الصورة.. المعايير الأخلاقية وموانع النشر

بعدسة إياد جرود – زيتون

خاص زيتون
أشلاء وضحايا وأطفال في الوحل، وجوه بائسة، رجال يبكون، نساء صرعى، دماء، فوضى، سيل من الصور ليس لها آخر حتى تمج نفسك النظر إليها وتخرج من وسائل التواصل الاجتماعي وأنت تشعر بالغثيان.
أكثر ما يعلق في ذهنك ما سيقول والد الطفل حين سيرى صورة طفله محروقا وهو يحمله باكيا، كيف سيتجاوز أن أسوأ لحظة في حياته ستبقى خالدة على شبكات الأنترنت مدى الدهر، ربما سيشعر ببعض الحياء، ومن المؤكد أنه سيشعر بالكثير من الغضب والحنق على المصور، ومن المؤكد أيضا أنه لا يريد لصورة ابنه بعد أن شوهته النار أن تنشر.

الضحايا ليسوا سبقا صحفيا
الحديث هنا ليس عن إعلاميين هواة بل عن مؤسسات صحفية يفترض بها أن تكون منابر للمهنية، ومنها تصدر الضوابط والمحاذير في مراعاة الكرامة البشرية واحترام الجسد الإنساني، وربما أن ما استجد من فوضى الضخ الإعلامي الغير مسبوق، ومزاحمة المواطن الصحفي للمؤسسات الصحفية، وسرعة تقديم الخبر بحكم تواجده وحضوره في مكان الحدث، بينما تحاول الصحافة اللحاق به، دفعت بالكثير من تلك المؤسسات إلى الإطاحة بالكثير من ضوابطها المهنية إن لم تكن الأخلاقية، وعلى رأٍسها أخلاقيات الصورة.
اكتب على محرك البحث أي كلمة عن سوريا، وسيطفح عليك كما هائلا من القتلى والدم والمشردين واللاجئين في أوضاع مهينة ومذلة، ربما ستلاحق أصحابها إلى يوم الدين كدليل على ذلهم ذات يوم.
حين تكون تحت الأنقاض، أو تحاول أن تخرج ابنك من بين النيران، أو منهارا أمام موت عائلتك أو على حدود مغلقة بعد أيام من النزوح المتعب.. هل تحب أن يصورك أحد ما لتوضع صورتك على صفحات ما هب ودب، دون أن يكون لك رأي بذلك؟
في سوريا فقط، تهرع الكاميرا لترافق المصاب من تحت الركام، إلى سيارة الإسعاف، إلى المشفى، إلى لحظات الفجيعة والموت، وحتى الدفن والصلاة على الميت، دون أي مراعاة لكرامة الإنسان واحترام خصوصيته.
ويرى الكثير من المتابعين للحالة السورية أن الوقت قد حان كي نتوقف عن تصوير الناس في حالات لا نريد لأحد أن يصورنا بها، كما أن الوقت قد حان لكي نمتنع عن تصوير طفل في شقائه، لأننا لا نريد لأطفالنا أن يظهروا أشقياء أمام البشرية، فكّر كيف سيتلقى هذا الطفل صورته بعد أن تنشرها.
عما تحمله الصورة من قيمة تاريخية وما يتبع تلك القيمة من خطورة يقول المصور السوري “عمار العبد ربه”: “بشار الأسد لن يدوم إلى الأبد لكن الصورة ستبقى إلى الأبد”، وهو ما يحمّل الناشرين مسؤولية كبرى في اختيار صورهم المنشورة.
المصور والناشط السوري “خليفة الخضر” يرى أن التطفل على المجال الصحفي هو ما تسبب بتلك الفوضى، مؤكدا أن مهنة الصحافة محكومة بقواعد أخلاقية، وما تقوم به بعض الجمعيات الخيرية والإغاثية يعود لسياسة هذه الجمعيات التي لا تلقي بالا لتلك القواعد والمعايير الإنسانية، ما خلق خلطا بين الصحافة كمهنة والنشاطات التي تنشرها بعض المنظمات والجمعيات وحتى الأفراد، بعدما استعانت الكثير من المؤسسات الصحفية بوسائل التواصل الاجتماعي في موادها.
ويضيف: “ضعف التدريب وانعدامه أحيانا لدى المصورين المراسلين، وانعدام الخبرة والاطلاع على المعايير، أوجد حالة من الانفلات المرئي، ونشر ما هب ودب نتيجة لعدم وجود رادع أو وازع، إضافة إلى حاجة تلك الوسائل لصور خاصة بها، دفعها لتجاوز أخلاقيات الصورة ضمن العمل الإعلامي، في حين أن أغلب التدريبات التي خضع لها المصورون الهواة اقتصرت على تقنيات التصوير والكاميرا، دون التطرق للشقّ الأخلاقي للصورة”.
ويؤكد “الخضر” على أن الصورة قادرة على تأجيج خطاب الكراهية والصراع العنصري وتأجيج النزعات القومية والطائفية، ما يدخل الصورة في حيز جدلي ما بين حق الناس في المعرفة وحق المجتمعات في حماية ذاتها، الأمر الذي يضع المؤسسات الإعلامية في موقع الحكم، وتقدير مدى الضرر والفائدة من نشر الصور.

