حين وَدَّعنا الياسمين

ياسمين محمد 
إنه يوم الأحد، هو ليس ككل الأيام هنا، في ما مضى كان يوم الجمعة في بلدي مختلفاً عن بقية الأيام، كان صوت الأذان في يوم الجمعة يتكرر خمس مرات، أما الآن فلا صوت سوى لأجراس الكنائس، في كل ساعة ومع تمامها تأتي أجراس الكنيسة لتنبّهنا لغربتنا.
واليوم بالتحديد، ومع ارتفاع أصوات أجراس الكنيسة أكثر من كل يوم، ومع مرور كل ساعة، يزداد شوقي وحنيني لأصوات الأذان في بلدي، بعد أن اكتمل العام الرابع على حرماني ليس فقط من أصوات المساجد، بل من كل شيء جميل في بلدي، ومن رؤيتها والسير في شوارعها وأزقتها، قبل أربعة أعوام، وفي مثل هذا اليوم تحديداً، كان اليوم الأول من عيد الأضحى، وكان آخر ما عشته في بلدي قبل أن أغادرها مرغمةً مكرهة، هو أصوات تكبيرات العيد وهي تعلو من مآذن مساجد بلدي. 
كانت أصوات التكبيرات تعلو كما في كل عيد، والناس في الشوارع فرحين مسرورين كما هي عادتهم، في طريقي إلى المطار كانت الشوارع تعج بالسيارات وبالفرح، بينما لم أكن أستطيع أن أشعر بالفرح مثلهم، ولم يكن ككل عيد بالنسبة لي، لقد كان أسوأ عيد يمر علي طيلة حياتي.


كنت أتأمل في الشوارع والأحياء والأشخاص وفي كل شيء، وأتمعّن فيها، وأحاول أن أحفظ كل تفاصيلها، وأتساءل هل سأستطيع يوماً أن أعود إليها؟، هل سيطول بي البعاد؟، وأنا لا أقوى عليه، هل سأعرف تلك الشوارع وهؤلاء الأشخاص؟، ولا سيما أنها تغيّرت علي حتى قبل أن أبتعد عنها، لم تكن تلك الأماكن التي عهدتها وحفظت حتى أزقتها الضيقة، وسرت فيها نهارات حتى أنهكني التعب.
كان شعوري بأن شجيرات الياسمين الدمشقي المتدلية من جدران وشرفات المنازل، تودعني وتودع كل الراحلين عن دمشق، على أمل عودة قريبة لهم.

أفكار كثيرة وتساؤلات وتصورات للحياة ما بعد إقلاع الطيارة، كانت تسيطر على كل كياني، وبالتأكيد العتاب واللوم لأنني كنت قد رفضت الرحيل عنها، ولكنني وبالرغم من كل ما استجد وأنا على بعد كيلومترات من المطار، لم أكن نادمة على بقائي، وبقيت أحاول كسب كل لحظة أستطيع أن أبقى فيها في بلدي، وتمنيت لو أن بإمكاني البقاء، ولكن هناك ما بات أكبر مني ويجبرني على الرحيل.
إنه العيد الأول لي في وضعي الجديد وغربتي وحياتي وهيئتي وظروفي الجديدة، كل ما يحيط بي غريب علي، وكل ما ينتظرني لا أجيد وضع تصور له، ولكن كل ما كان يعزيني أنني سأجد عائلتي بانتظاري، وسأراهم بعد أشهر من الفراق.

 
 
 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*