يذكر أن الهيئة الوطنية للدفاع عن المعتقلين والمفقودين تشكلت بقرار من الائتلاف الوطني، وتعمل بصورة مستقلة وبالتنسيق مع منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية، لتحقيق إجراءات ملموسة وعملية على الأرض عبر إطلاق سراح المعتقلين ووقف التعذيب والتصفية الجسدية.
من جهة أخرى قال ابراهيم حسين عضو مجلس القضاء السوري، والذي يرأس مركز الحريات الصحافية في رابطة الصحافيين السوريين في تصريح لوسائل إعلامية، إن التفسير الوحيد لهذا الأمر هو تغطية النظام على الحجم الكارثي لأعداد المعتقلين لديه والمختفين قسرياً ومجهولي المصير، كحالة استباقية للضغوط التي قد تمارس عليه من حليفيه روسيا وإيران، اللتين رعتا مع تركيا بعض الاتفاقيات، كاتفاقية خفض التصعيد في عدة مناطق بسوريا ومن المفروض أن الملف الثاني الذي اتفقت عليه الدول الثلاث لإيجاد حل له هو ملف المعتقلين.
وأضاف أنه من المعروف أن التعذيب الممنهج في السجون والمعتقلات السورية يؤدي غالباً إلى قتل الضحية، فكان لابد من إصدار شهادات وفاة والادعاء أن المعتقلين ماتوا ميتة طبيعية أو بسبب مرض ما، لأنه عندما يفتح ملف المعتقلين ستكون هناك قوائم بأسمائهم و يجب على النظام أن يمتلك إجابات حول مصيرهم، فكانت هذه الخطوة الاستباقية التي تهدف للتغطية على جرائم التعذيب التي أفضت لمقتل الضحايا.

ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير صدر عنها أمس الجمعة، اختفاء 81652 مواطناً سورياً لدى نظام الأسد منذ انطلاق الثورة، مؤكدة أن العدد الحقيقي للمختفين قسرياً عند قوات النظام أعلى من هذا بكثير نظراً للصعوبات التي تواجهها الشبكة في عمليات التوثيق.

وأشار تقرير الشبكة إلى أن حصيلة من قتلهم نظام الأسد في سجونه جراء التعذيب بلغت بحدها الأدنى منذ بداية الثورة منتصف آذار 2011 إلى حزيران 2018 قرابة 13066، منوهاً أن العدد أكبر من هذا، لكن هذا ما استطاعت الشبكة توثيقه.
وأضاف التقرير أن الشبكة استطاعت توثيق 161 حالة لمختفين منذ أيار الماضي اكتشف أهلهم أنهم مسجلون كمتوفين في السجل المدني، كان منهم 94 حالة في ريف دمشق، 32 حالة في حماة، و17 في اللاذقية، و8 في دمشق، و6 في حمص، و4 في الحسكة، منوهاً أن تبليغ الأهالي بوفاة أبنائهم في المعتقلات، تتم عبر مختار الحي أو الأجهزة الأمنية شفهياً أو عبر اتصال هاتفي.
وطالبت الشبكة مجلس الأمن والمجتمع الدولي بالتدخل لإيقاف التعذيب والكشف عن مصير المعتقلين ووقف تلاعب نظام الأسد بالسجلات المدنية، موضحة أن هذا من صلب مسؤولية المجتمع الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة.
فيما نشرت دائرة النفوس في مدينة معضمية الشام بريف دمشق، في 25 حزيران الماضي، أسماء 165 معتقل من أبناء المدينة قضوا تحت التعذيب في الفروع الأمنية للنظام السوري خلال السنوات الماضية.
وقامت دائرة النفوس بنشر الأسماء عبر أوراق مطبوعة على جدران الدائرة، وطالبت الأهالي بالتعرف على تلك الأسماء لتوثيق وفاتهم وتسجيلها لدى الدائرة.
وأكدت مصادر أهلية أن 700 معتقل من أبناء المدينة بينهم 39 امرأة، كانوا قد اعتقلوا في بداية الحراك السلمي في المدينة قبل سبعة أعوام، وآخرين تم اعتقالهم خلال مداهمات المنازل قبل طرد قوات النظام منها، فضلاً عن معتقلين تم توقيفهم على الحواجز العسكرية في دمشق وريفها.
بينما أفادت مصادر إعلامية أن قوائم بأسماء أكثر من 600 معتقل لدى النظام، وصلت في الأيام القليلة الماضية، إلى مديرية السجل المدني في محافظة الحسكة، لتجري توفيتهم رسمياً، وسبق أن تسلمت مديرية السجل المدني في حماة قائمة بنحو 120 معتقلاً، كما تسلمت دائرة السجل المدني في معضمية الشام بريف دمشق قائمة بـ165 معتقلاً، وفي جبلة تسلم السجل المدني قوائم كشف منها 7 معتقلين فيما تكتم باقي الأهالي عن الخبر.