حقوق الصورة 
يرى البعض أن للانسان الحق فيما يتعلق بصورته أو الاعتراض عليها سواء بنشرها أو التعديل عليها أو حذفها، وما يجري من التقاط الصور للسوريين بكل شرائحهم وأعمارهم وحالاتهم وخصوصا الأطفال واللاجئين والضحايا، وهم الشرائح التي تعجز عن الرفض والاعتراض ولا سيما حين ترتكز الصورة على الجانب المأساوي في حياتهم.
كما يرى البعض أن كل صور الضحايا بما تحتويه من انكسار وهوان وضعف هي انتهاك لكرامة الإنسان، إلا في الحالات الضيقة التي تكون فيها الصورة بهدف التوثيق أو اثبات جناية قد يكون نفعها لا يقارن بضررها كاستهداف المدنيين بالغازات السامة وتقديم تلك الأدلة للمحاكم الدولية، أو تصوير الجثث مجهولة الهوية، شرط أن تبقى في إطارها المحدد والضيق دون نشرها بطريقة مشاعية.
ورغم أن تمويه الصورة قد يخفف من حدة انتهاكها إلا أن الضرر الذي تسببه تلك الصور لأصحابها الضحايا فيما بعد لا يزول بعملية التمويه، وهو ما يبقي الصورة المموهة في إطار عدم شرعيتها.
ويرى أحد المصوريين المحترفين أن المعيار في شرعية الصورة هي في أن يضع المصور نفسه مكان الضحية موضوع الصورة ليكون قادراً على الإحساس بالشخص المصور، وليتأكد من أن الصورة لا تمس بكرامته أو أن لها جوانب مذلة أو مهينة. 
وفي جانب من جوانب انتهاك النظام السوري لحقوق السوريين بث التلفزيون السوري في إحدى برامجه كيف كانت المذيعة تقوم بلقاء المصابين في إحدى المقابر وهم ينازعون الموت من بينهم نساء وأطفال متروكين لجراحهم وأثار الطلقات النارية واضحة عليهم بينما تقوم المذيعة بسؤالهم عمن أطلق النار عليهم.
في حين تمادى بعض الناشطين المعارضين للنظام السوري في تغطيتهم الأخبارية للحديث مع الضحايا العالقين تحت الركام دون اعتبار كبير لخصوصية الضحايا. 
“عمار عبد ربه” مصور سوري محترف يقول في إحدى لقاءاته أن أكثر ما يحرص عليه حين وصوله إلى أماكن القص فهو مشاعر الأهالي خوفا من القيام بتصرف يسيء إلى مشاعرهم.
فيما كتب علاء قمحاوي بموقع الصوت الحر: “بعد عدة أشهر تبادلت المكان مع الضحايا هذه المرة، وشعرت بشعور أهالي وأصحاب القتلى الذين تُنشر صورهم، وذلك بعدما تم نشر صور أصدقائي اللذين ماتوا من العاصفة الثلجية فى سانت كاثرين. شعرت بغضب شديد تجاه وسيلة الإعلام التي نشرت هذه الصور، خاصة وأنه لا يوجد أي شئ يمكن أن يضيفه نشر الصور.
الآن “أظن” أني أرى الصورة الكاملة من أغلب الزوايا، ربما يساعدني هذا على تقييم المواقف كل على حدة لإيجاد إجابة متجددة ومتغيرة لسؤال: “هل يصح التقاط هذه الصورة وهل يصح نشرها؟” ولكن ستظل الصعوبة قائمة دائما عند لحظة قياس مدى أهمية ما تنقله وتضيفه الصورة مقابل ما ستتسبب به من ألم”.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*