وقالت مصادر إعلامية في مدينة السويداء، جنوب سورية، إن والد المعتقل السياسي إيهاب طلال أبو صعب، من أبناء ريف المحافظة، علم قبل أيام عن طريق الصدفة أن ولده المعتقل منذ آذار 2013، قد قتل بعد عام واحد على اعتقاله، وذلك استناداً إلى بيان قيد عائلي استخرجه من السجل المدني. 
وتحدثت مصادر إعلامية عن ثلاث حالات مشابهة في محافظة السويداء، علمت فيها عائلات بمقتل أبنائها بعد فترة من اعتقالهم، في حين ما زال مصير 10 معتقلين سياسيين مجهولاً حتى اليوم.
أم محمد، من دمشق، لديها 3 أبناء معتقلين، وتعيش مع ابنتها الوحيدة وزوجها، تقول: “أقاربنا لديهم معتقلون منذ سنوات ولا يعلمون مصيرهم، ذهبوا إلى السجل المدني واستخرجوا بيانات عائلية، فمنهم من اكتشف وفاة أبنائه إذ وفاهم النظام رسمياً على السجل، ومنهم من تجدد الأمل لديهم في أن يكون أبناؤهم أحياء إذ لم يتم توفيتهم في السجل”.
وتضيف:

“لن استخرج بياناً عائلياً أبداً، أريد أن أعيش ما تبقى لي من أيام، على أمل أن أرى أبنائي، وأنا أعلم أنهم ما زالوا على قيد الحياة، حتى إن وفاهم النظام، لن أصدق حتى أرى جثثهم بأم عيني”.

من جانبها، قالت الناشطة الحقوقية والمحامية نورا غازي الصفدي، وهي زوجة الناشط باسل الصفدي، على صفحتها الشخصية في فيس بوك: “اليوم حسم الصراع بين شكي ويقيني بمصير باسل، اليوم قتلت آخر ذرة أمل في قلبي أن يكون باسل حياً، اليوم، ذهب عمي أبو باسل إلى دائرة النفوس، وتأكد أن باسل قتل بتاريخ 2015/10/5، أي بعد يومين فقط من نقله من سجن عدرا. 
اليوم، صرنا حالة من الحالات التي تأكدت من وفاة أحبابها، اليوم، بدأ أمل جديد لديّ إذ وصلت إلى إقرار المجرمين بقتل باسل، وحصلت على تاريخ قتله بعدما ناضلت أكثر من سنتين لأصل إلى هذا الاعتراف.
وأضافت “الصفدي”: أعرف أن ما سأقوله قاس لكني أطلب من كل عائلة لديها معتقل مجهول المصير، أن تراجع دائرة الأحوال المدنية لتستخرج بيانات قيد نفوس، وتراجع الشرطة العسكرية، لأن النظام يصدر شهادات وفاة لبعض المعتقلين، وإن كانت الحقيقة بشعة، لا بد من أن نعرفها ونواجهها، فمن حقنا أن نعرف، ومن واجبنا أن نواجه.

يذكر أن مصوراً لدى الشرطة العسكرية، انشق عن النظام بداية عام 2014، ولقب بـ “قيصر”، نشر نحو 50 ألف صورة لجثامين معتقلين قتلوا نتيجة التعذيب وظروف الاعتقال السيئة وإساءة المعاملة والإهمال الطبي.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*